الأربعاء 8 مايو 2024

قصــة السيــنما.. الجزء الأول «1-3»

مقالات14-12-2021 | 18:35

أهَم ما يُميز السينما ارتباطُها الوَثيق بالعِلم، فنشأة السينما نَفسَها جاءت نَتيجة لانشغال وهوَس علمي بتَسجيل الحَركة، وإعادة عَرضها كصُور مُتحركة؛ لكن العِلم وقَف عِند هَذا الحَد، وكان يَلزمه الطَرف الأكثر فاعلية ليُولد أهَم الفُنون البَشرية الحَديثة.

فقَد عَرَض «جورج ميلياس» على «أوجست لوميير» شِراء آلة التَصوير التي اخترعها، لكن «لوميير» أخبَره أنَها آلة بلا قِيمة حقيقية ولَن تَكون، وقَد كان «لوميير» عَلي حَق، فَلا قِيمة لهَذه الآلة دُون الفَنان الخَلاق، ولولا وُجود المُبدع ما كَانت السِينما، ولَيست التَطورات التقنية التي تَطرأ علي صِناعة السِينما إلا أدوات إضَافية لخَلق المَزيد مِن الإبداع؛ لكِنها لا تُنتج إبداع في حَد ذَاتها.

وقَد ضَرب «جورج ميلياس» المَثل في دُور المُبدع الخَلاق باستخدام الأدوات المُتاحة لصناعة فُنون إبداعية ثَورية، ولعَل مُحاولات رَصد تَاريخي نَقدي لمَراحل تَطور السِينما لا يخرُج عَن مَفهوم ظُهور تقنية جَديدة يَستغلها المُبدع في خَلق اتجاه رائد.

ويَعرض كُلاَ مِن «آرثر نايت» في كِتابه «قِصة السينما في العالم»، و«روجر مانفيل» في كِتابه «الفيلم والجمهور» التَطور التَاريخي لصِناعة السِينما، واستخدام التِقنية في الإبداع.

ويُعتبر الكِتابين بمَثابة مُحاولة للتَركيز علي التَطور التِقني وعَلاقته المُباشرة بالنَتيجة الإبداعية الجَديدة، وبِرغم مُرور صِناعة السِينما بِعدة قَفزات إلا أن التَغيرات الثَورية ارتبطت بثَلاث مَراحل رَئيسة، أولاً ظُهور تِقنية تَسجيل الحَركة وعَرضها كصُور مُتحركة صَامتة، والمَرحلة الثَانية إضافة الصُوت إلي الفيلم، ثُم مَرحلة الفيلم المُلون، والتَحديات الجَديدة التي وَضعَها التليفزيون أمَام صُناع السِينما.

ورُبما يَكون مِن المُناسب تَتبُع فِكرة الناقدين «آرثر نايت» و«روجر مانفيل» عَن طَريق عَقد مُقارنة علي أسَاس هَذه المَراحل الثَورية التي مَرت بِها صِناعة الأفلام مُنذ نَشأتها وحَتي مُنتصف القَرن العِشرين، لذَلك سَتكون المُقارنة عِبارة عَن عَرض ومُناقشة لمَنهج «نايت» و«مانفيل» في تَوثيق تَطور الصِناعة بِداية من الفيلم الصَامت، يَليه النَاطق، ثُم المُلون، وأخيراً ظُهور التليفزيون.

صَدر كِتاب «قِصة السينما في العَالم» عَن المَكتبة العَربية للتَرجمة، وزارة الثَقافة المِصرية، الكِتاب للمُؤلف والنَاقد والمُؤرخ السينمائي الأمريكي «آرثر نايت».

ويُعد مِن أهَم المَراجع العِلمية التي تُدَرس ويُعتمد عَليها في كَافة أرجَاء العَالم ، وقَد اعتَمد «آرثر» مَنهج مُعين في تَوثيقه لقِصة نَشأة وتَطور السينما عَبر العُقود، وقَد قدَم لهَذا المَنهج في صَدر كِتابه، حَيث ذَكر أنَه سَيَهتَم بتَوثيق كَافة المُحاولات التي أدَت إلى تَطور الصِناعة نَفسها، ورَصد تِلك النِقاط الفَارقة التي شَكَلَت مَنهج جَديد للإبداع السينمائي.

