كشف مدير "مكتب الاستطلاع الوطني" NRO،كريس سكوليز، أسرار التفوق الأمريكي في الفضاء خلال العقود الستة الماضية، معدداً أسبابه وفي مقدمها الابتكار والتحديث وتبني التكنولوجيات المتطورة وخوض غمار المخاطرة، وتعزيز قدرات القوى العاملة، في ظل بيئة مشجعة على الإبداع، متوقعاً أن تواصل الولايات المتحدة تفوقها الفضائي خلال الـ60 عاماً المقبلة .
ولفت سكوليز إلى جملة من التحديات والمخاطر التي يتعين التصدي لها حتى تتمكن الولايات المتحدة من مواصلة تفوقها الفضائي، محذراً من أن هناك مَن يسعى لإجهاض تلك المكانة، وآخرين يحاولون اللحاق بالركب الفضائي، داعياً إلى ضرورة التعاون مع شركاء تقليدييين وغير تقليديين، فضلاً عن توفير "سلسلة إمداد موثوقة"، في ضوء تجربة الجائحة العالمية التي تسببت في "ارتباك لا يمكن السماح بتكراره"، على حد تعبيره.
جاء ذلك في مقال لمدير "مكتب الاستطلاع الوطني" الأميركي NRO،كريس سكوليز، نشرته مجلة "ديفينس نيوز" الأميركية، ضمن ملف موسع للتوقعات العسكرية والأمنية لعام 2022، استقطب أكثر من 26 شخصية بارزة من الدول الغربية والحليفة من بينهم وزراء دفاع، وقادة عسكريون، وباحثون وخبراء استراتيجيون بارزون، ومديرو شركات دفاعية وتكنولوجية كبرى.
واستهل سكوليز مقاله قائلاً : "على مدار ستة عقود، عَكف "مكتب الاستطلاع الوطني" NOR على تطوير أفضل منظومات فضائية للاستطلاع والرصد والمراقبة على مستوى العالم. تلك الأنظمة تُعد مصدراً جوهرياً للمعلومات لصناع القرار والمحللين والجيش. .وتستخدم للتعرف على نوايا أولئك الذين يرغبون في الإضرار بنا، علاوة على الإسهام في جهود الإغاثة من الكوارث والتعاطي مع التغيرات المناخية.
وشُيد هذا التفوق الفضائي لأمتنا عبر ركيزة الابتكار، الذي يعد السمة المميزة لـ"مكتب الاستطلاع الوطني". ولا يأتي هذا الابتكار إلا في ظل بيئة مشجعة على الإبداع تستوعب مفهوم المخاطرة، وترغب في خوض غماره في الوقت نفسه، وتعزز قدرة الكوادر العاملة، وتلفت إلى التقدم الذي يحرزه الآخرون. لقد ميّز الابتكار مسيرتنا الماضية وستستمر نظرتنا له بصفته منارةً لمستقبلنا.
خلال مدة قصيرة نسبياً من الزمن، انتقل "مكتب الاستطلاع الوطني" NRO من مرحلة الكاميرات الصغيرة التي تُلقي بعبوات أفلامها من السماء لتلتقطها طائرة في الهواء، إلى مرحلة نظم بصرية- إلكترونية تبعد 150 ميلاً (حوالي 250 كيلومترا) عن سطح الأرض، وترسل بياناتها مباشرة إلى المحطات الأرضية. وأخيراً، قمنا بإطلاق 16 حمولة وتثبيتها في المدارات الفضائية على مدار 18 شهراً، على الرغم من الجائحة العالمية. ويبقى هدفنا هو تزويد معلومات بطريقة أسرع وأكثر يسراً في الاستخدام بما يتيح للناس التركيز على المهام ذات المستويات الرفيعة، وتوسيع قدرات تساعدنا في الحصول على معلومات أكثر دقة.
اليوم، لدينا تحدٍ جديد. وعلينا أن نحمي أنظمتنا من أولئك الساعين إلى إجهاض قدرتنا على العمل في الفضاء. وهناك آخرون تابعوا التميز الذي حققته الولايات المتحدة في مجالات الفضاء ويسعون إلى اللحاق بها. علينا أن نوفر إمكانات أكثر صلابة ومرونة تتمتع بالقدرة على التكيف حيال الأخطاء، أو الهجمات، أو أي وسائل تسعى لإجهاضها. لذا ينبغي أن نصبح أكثر ذكاءً وسرعة في الابتكار، وقدرة على تثبيت إمكاناتنا في الفضاء على نحو أكثر سرعة، ويجب مواصلة الاحتفاظ بالصدارة تكنولوجياً .
ولعل أهم ما يميزنا عن أي دولة في العالم، أننا نطور تكنولوجيات جديدة، ونستخدم آليات جديدة، وندمجهما معا (التكنولوجيات والآليات) لكي نطور قدراتنا واستراتيجيات الاستحواذ لإيجاد حلول للإشكاليات الأكثر صعوبة التي تواجه عمليات "الرصد والمراقبة والاستطلاع"ISR في الفضاء.
