حوار : سلوى عبد الرحمن

عدسة : آيات حافظ

«الدعاء مخ العبادة» هكذا أخبرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. وفي هذا الحوار مع الدكتور مبروك عطية أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر نبحر في سفينة الدعاء المحمدية وننهل من معين الدعاء النبوى ، ويدعو معنا الدكتور مبروك بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم

ما تعريف الدعاء وآدابه عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الدعاء علاقة بين عبد مسكين ورب شديد القوى يستنجد به وبقوته ويسأله من الخير ما يشاء والله سبحانه وتعالى أمر بالدعاء فقال تعالى “ادعونى أستجب لكم “وبين لنا أنه سيستجيب لنا فقال الله تعالى لرسوله الكريم “وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان” أى أنه سبحانه وتعالى عندما أمرنا بالدعاء له وعدنا بالإجابة فالرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا من الناس لا يعرفون الأدعية التى أمره الله أن يدعوه بها فى كل المواقف التى تواجه الرسول الكريم سواء فى الشدائد والمواقف الصعبة أو المواقف الحياتية اليومية العادية ليعلمنا صلى الله عليه وسلم أهمية الدعاء فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن ربنا أن الدعاء هو مخ العبادة فكما أن عقل الإنسان مقدم على سائر أعضائه الأخرى نظرا لأهميته وأنه بمثابة العمود الفقرى للإنسان فبدونه يصبح الإنسان لا شىء وأن العقل هو الأساس فى حركة الإنسان وإدراكه وكذلك الدعاء هو أساس العبادة لأن فى الدعاء الصلة الدائمة بالله سبحانه وتعالى فالإنسان دائم الدعاء هو دائم الصلة والارتباط بالله سبحانه وتعالى.

ومن الرسائل التربوية المهمة التى ينبغى أن نربى عليها النشء أن نوجههم إلى صالح الأعمال قبل الدعاء لا أن نضع فى أكفهم ما يسمى بأذكار الصباح والمساء, فنلقنهم الدعاء دونما اعتماد على ركائز وبوسعنا أن نقول للواحد منهم وقد استجاب نداء أبويه أحدهما أو كليهما: ادع الله ياولدى أو يا ابنتي, فقد قدمت عملا صالحا يرتكز عليه دعاؤك.

كيف أمر ربنا سبحانه وتعالى نبيه الكريم بالدعاء؟

بداية دعاء الرسول الكريم قد علمه الله ذلك فى القرآن فنجد قوله سبحانه وتعالى “وقل رب زدنى علما” أى أنه يطلب منه الدعاء بزيادة علمه وعندما يقول له ربه “وقل رب أنزلنى منزلا مباركا” فلا شك أن الرسول كان يدعو بهذا الدعاء وأيضا عندما يقول له ربنا سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز “وإلى ربك فارغب” فإنه هنا فتح له سبحانه وتعالى الباب لكى يدعو بما يشاء وأن يعلمنا صلى الله عليه وسلم كيف يكون الدعاء وفى كل موضع من حياتنا يكون هناك الدعاء لدوام الصلة بين العبد وربه وأن ننهل من كرم ورحمة الله ومغفرته وتأييده لعباده وقد علمنا كذلك الرسول الكريم أننا عندما ندعو يجب أن نكون موقنين بالإجابة مصداقا لقوله تعالى فى محكم آياته (وقال ربكم ادعونى أستجب لكم)

