السبت 27 ابريل 2024

عن الرواية التاريخية

مقالات21-12-2021 | 12:19

 ظهرت كنص مُترجَم أو نثر مُقتبَس منذ بداياتها على يد العديد من الأدباء العرب في منتصف القرن التاسع عشر؛ حيث ازدهرت مَلكة التعريب عن محتوى الروايات الأوروبية في صورة النسخة العربية لـ(الفرسان الثلاثة) - Alexandre Dumas- على يد ( نجيب حداد)  والذي حول رواية (صلاح الدين) لـ - Walter Scott- إلى نص مسرحي لقى رواجًا عام ١٨٨١ م، حتى جاء الميلاد الحقيقي للرواية التاريخية على يد جورجي زيدان الذي صُنف كأول من أدخل هذا الفن الروائي للأدب العربي.

 وحاول زيدان من خلال هذه الأعمال الروائية جعل الفن خادمًا للتاريخ وغايته فى ذلك تثقيف وتعليم النشء وأجيال المستقبل، خلفه علي أحمد باكثير الذي اقتحم التاريخ الإسلامي محتفيًا بفكرة الجهاد مشيداً بالنصر الإسلامي على التتار في رواياته (وإسلاماه وسلامة القس والثائر الأحمر).

 والملفت أن كاتب الرواية التاريخية متخصص؛ فلا يوجد روائي استطاع ليومنا هذا أن يشمل إبداعه كل الأزمنة التاريخية؛ فها هو (عادل كامل) وقد تخصص في التاريخ الفرعوني كما في روايته ( ملك من شعاع)، و(عبد المنعم الوكيل) حَول هذا النوع من التاريخ  إلى عالم من الأساطير والفانتازيا كما في إبداعه ( إيزيس وأوزوريس)، ومارس (عبد الحميد جودة السحار) القص التاريخي لأول مرة  بقصة أميرة قرطبة.

 أما نجيب محفوظ فلم يكن صاحب هدف يصبو إليه في كتابة الروايات السردية التاريخية كما في (عبث الأقدار، رادوبيس، كفاح طيبة)، بل جاء داعياً للفرعونية مع الميل للعبثية تيمناً بكتابات سلامة موسى، ولعل الإضافة الأولى الملموسة للرواية التاريخية تجلت في قلم (جمال الغيطاني) بمفهوم جديد ؛وهو طرح رواية توهم بالانغماس في الماضي مع الحفاظ على قوامها ،فيسهل تطبيقها على الحاضر، كل هذا مع الاحتفاظ بالوعي التاريخي للتقنيات السردية الحديثة التي تحيل الرواية وتزيد مرونتها فتصبح رواية الأزمنة المتعددة كما في (الزيني بركات).

ويأتي السؤال هل خَفُتت الرواية التاريخية مما ينذر بعدميتها لاحقاً؟ وهل رواجها الموسمي المؤقت مؤشراً لقوة إبداع صاحبها؟؛ هنا لابد أن نتفق كون التاريخ هو الرواية الأولى والتي  قُدمت من جانب واحد ومن زاوية  أحادية، ربما اعترتها بعض الأهواء الشخصية؛ كما لابد أن نعترف بمسلمة التقاء التاريخ  بالرواية في نقطة مشتركة ألا وهي السرد وإعادة صياغة وبناء العالم الإنساني حتى وإن اختلفت الأنساق والأساليب؛ فالتاريخ يعيد بناء الماضي بالبحث والتوثيق والتأريخ المتجدد بينما ترنو الرواية لبناء العالم الإنساني؛ باستلهام الوقائع التاريخية ومنحها بعدًا حكائيًا ببصمة الروائي الذاتية عن طريق خياله الأدبي السردي المبتكر؛ لذا لابد أن نجمع على أنه لن يصمد كاتب رواية تاريخية إذا اعتمد على النقل البحت للوقائع التاريخية وهمش البعد الوجداني متناسياً حقه كروائي في التشكيك والاختيار عبر ألعاب السرد، أو بطرح افتراضات ورؤى غائبة كانت أو مغيبة، أو حقه في عرض تجربة سرد الاحتمالات وتبادل الأدوار والذي من شأنه إيجاد العديد من الاستنتاجات والتحليلات.

  فالتاريخ برواياته الخاضعة لمناهج البحث العلمي والمُذيّلة بالحقائق الأكاديمية وبالتوثيق المرجعي، والتي يتوجب على الأدب احترامها وإلا أصبح أداة تزييف للتاريخ، وهناك فن الرواية والذي يجب أن يتجرد من أي خوفٍ؛ دون طمس الحقائق بل يتخذها ذريعة كمادة خام ومرجعيات معرفية مطلقًا الخيال السردي.

لم يتوقف الإبداع في الرواية التاريخية فى أي فترة من الفترات، ولم تتوقف محاولات استكشاف مساحات فنية جديدة فى الإبداع من خلالها؛ والحاجة إليها مُتجددة، لأن إمكاناتها متجددة أيضا، قد يكون هناك قدر من الانحسار النسبي فى نتاج الروايات التاريخية، لكن المؤكد أن لها قدرا من الحضور ؛الرواية التاريخية، مثلها مثل كثير من الأشكال والتوجهات الروائية، قد تتصاعد فى فترة، وتنحسر فى فترة أخرى، ولكنها لا تختفى أبدا، وأتصور أنها تنهل من منابع ثرة وغنية، تجعلها قادرة على أن يكون هدفها تعليمي وتبصيري باستخدام الإسقاطات لشرح الحاضر وتوقع المستقبل بضوء الماضي، لذا يحتاج الأمر بعض الجهد والإبداع من كتاب الساحة لخدمة الرواية التاريخية التي خُلقت لتبقى.

بقلم دكتورة/ شيرين الملواني

Dr.Randa
Dr.Radwa