الخميس 23 مايو 2024

حديث النفس.. السلم والثعبان

مقالات23-12-2021 | 19:29

نعيش حياتنا.. نطارد أنفسنا ويطاردنا غيرنا.. وكأن الأرض ضاقت علينا بما رحبت.. حروب وصراعات فى رحلة المكسب والبعد عن الخسارة.. نمضى ونمضى وحينما نقترب من تسديد الهدف، وفى اللحظة التى تحتبس فيها أنفاسنا لتسديده فجأة، نفشل.. فقد ظهر الثعبان فأصبنا بهزيمة مدوية قد ترجعنا لنقطة البداية.. ولا نعلم هل وجود الثعابين أكثر أم السلالم؟ وهل تطاردنا الثعابين أم نطاردها؟ لكن المؤكد أن وجود الثعابين يلزمك التواضع والعمل الدؤوب، وإلا تحولت لأحمق يغره سلم قد تتهاوى من فوق قمته!

فى رحلتنا فى الحياة دائما ما نضع الأهداف التى نود تحقيقها أمام أعيننا ونبذل الغالى والنفيس فى سبيل الوصول إليها ونادرًا ما نلتفت لأنفسنا وقدراتنا أو حتى إذا كانت هذه الأهداف خاصة بنا أو بغيرنا أو فرضتها علينا الظروف أو جندنا البعض لتحقيقها، فنسعى وننتظر دائمًا الفرص التى يمكن أن تجعلنا نصعد السلم ونحتل درجات ودرجات من التقدم للوصول لنهاية نتوج فيها بالوصول للهدف أيا كان الهدف سواء كان وظيفة أو جنى الكثير من الأموال أو حتى الحصول على زوج أو زوجة، فهى المعركة التى فرضناها على أنفسنا وتعلقنا فيها بأسباب الحياة، ولكن من النادر أن يصل الإنسان لهدفه دون التعثر فى صعوبات ومعوقات، البعض يرجعها إلى الظروف أو إلى الغير والآخر قد يكون من الوضوح مع نفسه ما يجعله يعاود بناء ذاته للتصحيح أو التصويب.

وفى رحلة الحياة دائمًا أعيننا على غيرنا لتقليدهم أو هزيمتهم أو انتزاع الفرص من بين أيديهم أو حتى نتخذ ممن هزمونا مثالا وقدوة فيصبح العدو مثلا أعلى لنا فى كل تصرفاته، بل أكثر من ذلك بكثير فقد يمتلك من السطوة علينا ما يجعلنا ننفذ كل أوامره وطلباته فهو المتفوق الذى كسب السباق الذى تكون  له الكلمة العليا.. قد نعذب أنفسنا ونفرض عليها قيودًا وتنازلات تفقدها حريتها واختياراتها.. فمنا من يريد إشباع حاجات الجسم الجسدية وليست الروحية فيزداد تعلقه باحتياجاته المادية على حساب نفسه وقلبه وروحه ولا عجب فى ذلك فتلك أولويات تكون عند البعض وتغيب عن الآخر ومعها قد يصبح المال والأشياء أغلى من سعادة الروح والنفس.. وقد نذهب قريبًا أو بعيدًا عن هذه الأهداف فنجد بعض الأغنياء غير سعداء بعد امتلاكهم المال الذى كانوا يصبون إليه بعد أن شقت أرواحهم وقد يتعذب أيضا الفقراء بحرمانهم من سد رمق احتياجاتهم الجسدية لكن فى النهاية المفروض أن يحدث التوازن بين احتياجات الجسد والروح.