وقَد حَدَد فَترة مُعينة لتَوثيق قِصة السينما تمتَد مِن التَجارب الأوَلية لتَسجيل الحَركة وعَرضها، وحتى خَمسينات القَرن العِشرين، وقد أضَاف أنَه لَن يَلتفت إلي الشَائعات الفَنية، أو الأعمال الشَهيرة، أو النُجوم الكِبار مَادام لَم يَكُن لهُم دُور في تَطور الصِناعة.

ويتَضِح هَذا المَنهج في تتَبعه لعُنصر الإخراج، أو صُناع الأفلام، ومِن قَبلهم المُخترعين الذين اهتموا بابتكار آلات لتَصوير وعَرض الحَركة، واستثني أفلام الرُسوم المُتحركة، ويَميل «نايت» في كِتابه إلي استخدام أسلوب قَصَصي عِلمي مُبسط، وقسَم كِتابه إلي سَبعة فُصول تَبدأ مِن مَولد فَن، وتَنتهي بالتليفزيون يتَحَدَى.


قام بتَرجمة الكِتاب إلى اللُغة العَربية سَعد الدين تَوفيق، وقَام بمُراجعته وتَقديمه صَلاح أبو سيف، الذي اعتمَد في مُقدِمته عَلى تَوجيه بَعض التَوصيات للنُهوض بالسينما المَصرية، وأرفَق الكِتاب بقائمة مِن المَراجع التي ينصح بها.

صَدر كِتاب «الفيلم والجمهور» عَن وَزارة الثَقافة والإرشاد القَومي للتَأليف والتَرجمة والطِباعة والنَشر،  قَام بتأليفه «روجر مانفيل» الذي بَدأ الكِتاب بتَعريفه كمُشتغل بشتَي المَجالات الفَنية وحَاصل عَلي دَرجة الدكتوراه مِن لندن، وقَد قَسَم «مانفيل» كِتابه إلي أربعة فُصول تَبدأ بالفِيلم الصَامت، وتَنتهي بالتليفزيون والفيلم المُلون.

ومِن الواضِح تَوجه «مانفيل» في كِتابه إلي رَصد عِدة عَلاقات مُرتبطة بالسينما، لاسيما العَلاقة بين السينما والمُجتمع والدَولة، وتأثير السينما النَفسي، وغَيرها مِن الأفكَار في إطار رصدُه لمراحل رُبما تَكون أكثَر عُمومية مِن تَوجه «إرنست» الذي اهتم بالتَفاصيل الفَنية للصِناعة كمِهنة، وتَحيزه لتَتَبع دُور صُناع الأفلام الرُواد.

ويَرجع هَذا الاهتمام والتَباين للتَكوين المَعرفي للمُؤلفين، وأهدَافهُم مِن مُؤلفهم، ورُبما اهتَم «مانفيل» بتَوثيق الصُورة العَامة لفُنون السينما لاهتمامه وتخصُصه الفَلسفي والأكاديمي، فهو يُناقش فَن في إطار دَوائر أخري، بَينما يُناقش «إرنست» صِناعة الأفلام وتَطورها التِقني والفَني والإبداعي.

وسَنجد ذَلك التأثر واضحًا في الجَوانب التي أسهَب فيها «نايت» مثلاً في الحَديث عَن الابتكارات التِقنية وتَوثيقها بالتَفاصيل، في حين تَجاوز «مانفيل» كَثير من التَفاصيل والأسماء، وقَد قام برلنتي مَنصور بتَرجمة كِتاب «الفيلم والجُمهور»، وقَام بمُراجعته يُوسف عَمون.

