بقلم: د.عباس شومان
الصوم فريضة افترضها الله عز وجل على عباده المؤمنين، لم يكن أول من كُلف بها هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، بل كما نصت الآية الكريمة، كان الصوم في الأمم السابقة؛ ولذلك قال الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ» تَتَّقُونَ (البقرة١٨٣).
فكان في الأمم السابقة يوجد صيام، ولكنه يختلف عن صيام أمتنا، فصوم عن الكلام، وصوم عن مجالسة الناس والتحدث إليهم، صوم ربما عن بعض المأكولات والمشروبات فى الأمم الآخرى، في أوقات معينة، ولكن الصيام الذى أفترضه رب العالمين على المسلمين، صيام بكيفية خاصة.
فالصوم هو الامتناع، الإمساك، وهو درجات، أدناها أن يُمسك الإنسان عن الطعام والشراب من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس في أيام رمضان، هذا صائم أدى فريضة الصوم، ولكنه لا ينبغي أن يقتصر عن هذا، بل عليه أن يُحقق حِكَمَ الصيام، هذا صوم يعفيه من المسئولية يوم يقف بين يدي الله عزوجل لأنه صام.
ولكن المؤمن ينبغي عليه أن يسعى للحصول على أعلى الدرجات؛ ولذلك لا يكتفى بصوم الجارحة عن الطعام والشراب، ولكن يصوم بقلبه يصوم من داخله يتذكر معنى الصيام ويعقله في نفسه، ويعلم أن الله عزوجل افترضه عليه ليهذب سلوكه وليهذب روحه، وليهذب قلبه وليهذب الجوارح، ليكون عبدًا ربانيًّا يتَعامل مع الله عزوجل.
إذا صام هذا الصيام لقي عند الله عز وجل الأجر العظيم وكان ممن يشملهم الله عز وجل بثواب لا يعلم حقيقته إلا هو....»كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»، أما إذا اقتصر عن الصوم عن الطعام والشراب ثم أطلق لسانه في المحرمات وعينه في المحرمات، تغافل عن طاعة الله عزوجل فربما يكون تحت قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ والعطش, وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا طُول السَّهَرُ» نسأل الله عز وجل ألا نكون من هؤلاء وأن نكون ممن صاموا كما يكون الصيام وقاموا كما ينبغي أن يكون القيام ومن هنا وجب أن نتحدث عن بعض أحكام الصيام، إذا كنا نتحدث عن الصيام وما يتعلق به من فضائل الأعمال فإنه من المفيد أن نتحدث عن بعض الأحكام المتعلقة بالصيام، أو ما يمكن أن يطلق عليه فقة الصيام، فالصوم يلزم الصائم أو الصائمة أن يمسك عن الطعام والشراب والشهوات المضرة بالصوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس من كل يوم.
وهناك عوارض تعرض للصائم منها ما لا يؤثر على صومه ويبقى بحاله، مع أنه يتعارض مع حقيقه الصوم، ومنها ما يرخص للصائم فيه بفعله، ويلزمه بعد ذلك بإعادة الصوم أو قضائه، ومنها ما يرتكب من مخالفات توجب على الصائم فعل القضاء مع الكفارة.
وبداية فإن الصوم لا يفسد بأكل الصائم أو شربه في نهار رمضان ناسيًا إذا تناول الإنسان طعامًا أو شرابًا في وقت الصوم وغير متذكر لوجود الصوم وصيامه، كما يحدث في الغالب في بدايات أيام الصيام حيث إن الإنسان لم يتعود بعد على الإمساك عن الطعام والشراب، وكان قريب العهد بتناول الطعام في كل أوقات النهار، فربما يحدث هذا لبعض الناس، وينسى أنه صائم فيرى بعض الماء فيشرب منه، أو بعض الطعام فيأكل، ثم يتذكر بعد ذلك أنه في حالة الصيام.
وإذا حدث للإنسان ذلك فإنه لا يؤثر على صومه ويبقى على حكم الصيام، بشرط أن يمتنع عن تناول الطعام والشراب فور تذكره بأنه في رمضان وأنه صائم، ولذا إن كان في فمه بعض ماء أو طعام فعليه أن يتخلص منه على الفور ولا يضره ما دخل قبل ذلك إلى جوفه ويبقى صائمًا؛ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإنسان الذي يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسيًا «إنما أطعمه الله وسقاه» فإذا أكل أو شرب الإنسان فما عليه إلا أن يمسك، ثم يستمر في صيامه إلى أخر النهار، وصومه بحآله لا ينتقص أجره وكأنه لم يأكل ولم يشرب ولا ضرر في ذلك.
وعلى الناس أن يعلموا أن هذا رحمة من الله عز وجل؛ فلا يشكون في صيامهم ولا يكثرون التساؤل في هذه الأمور؛ لأنها معلومة محسومة، فلا يرهقون أنفسهم، ومن الخطأ الشديد أن يستمر في تناول الطعام أو الشراب ظنًا منه أنه فسد صومه، ومن وقع في هذا فعليه القضاء.