هذا التوازن يجعلك تتناغم مع طبيعة الكون الذى أنت جزء منه فحينما تتعاطى معه فى مرونة تتوافق مع أرواحنا التى خلقها الله فى أحسن صورة تجد الكون يشعر بك ويمدك بالطاقة والتوفيق ليصبح لكل إنسان ما تقدم وما تأخر من عمله.. فإذا كنت ضد جاذبيته واستعبدتك حاجاتك الجسمانية على حساب روحك فمن المؤكد أنك ستعيش معذب ولن ينفعك كثرة المال لأنك ستفقد البركة التى دائما تسعد أرواحنا بها بالتجلى والتجرد من القيود المادية التى يفرضها الإنسان على نفسه والتى تصل لأن ينسى أن الوهاب والرزاق هو الله ويكره قلبه على ألد الخصام ويفقد سلامة قلبه التى جعلت من سيدنا إبراهيم خليلا لله، حيث مدحه الله بأنه جاء ربه بقلب سليم.. فسلامة القلب هى التى تحركنا فى كل أحوالنا وما خلقنا الله لنعذب أنفسنا وأرواحنا، لكن اختيار الإنسان لطريقته فى معارك الحياة بتحركه ناحية أهدافه دون أن تكون له رسالة تتوافق مع هبة الحياة من الله الخالق تجعله يتمسك بالدنيا وليست بالحياة، التى تعنى الدنيا والآخرة حتى لا تتحول حياته للبؤس فلا يرى نعم الله سبحانه وتعالى.

فعلى الإنسان أن يتأكد أن أى شىء يسعى إليه سيأتيه أن آجلا أو عاجلا، فالموعد ملك للمولى عز وجل وحينما يأتى سيكون ابتلاء أو اختبار..  فلله حكمة فى تعامل الإنسان مع الأشياء التى يتمسك بها فلا يعطيه الشىء إلا بعد أن يتخلى عنه ويرضى بالمقسوم.. عندها تظهر له الحقيقة فيبدله الله خيرا منها أضعاف ليعلم أن تمسكه بها كان عائقا أمام تدفق النعم الكثيرة وهكذا الحال مع تمسك الإنسان بالأشخاص أو حتى بالأماكن.

القدر لا يعاند أحد أبدًا فكلما تعثرت فى صعاب فى حياتك وسقطت يجب ألا تقول القدر يعاندني.. فالقدر دائما يدفعك أن تصنع الأفضل والأحسن لك بأهداف عظيمة وليس هدفا واحدا وضعته لنفسك فهو يريد منك أن تبذل محاولات عديدة وجديدة قد تغير وتبدل فيها أحلامك وطموحاتك وتحقق نجاحات قد تدفعك للتخلى عن الهدف الذى سعيت إليه وترى فى نفسك معجزات جديدة تستطيع تحقيقها بطرق وخطط جديدة.. فالكون فى تجدد وتغير مستمر ولا ثبات لشىء أبدا.

وقد يكون للسقوط أسباب عديدة، منها أن يكون مدبرًا من بعض الأشخاص الذى هو واقع وموجود فى هذه الحياة، فهناك أشخاص تعمل وتكد وتسير فى طريقها وآخرون ليس لديهم هم سوى إفشال وإيقاع من يعمل.. وجودهم مثل ثعابين اللعبة وضمن قانونها وأركانها أيضًا.. على الرغم أنه فى الغالب يتنافس اثنان فى رحلات الصعود عبر السلالم والسقوط بالثعابين المتغيرة الأطوال والأحجام، لكن لا يمنع ذلك فى أن يتنافس أكثر من لاعبين اثنين لنفس اللعبة أو قد يكون المعلن من اللاعبين فى أعدادهم أقل بكثير من المخفيين الذين قد يصلون لبلوغ الهدف قبل اللاعبين المعلنين الذين ترى وتشاهد مبارياتهم فى العلن.

