بقلم – عزت بدوى
سبعة قرارات رئاسية جريئة وغير مسبوقة فاجأ بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إفطار الأسرة المصرية ليلة السادس والعشرين من رمضان ليستبق بها أحلام وأمنيات المصريين وخاصة محدودى الدخل والفقراء ليلة القدر.
القرارات الرئاسية السبعة والتى تعد بمثابة «عيدية» الرئيس للمصريين، كانت بمثابة فتح طاقة القدر لهم والاستجابة لدعواتهم وتضرعهم بعدما استشعر بحسه الوطنى وانحيازه غير المحدود للفقراء ومحدودى الدخل معاناتهم من جراء قسوة تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادى الجاد وانعكاساته عليهم وما يتحملونه من مشاق فى معيشتهم اليومية من أجل وقوف الدولة المصرية على قدمين راسختين للنهوض وللانطلاق نحو مستقبل أفضل لأبنائها وضمان مستوى معيشة كريم ولائق بالمصريين بصفة عامة وفى القلب منهم متوسطو ومحدودو الدخل.
لم يكن أشد المصريين تفاؤلاً يتوقع أن يضاعف الرئيس السيسى من دعم البطاقات التموينية بمقدار ١٤٠٪ للفرد دفعة واحدة.
بداية من يوليو القادم ليصل دعم الفرد الواحد إلى ٥٠ جنيهاً بدلاً من ٢١ جنيهاً حالياً وما يكلف خزانة الدولة زيادة جديدة تصل لتمويل هذه الزيادة بمقدار ٤٠ مليار جنيه، ويرفع حجم الدعم المخصص للبطاقات التموينية فى الموازنة الجديدة من ٤٧ مليارا إلى ٨٥ مليار جنيه، وهو الأمر الذى سيساهم بقدر كبير فى تخفيف معاناة الأسرة المصرية ومواجهة الغلاء والتضخم بالحصول على نحو ٢٠ سلعة ضرورية وأساسيةلازمة لحياتها اليومية بداية من الأرز والسكر والشاى والزيت والمكرونة وغيرها إلى اللحوم والدواجن الأمر الذى يمثل انفراجة كبرى لنحو ٧٢ مليون مصرى يحملون ٢٠ مليون بطاقة تموينية.. بل الأهم أن القرار يحمل فى طياته رسالة مهمة فى مواجهة مشكلة الزيادة السكانية؛ إذ تضمن القرار تشجيع الأسرة على تنظيم النسل، فالأسرة التى لا يزيد عدد أفرادها على أربعة أفراد تحصل على دعم شهرى ٢٠٠ جنيه بواقع ٥٠ جنيها للفرد، بينما إذا زاد عدد أفراد الأسرة على أربعة أفراد، فإن كل فرد يزيد على هذا الرقم يحصل على دعم ٢٥ جنيهاً فقط، وهو النظام المطبق فى الصين والهند وبعض الدول التى تعرضت لزيادات مفرطة فى السكان.
القرارات غير المسبوقة للرئيس السيسى لتخفيف معاناة الأسرة المصرية وخاصة محدودى الدخل والفقراء ومتوسطى الدخل، والتى كانت بمثابة استجابة لدعواتهم فى ليلة القدر شملت أكثر من ٩٠٪ من الشعب المصرى فى سابقة هى الأولى من نوعها سواء من ناحية الشمول أو التنوع، فقد تضمنت زيادة المعاشات بداية من أول يوليو القادم بنسبة ١٥٪ ورفع الحد الأدنى للزيادة إلى ١٥٠ جنيهاً بدلاً من ١٣٠ جنيهاً التى كانت مقترحة من الحكومة، وهو الأمر الذى يكلف خزانة الدولة ٢٤ مليار جنيه ويرفع مساهمة الخزانة العامة فى دعم صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية إلى ١٩٠ مليار جنيه، وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ الموازنات المصرية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الزيادة وإن كانت تمثل ١٥٪ من المعاشات ويستفيد منها ١٠ ملايين مواطن من أصحاب المعاشات الحكومية والخاصة فى الدولة، إلا أنها تمثل نحو ٣٠٪ لمعاشات الضمان الاجتماعى وهو نسبة لم يكونوا يحلمون بها دفعة واحدة فى الظروف الحالية لاقتصاد البلاد رغم تدنى قيمة معاشاتهم.