والإنسان المسلم في رمضان وغير رمضان غفر له ما يتعرض له من خطأ أو نسيان، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان بالإضافة إلى الدليل الخاص الذي سبق وذكرناه «من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» كذلك لا يفطر الصائم ولا يفسد صومه إذا كان مريضًا ووصف له علاج منه إبر يتعاطاها أو حقن يأخذها الصائم ما لم تكن شرجية.
فهذه الإبر التي توصف له يأخذها في نهار رمضان أيا كان نوعها، فإنها لا تؤثر على صومه، وهذا هو الراجح من أقوال الفقهاء وسواء كانت تؤخذ في العضل أو في الوريد فصومه صحيح وسواء كانت هذه الإبر من الفيتامينات أو من غيرها طالما أنها ليست بقصد التقوي على الصيام أو التغذية، وإنما هي علاج موصوف له، ويفضل إذا لم يكن هناك ضرر أن يأخذها الإنسان في وقت إفطاره قبل أن يدخل في الصيام إن أمكن هذا، وكان مسموحا به ولا يؤثر عليه بزيادة المرض أو تأخر الشفاء.
كذلك من الأمور التي يقع فيها فهم خاطئ، ويظن الناس أنها تفسد الصيام بمعنى أنها تفطر الصائم وهي ليست كذلك، ارتكاب بعض المعاصي، فالمعاصي محرمة في رمضان وغير رمضان، ولكنها لا تفطر الصائم، وحين يتحدثون عنها بقولهم إنها تفسد الصيام ولا تناسبه فإن المقصود أنها تفسد الأجر؛ فالمعاصي التي يرتكبها الناس كالنظر إلى المحرمات مثلا هذا حرام ولكنه لا يفسد الصيام، وإذا فعله الإنسان انتقص أجر الصيام وربما خرج منه بلا أجر.
بمعنى أن الثواب الذي أعده الله عز وجل للصائمين قد لا يحصل على شيء منه جراء هذا الفعل، ولكن صومه بحاله أنه لا يسأل في الأخرة لماذا لم يصم؟ لأنه صام ولكن ليس له من صيامه إلا سقوط الفريضة عنه وعدم السؤال عنها، وضاع أجره الذي أعده الله عز وجل للصائمين وهو أجر عظيم.
فعلينا جميعًا أن نبتعد عن المعاصي، وأن نقبل على الطاعات وحتى إن كانت المعاصي لا تفسد الصيام زيادة في الأجر وطلبًا للثواب ورفع الدرجات، والتخلص عن أوزار كثيرة ارتكبناها قبل رمضان .
كما يجب أن نشير إلى أن هناك من يلزمهم الإفطار في نهار رمضان أي يجب عليهم أن يفطروا ويحرم عليهم الصوم في رمضان أو في غيره إذا كان الصوم تطوعًا؛ وهؤلاء منهم المرأة إذا كانت في حالة نفاس أي عقب ولادة وكذلك الحائض فكلاهما يحرم عليها الصوم، ويجب عليها أن تفسد صومها بأي شيء، وصيامها حرام، ولا يسقط عنها الفريضة، بل يجب عليها القضاء.
وبعض النساء لا تلتفت إلى هذا وإن سئلت لماذا لا تفطرين تجيب بأنها لا تشعر بتعب وهي قادرة على الصيام، فلماذا لا تصوم، وهذا خطأ شديد؛ فإن إفطارها في نهار رمضان عزيمة أي واجب عليها، وصيامها محرم، فإذا صامت فقد خالفت شريعة الإسلام ووقعت في حرام حرمه الله عز وجل عليها، فإنها تنتهك حرمة الصوم وهي تصوم وليست من أهل الصيام، وعلى النساء أن ينتبهن إلى هذا، فلا تصوم المرأة مع الحيض، ولا تصوم مع النفاس، لا علاقة للصوم بشعورها أو إحساسها بتعب من عدمه، فهذا هو حكمها في الإسلام، وصيامها وإفطارها في نهار رمضان لا يسقط الفريضة عنها، فهي مطالبة بها ولذلك تقضي بعد رمضان، وعلى النساء أيضًا أن يذكرن هذا الحكم فإذا صامت المرأة في نهار رمضان فصيامها لا اعتبار له وهي مفطرة - مع أنها صائمة - ثم عليها أن تقضي بعد رمضان.
ولا يشترط لتفطر في نهار رمضان أن تأتي بالطعام وتجلس لتأكل وتشرب أمام الناس فهذا غير مطلوب منها، بل ربما يخرج عن حدود اللياقة المشروعة في الإسلام، وإنما يكفيها أن تتعمد إفساد صومها ولو بشربة ماء في أي جزء من أوقات النهار، وبذلك تكون محققة للحكم الشرعي في حقها.
كذلك يحرم الصوم على الشيخ الكبير إن كان الصوم يضره ضررًا شديدًا، وعلى المريض الذي يتفاقم مرضه لدرجة أنه قد يؤدي إلى الوفاة، فكلاهما يحرم عليه الصوم لقوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا»، فحين يصوم الإنسان مع أن الأطباء يحذرونه من الصوم، ويقولون له إن الصوم قد يتسبب في هلاكك، فهذا مِن قتل الإنسان لنفسه، حيث يكون قد أدى بنفسه إلى الهلاك الذي حرَّمه الله عز وجل عليه.