ماذا كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم فى أحواله المتعددة؟

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله فى جميع أحواله فقد كان لا يهم بفعله دون أن يدعو الله سبحانه وتعالى مناجيا له مرتبطا به فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا أراد أن ينام كان يدعو ربه قائلا «اللهم وألجأت ظهرى إليك رغبة ورهبة إليك لاملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذى أنزلت وبنبيك الذى أرسلت» وأنه وحينما كان يخرج كل يوم من بيته كان يدعو ربه قائلا “اللهم إنى أعوذ بك من أن أظلم أو أًظلم أو أن أعتدى أو أن يعتدى على وهى كلمات أشبه ما تكون بالبريق الناعم المضىء فى السماء فى بداية يوم يحياه الإنسان راجيا العون والمدد من الله سبحانه وتعالى لكى يكون بداية يومه هذا الدعاء والرجاء لكى يجنبه الله أن يظلم الآخرين أو أن يظلمه الآخرون وأن لا يعتدى على مخلوق بغير حق وألا يعتدى عليه الآخرون وأن يكون فى حفظ الله وعونه ومعيته سبحانه وتعالى حتى إنه روى عنه أنه ما أكل طعاما قط إلا ودعا ربه أن يزيده من هذه النعمة وأن يبدله خيرا منها إلا اللبن فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول حين يشرب اللبن اللهم زدنا منه وكان يقول اللهم بارك لنا فى طعامنا هذا وارزقنا خيرا منه وأن يحفظه من الزوال فقد علمنا الرسول الكريم أن نرجو الله بالدعاء أن يبارك وأن يحفظ نعمته وأن يحفظها من الزوال وأن يبدلنا خيرا منها برحمته وكرمه سبحانه وتعالى ومَن قال على طعامه‏:‏ بسم الله خير الأسماء فى الأرض وفى السماء ولا يَضُر مع اسمه داء اللهم اجعل فيه الدَّواء والشِّفَاء لم يضُرّه ذلك الطعام ‏ وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من طعامه قال‏:‏ الحمد للّه الذى مَنَ علينا وهَدانا وأطعمنا وأرْوانا وكل بلاء حَسن أبْلانا‏.‏

ماذا كان دعاؤه صلى الله عليه وسلم فى الشدائد والأزمات؟

كان لرسول الله أدعية يدعو بها ربه فى كل شدة يمر بها فثابت عنه فى الصحيح ورواه عنه بن إسحاق وابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم كان فى المعارك والحروب يدعو ربه قائلا اللهم نصرك الذى وعدتنى وكان عليه الصلاة والسلام يلح فى الدعاء راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يمده بالنصر على الرغم من أن الله قد وعد رسوله بالتأييد والنصر فى كتابه العزيز ورغم ذلك كان يدعوا الله ويلح فى رجائه وهو يعلم أن الله صدق وعده وأن النصر والتأييد الإلهى حتمى وقاطع كما نزل الله ذلك فى القرآن الكريم وعن أم سَلمة قالت‏:‏ كان أكثرُ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا مُقَلِّب القُلوب ثَبِّت قَلْبى على دِينك‏.‏

ما أكثر الأدعية التى كان يرددها عليه الصلاة والسلام كثيرا؟

كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء دائما ما كان يردده كثيرا وهو اللهم إنى أعوذ بك من الدين.

فلما سأله صحابته رضوان الله عليهم لماذا تستعيذ دائما فى دعائك من الدين أخبرهم صلوات الله عليه أن الدين يعلم الناس الكذب ويجلب الهم والحزن وأنا لا أحب الكذب ولا النفاق لأن المدين دائما ما يعد دائنه أن الحال سوف يتغير عما قليل وأنه سوف يسدد دينه فى وقت قريب ويرد إليه مبلغه من المال المستحق عليه فيأتى له ظرف آخر فلا يسد الدين أو يفى بالوعد الذى قطعه على نفسه للدائن فيقول عليه الصلاة والسلام أن المدين إذا حدث كذب وأنا لا أحب أن أكون كذابا أو مخلفا لوعد قطعته على نفسى وكان صلى الله عليه وسلم يكثر أيضا من دعائه لربه فيقول اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار على الرغم من أن بعض الناس الآن يفسرون هذا الدعاء بأن حسنة الدنيا هى الزوجة الصالحة فقط فهذا التفسير جانبه الصواب فحسنة الدنيا المذكورة فى الدعاء تعنى كل شىء من شأنه أن يجعل الدنيا حسنة من زوجة وولد وحسن جيرة ومحبة عائلة وتوفيق فى العمل ومهارة ورجاحة عقل وإصلاح سريرة وإصلاح نفس وأيضا المال الذى هو قوام للحياة إلى غير ذلك من أسباب سعادة الدنيا وجعلها حسنة كما فى الدعاء وعن اسم الله الأعظم قال عبد الله بنُ يَزيد عن أبيه ‏:‏ سَمِع النبى صلى الله عليه وسلم رجلًا يقول‏:‏ اللهمَّ إنِّى أسألك بأنَّك أنت الله الأحد الصَّمد الذى لم يَلِد ولم يُولد ولم يَكُن له كُفُوًا أحد فقال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد سألت الله باسمه الأعظم الذى إذا دُعِى به أجاب وإذا سُئِل به أعطى‏.‏