نَشأة الفيلم

يُناقش «مانفيل» في بِداية كِتابه «الفيلم والجمهور» انشغال الإنسَان القَديم بتَسجيل ونَقش تَصوراته، ومَا يُحيط به مِن مَظاهر الحَياة عَلى جُدران الكُهوف، ويضُم كَهف «لاسكو» بفَرنسا الكَثير مِن الرُسومات لحَيوانات في أوضاع الحَركة الواقعية، وبتراتُبية تُعطي إحساس بواقعية هَذه الحَركة، رُبما يبرِر ذَلك انشغال الانسَان الحَديث -في أواخر القرن التاسع عشر- بالبَحث عَن طَريقة لتَسجيل الحَركة ثُم إعادة عَرضها.

 ومِن المُفارقة الكوميدية اتخاذ الآلات الأُولي للتَصوير أسماء تُشبه أسماء الديناصورات المُنقرضة، وكأنَها تَدُل علي بِدائية هَذه الآلات في رِحلة نَشأة الفَن الجَديد، ومِن هَذه الأسماء «موريوتسكوب» و«براكسينوسكوب» التي ابتَكرها «رينو»، ويُسهب «نايت» في تَوثيق المُحاولات الأولية للتَصوير.

ويَتفق كلاً مِن «نايت» و«مانفيل» علي أن مُحاولات رَصد الحَركة جَاءت مُنذ بِدايات القَرن التاسع عَشر، إلا أن التَطور الأول كان عَلي يَد «ايتيان جول ماري» سنة ١٨٨٢م الذي استطاع ابتكار «البُندقية الفوتوغرافية» حيث تمَكن مِن رصد وتَسجيل حَركة الطُيور علي أسطوانة مُتحركة داخل الكَاميرا.

وفي غُضون عَشر سَنوات مِن التَطور ظَهرت أول كاميرا عَملية جَديدة، ثُم يظهر «وليام فريز جرين» الذي يستَطيع تَسجيل وعَرض فِيلم مُدته ثوان لشرطي مُتجول، وقَد جُن جُنونه بهَذه الطَريقة في تَوثيق جانب مِن الحَياة وإعادة عَرضه.


يَتفق كُلاً مِن «نايت» و«مانفيل» كَذلك علي المَرحلة الجَديدة وهي دُخول «توماس اديسون» ومُساهمته في الاكتشاف العِلمي الجَديد، فيُخبرنا «نايت» أنه بَعد ابتكار اديسون «الفونوغراف» وتَسجيل الصُوت، كان هُناك حُلم يُراوده بتَسجيل الصُورة والصُوت معًا، لَكن مُساعده «ديكسون» هو مَن قام عَلى مَدار سَنوات مِن العمَل للتوصُل إلي اختراع ثَوري هُو «الكينتوسكوب»، الذي يَستطيع تَسجيل الصُورة بطَريقة مُبتكرة، ثُم الرَبط بين الصُوت والصُورة باستخدام الفُونوغراف.

وقَد عُرض أول فيلم مُقترن بالصُوت يوم ٦ اكتوبر ١٨٨٩م، وكان عبارة عَن صُور مُتحركة لأستاذه «اديسون» وهو يَتحدَث، وبالتالي ينتشر «الكينتوسكوب» مِن الولايات المُتحدة إلي أوروبا، ثُم يَظهَر الإخوان «لوميير» باختراعهم الجَديد الذي يَستَطيع التَسجيل والطِباعة والعَرض للصُور المُتحركة باستخدام آلة واحدة.

وقَد انتشَرت آلات التَصوير والعَرض وأصبَحت مَصدرا للتَرفيه المَدفوع، لَكن كُل هَذه المَراحل التي شَهدت تَطورا للآلات -سواء تَصوير أو عَرض- حتي هذه النُقطة لا تُشكل ميلاد فَن السينما أو الفيلم السينمائي، بل يُمكن القول أن الواقع صار مُستعدًا لاستقبال المُبدعين الفَنيين القادرين عَلي استخدام هَذه الألعاب العِلمية في انتاج وصِناعة أخطر أنواع الفُنون وأكثرَها تعقيدًا؛ فن السينما.

Egypt Air