لكن، بمفردنا لن نتمكن من الاحتفاظ بالسبق على أعدائنا، وهذا يعني ضرورة الاعتماد على شركائنا- ليس شركاؤنا التقليديون فحسب؛ إذ ينبغي علينا إيجاد شركاء جدد وآخرين غير تقليديين أيضاً. فمحصلة خبراتنا الأخيرة أكدت أننا حين نعمل سوياً سنكون أفضل إلى أبعد مدى مما لو بقينا وحدنا.
عندما نعمل سوياً، علينا أن نصمم معماراً أكثر مرونة وتركيزاً على الهدف- يتمتع بتنوع متزايد من الأقمار الاصطناعية المترابطة، وقدرة أعلى على الاستجابة، ومهام أكثر اتساعاً في التغطية والتوقع والحركية. ويجب أن يعتمد هذا البناء على المنظومات التي طورها "مكتب الاستطلاع الوطني" NRO، علاوة على النظم التجارية والدولية ذات القدرات العالية التي جرى نشرها وتجريبها. فالابتكار لا يعترف بالحدود، كما أنه ليس تركة تستأثر بها أي مؤسسة بمفردها. لذا فالعمل سوياً سيجعلنا نحقق تقدماً هائلاً.
و أضاف " علينا كذلك تطبيق تكنولوجيات وشراكات جديدة بالنسبة للنظم الأرضية الخاصة بنا، حتى نتمكن من دعم الأحجام الهائلة من المعلومات وإدارتها، وتحقيق اندماج أكبر للمركبات الفضائية، وتحسين صناعة القرار، وزيادة القدرة على مواجهة الهجمات السيبرانية " ، و استطرد " يجب مواصلة تطوير عملية التمكين ".
ويُعرَف "مكتب الاستطلاع الوطني" NRO في الأوساط الحكومية (الأميركية) جميعها، بقدراته على تقليص زمن دورات التطوير التقليدية المطولة. وعلى أرض الواقع، أطلقنا برنامجين يعملان حالياً في المدارات الفضائية، وقد تحول البرنامجان من مجرد فكرة إلى واقع مادي مُثبَّت في الفضاء في أقل من ثلاث سنوات. فالوصول إلى أزمنة تنفيذ أقل يجب أن يكون هو الأداء الاعتيادي لنا، وليس استثناءً، على مستوى مشروع تأمين الفضاء الوطني بأكمله ، وينبغي علينا الاستثمار في التطويرات والتكنولوجيات التي تمكننا من تقديم إمكانات معززة لمستخدمينا على نحو أسرع وبأقل كلفة. وهناك أمثلة للمجالات التي تحتاج إلى تحديثات من بينها الخوارزميات المحسنة للذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي، ونظم محسنة لحاسبات آلية- منخفضة الطاقة مخصصة للمركبات الفضائية، ونظم اتصالات محصنة ضد الاختراق. ويجب أن نتبنى الهندسة الرقمية في أرجاء سلاسل الإمداد الخاصة بنا لتمكننا من تحقيق تطوير أسرع، وعلينا أيضاً الاستثمار في تكنولوجيات جديدة مثل الحاسبات العملاقة (الكوانتوم)، والمستشعرات، والاتصالات.
نحتاج أيضا إلى توافر سلسلة إمداد موثوقة ومؤَمَنة. وقد تسببت الجائحة العالمية في ارتباك لا يجب علينا السماح بتكراره مجدداً فالحفاظ على الصدارة والتفوق على أعدائنا لن يتحقق إلا بتوفير المكونات اللازمة لإقامة منظومات قادرة على منحنا دراية ظرفية في الفضاء لا منازع لها. فلن نتمكن من الوصول إلى ذلك دون إيجاد سلسلة إمداد معتمدة.
في الختام، ينبغي علينا الاحتفاظ بقوى عاملة قوية وقادرة ومعززة لابتكار الأنظمة التي تتيح لنا التفوق في الفضاء. وأثق في أن قوة العمل الراهنة في "مكتب الاستطلاع الوطني" NRO أهلٌ لتلك المهمة، كما أني على ثقة أيضاً بأن قوة العمل المستقبلية ستواصل تراثنا كرائدة للعالم في مجال "الرصد والرقابة والاستطلاع" ISR في الفضاء.
لم نكن، كأمة، أكثر اعتماداً على الفضاء مثلما هو الحال في وقتنا الحاضر، إذ أن حياتنا الحديثة- اقتصادنا، وجيشنا، وأمننا القومي- تتوقف على الوصول إلى الفضاء وحرية العمل فيه.
ويعطينا ميراث الابتكار والشراكة لـ"مكتب الاستطلاع الوطني" NRO، على مدار 60 عاماً، مزيداً من الثقة في قدرة أمتنا على مواجهة فترة التحول الصعبة الراهنة في مجال الفضاء. ولعل نجاحنا الشامل في التطوير التكنولوجي وإطلاق المركبات وتثبيتها بطريقة أسرع، سيكون حيوياً لاحتفاظ أميركا بالتفوق الاستخباراتي في الفضاء، ليس في وقتنا الراهن فحسب، بل خلال الـ60 عاماً المقبلة وما بعدها، أيضاً.