وعن أسماءُ بنت يزيد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ اسم الله الأعظم فيما بى الآيتَيْن‏:‏ ‏ “وَإلهكُم إله واحِد لا إله إلا هُو الرَّحْمن الرَّحيم ‏”‏ وفاتحة آل عمران‏:‏ ‏”‏ الم الله لا إله إلا هو الحَى القَيوم ‏”‏‏.‏

أما عن دعاء الاستغفار عن النبى صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سَيد الاستغفار أن تقول‏:‏ اللهم أنت ربٌى لا إلهِ إلا أنْتَ خَلَقْتنى وأنا عَبْدُك وأنا على عَهْدك وَوعْدك ما استطعتُ أعوذ بك من شر ما صَنَعْتُ أبوء لك بِنِعْمتك على وأبوء بِذَنبى فاغفِر لى إنه لا يَغْفر الذنوب إلا أنت‏.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سَفَرًا قال‏:‏ اللهم أنت الصاحبُ فى السفر والخَليفة فى الأهل‏.‏

اللهم إنَى أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب فى المال والأهل‏.‏ وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا خرج فى سَفر يقول‏:‏ اللهم إنِّى أعوذ بك أن أضل أو أُضل أوأذل أو أُذل أو أظلِم أو أُظْلَم أو أجهل أو يُجْهل عليّ‏.‏

والدعاء عند الأذان قال النبى صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا سَمِعْتّم الأذان فقُولوا مِثْل ما يقول المؤذِن‏.‏.

ما دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقتنى أو يقدم له شىء جديد؟

روى مسلم فى صحيحه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يحضرون له ببواكير ثمر المدينه المنورة أنه كان يقول اللهم بارك لنا فى مدنا وفى صاعنا - اى فى كيلنا- ووزننا وفى أرضنا وفى زراعتنا وكان عليه الصلاة والسلام يأكل منه القليل ثم يعطى بقيته إلى أصغر من حضر مجلسه الشريف من الصبيان وقد روى النووى فى شرح مسلم وذلك لأن الأطفال لا صبر لهم وأيضا روى عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان عندما يلبس ثوبا جديدا كان يدعو ربه ويقول اللهم إنى أسالك خيره وخير ما هو له وأعوذ بك من شره وشر ما هو له الحمد لله الذى كسانى ولو شاء لعرانى ويروى عن الرسول الكريم أيضا أنه حينما كان ينزل منزلا جديدا كان يسأل الله العفو والعافية وأنه عليه الصلاة والسلام إذا اشترى دابة جديدة كان يسأل الله بركتها وكان يسأل الله خيرها فقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه فى كل موقف مهما كان صغيرا .

ما دعاء الرسول عليه الصلاة والسلام فى رمضان؟

وعن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أرأيتَ أن علمتُ أى ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني)

أما فى دعاء صلاة القيام عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا تهجَّد من الليل قال: (اللهم ربنا لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك خاصمت وبك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت وما أنت أعلم به منى لا إله إلا أنت).