السبت 4 مايو 2024

موسم المنجمين و«حامد»

مقالات25-12-2021 | 15:35

في مسرحية "شارع محمد علي"، قدّم الفنان "المنتصر بالله" النكتة الشهيرة التي كانت تحكي عن رهان بين شخصين على أن يصفع أحدهما أحد المتواجدين معهما في السينما، فذهب وصفعه قائلًا له: "كيف حالك يا (حامد)"، فتعجّب الرجل وأخبره أنه ليس حامد، فاعتذر له وقال له بأنه يشبه صديقه (حامد)، ثم أعاد الكرّة مرات، وفي كل مرة كان يسوق سببًا آخر للرجل بأنه متأكد من كونه (حامد)، حتى ترك الرجل مكانه وذهب إلى مكان آخر بعدما فاض به الكيل مما حدث، فراهن الشخص صديقه أن يذهب لذلك الرجل في مكانه الجديد ويصفعه مرة أخرى بعدما كان قد كسب الرهان في المرات السابقة، فوافق، ثم ذهب لذلك الرجل المسكين وصفعه مرة أخرى قائلًا له: " أتجلس هنا يا (حامد) وتتركني أضرب الرجل الذي يشبهك هناك؟".

هكذا حال المتابعين لتنبؤات المنجمين مع كل بداية عام جديد، حيث أن حالهم حال (حامد)، يتلقون الصفعات كل عام من هؤلاء المنجمين ولا يسأمون، فيعاود أولئك المنجمون الكرّة مرّات ومرّات بتلك الأكاذيب التي يسوقونها عما سيحدث كل عام زاعمين أن هذه الترّهات مبنية على حسابات النجوم والأفلاك!

لا أدري متى ومَن أول من استضاف هؤلاء المنجّمين في البرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام مع نهاية كل عام وبداية عام جديد، ليخرجوا علينا بالكثير من الحكايات الكاذبة التي يتابعها السذّج، وربما أيضًا يصدقونها وينتظرون تحقيق ما ورد فيها.

والغريب أن تلك البرامج تجد رواجًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، في حين أنه لا يتم ولو لمرة واحدة مراجعة ما قاله أحدهم فيما مضى، وماذا تحقق مما زعمه في بداية العام الماضي، غير أن البحث عن المشاهدات والمتابعة وبيع الأوهام للجمهور مع موسم الاحتفالات بالعام الجديد يفوق التدقيق فيما يتم طرحه على شاشات الكثير من القنوات الفضائية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي

ومع نهاية عام 2021 وبداية عام جديد 2022، نذّكر كل من يتابع هؤلاء ويبحث عن برامجهم، وينتظر تلك التوقعات والتنبؤات ببعض الآيات الصريحة التي وردت في القرآن الكريم والكتاب المقدس للحديث عن هذا الأمر، فقد جاء في القرآن الكريم

قوله تعالى: "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" [النمل:65]، وقال: "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" [لقمان:34]، وقال: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ" [الأنعام:59].

فالمقصود أنَّ علم الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجلّ، فهؤلاء المنجمون الذين يدَّعون علم الغيب هم ببساطة يكذبون.

وقد ورد أيضًا في الكتاب المقدس: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لاَ تَغُشَّكُمْ أَنْبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ وَعَرَّافُوكُمْ، وَلاَ تَسْمَعُوا لأَحْلاَمِكُمُ الَّتِي تَتَحَلَّمُونَهَا." (إر 29: 8) لأنَّهم إِنَّما يَتَنبّأونَ لَكُم باِسمي بالكَذِبِ، أنا لمْ أُرسِلهُم... يقولُ الرَّب” (إر 29: 9).

والمعنى واضح لا ريب فيه بأن لا تصدقوا هؤلاء العرّافين، وقد صدقت الحكمة القائلة "كذب المنجمون وإن صدقوا" أي: وإن صادف ما زعموه ما يحدث من باب الصدفة، فدعونا هذا العام ألّا نشغل البال بماضي الزمان وآلامه، ولا بآت العيش قبل الأوان وأوهامه، وأن نبدأ هذا العام بأمل في أن يكون أفضل من الماضي متفائلين بما هو قادم بعيدًا عن التنبؤات والمنجمين، وكل عام وأنتم بخير.

Dr.Randa
Dr.Radwa