السباق حامٍ ومثير، والكل فى طريقه للحصول على كأس اللعبة لا يعدم الوسيلة لتحقيق الغاية.. ولا يمنع قانون اللعبة المهزوم من محاولة البدء مرة أخرى فمن الخطأ أن تتصور أن من يحصل على الكأس يحتفظ به طوال العمر فلا أبدية لمكسب أو خسارة مع الحياة.. اللعبة تتجدد من تلقاء نفسها واللاعبين جدد أو مطورين.. الساحة مفتوحة والطموحات لا تتوقف ولا قانون فى اللعبة يمنع أية أطياف من النزول أو المنازلة فقد يكونون من المرضى النفسيين الذين تصل حالتهم للجنون أو حتى أغبياء أو أذكياء أو حمقى.. وقد تدفعك العودة مرة أخرى أن تتغير وتتغير فقد تظهر شخصيتك المخفية وعلى فكرة كل إنسان منا داخله شخص آخر لايظهر للآخرين، ففى العادة لا يرى أحد حقيقة الآخر بوضوح، بل يرى ما يحب أن يراه فى غيره.. ففى داخل كل إنسان عفريتة صورته «النجاتيف» مهما كانت مختلفة أو مرعبة، لكنها هى نفس الشخص وعند عودته قد يجرب أن يكون عكس ما كان عليه فيتحول مثلا من الطيبة والسذاجة للتوحش أو من الهدوء للعصبية أو من المسالمة للصراع أو العكس المهم أن بعودته تكون بشكل جديد قد يحاول معها أن يكسب الصراع ولا فرق ما إذا كان قد استعاد نفسه وروحه بصدق ونقاء أو العكس فنحن مختلفون فيما بيننا فى اختبار الصراع فى الوصول لأهدافنا وتحقيق طموحاتنا فهو ابتلاء من الله لنصبر أم نكفر فقد نطلق العنان لأرواحنا ولا نقيدها بأمور حالت بينها وبين شعورنا بالحرية مع الكون أو نسقط فى الاختبار فتستعبدنا الأمور المادية!

فى طريقنا فى الحياة لتحقيق أهدافنا قد يمتلكنا الحاضر وقد نغفل المستقبل وقد يسيطر علينا الماضي.. وكل هذه الأمور قد تدفعنا إما لارتقاء السلالم أو يحبسنا الخوف من الثعابين خشية تحقيق التعاسة.. ولكن المؤكد أنه ليس هناك قصة واحدة لصعود السلالم وتحقيق النجاح أو التحاشى من مواجهة الثعابين.. فحياتنا عموما مجموعة من القصص.. مختلفون فيها عن بعضنا البعض.. حتى أن قصص الإنسان الواحد مختلفة عن بعضها البعض.. ففى خطواتنا فى الحياة قد يمتلكنا الخوف والرهبة حيال الحدث القادم ونتعشم فيها بالأمل الذى يخرجنا من براثن اليأس.. كلنا هذا أو ذاك.. أو كلنا هؤلاء نأمل الخير ونخشى الشر.. فحياتنا سلسة من الآمال والمخاوف.. فقد نبعد عن خوض التجارب خوفا وطمعا فيحطمنا خوفنا فنظل ماكثين فى أماكننا فيهلكنا الخوف قبل الخسارة وننسى أن الحياة لمن يحياها ويسقط وينهض مرة أخرى لا ثبات ولا جمود.

ونتساءل هل وجود الثعابين أكثر أم السلالم فى حياتنا؟ هذا سؤال ساذج فقد يكون السلم نفسه الذى صعدت عليه هو الثعبان المتخفى وتصعد للهاوية!! وقد يكون الثعبان الذى تواجهه قدر المولى عز وجل لتبدأ من جديد وتصحح وتصوب وتجود فى حياتك.

الجميع يبحث عن مفتاح الحياة لفك شفرتها ليسعد بها.. البحث جيد ومطلوب، فلا تكف عن البحث والسؤال ولا ترهب السقوط لأن ألمه مؤكد سيضع نهاية لقصص فاشلة.. أنت وحدك من يصنع الجديد بصعود سلالم جديدة.. لا تقارن ولا تقلد غيرك فأنت أنت وغيرك ليس أنت.. ليس للحياة كتالوج واحد لتحقيق السعادة ويبعد عنك التعاسة حتى نفسك ستتغير وتتبدل فى رحلات الصعود والهبوط لتحقيق أهداف وأهداف.. الاستقرار والثبات وهم.. فلا أبدية أو خلود لشىء.. الكل فى صعود وهبوط فى سلالم وثعابين.. الكل فى سعى حثيث ليحصل على ما يريد.. فسر الحياة أن نحياها سعداء فى صعود وهبوط ومغزاها الرضا والتسليم والتجديد.