وجاء القرار الثالث ليصب فى صالح أصحاب الدخول الثابتة من موظفى الحكومة والقطاعين العام والخاص، والذين حرص الرئيس على تحقيق زيادة ملموسة فى أجورهم بداية من يوليو القادم تساعدهم فى التخفيف عن أعباء معيشتهم وتحسينها ولأول مرة تأخذ الزيادة مسارين فى وقت واحد، أولهما زيادة مباشرة فى الأجور بإضافة علاوتين جديدتين لراتب كل موظف، وهو الأمر سيكلف خزانة الدولة ١٤ مليار جنيه لتمويل هذه الزيادة حيث سيحصل الموظف المخاطب بقانون الخدمة المدنية على علاوة دورية بنسبة ٧٪ من أجره الوظيفى وبحد أدنى ٦٥ جنيهاً وحد أقصى ١٣٠ جنيهاً، إضافة إلى علاوة الغلاء بنسبة ٧٪ تضاف إلى أجره الأساسى وبحد أدنى ٦٥ جنيهاً وأقصى ١٣٠ جنيهاً.
أما الموظف غير المخاطب بقانون الخدمة المدنية فسيحصل أيضاَ على علاوتين إضافيتين جديدتين أولاهما علاوة خاصة بنسبة ١٠٪ من راتبه الأساسى وبحد أدنى ٦٥ جنيهاً وبدون حد أقصى بالإضافة إلى علاوة غلاء معيشة بنسبة ١٠٪ أيضاً وبحد أدنى ٦٥ جنيهاً وحد أقصى ١٣٠ جنيها، وهكذا بدأت تظهر ملامح تطبيق العدالة الاجتماعية فى القرارات الجديدة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى ربما لا يشكل صدمات مفاجئة للأغنياء، فالغنى يتحمل والفقير يستفيد من نتائج الإصلاح.
ولم تنسَ القرارات الرئاسية فلاحي مصر، فقد تضمنت القرارات وقف تحصيل ضريبة الأطيان الزراعية لمدة ٣ سنوات، أى حتى نهاية عام ٢٠٢٠ والتى يستفيد منها ملاك وأصحاب الأراضى الزراعية والبالغ عددهم نحو ٦ ملايين أسرة مصرية، كانت تسدد ٨٠٠ مليون جنيه ضرائب أطيان زراعية سنوية وذلك للتخفيف من عبء الإصلاح الاقتصادى على المزارعين والفلاحين وتحسين أحوالهم المعيشية، خاصة أنهم يستفيدون أيضاً من زيادة دعم بطاقات التموين.
أما المسار الثانى لزيادة أجور الموظفين بداية من يوليو القادم والذى تضمنته قرارات الرئيس السبعة، فهو يتمثل فى زيادة غير مباشرة للأجور والمرتبات من خلال زيادة حد الإعفاء الضريبى والخصم الضريبى، وزيادة حد الإعفاء الضريبى تعنى رفع حجم الدخول وتعنى أيضا رفع الدخل من ٦٥٠٠ جنيه سنوياً حالياً إلى ٧٢٠٠ جنيه، أى زيادة مقدارها ٨٠٠ جنيه ويستفيد منها نحو ١٥ مليون ممول من أصحاب دخول المهن الحرة من محاسبين ومهندسين ومحامين وفنانين وأطباء وصحفيين وغيرهم بجانب موظفى الدولة والقطاعين العام والخاص وممولى الأرباح التجارية والصناعية وتضمن القرار زيادة الخصم الضريبى للأفراد الطبيعيين كلما قل الدخل زاد الخصم وخفضته كلما زاد الدخل، وهو أمر يطبق لأول مرة لتحقيق منظومة العدالة الضريبية، فالدخل الذى يتراوح ما بين ٧٢٠٠ جنيه سنويا حتى ٣٠ ألف جنيه وكان يدفع ١٠٠٠ جنيه ضريبة سنوية حالياً سيحصل على خصم ٨٠٪ من الضريبة أى لا يدفع سوى ٢٠٠ جنيه فقط، مما يعنى زيادة دخله بمقدار ٨٠٠ جنيه.
وجاء قرار زيادة ١٠٠ جنيه شهريا بداية من يوليو القادم لمستحقى برنامج تكافل وكرامة يرتفع معاشهم من ٣٢٥ جنيهاً شهرياً إلى ٤٢٥ جنيهاً بزيادة ٣٠٪ من بداية يوليو القادم ويستفيد منها مليون و٧٥٠ ألف جنيه من كبار السن الذين لا يحصلون على معاشات وخاصة فى المحافظات الفقيرة فى صعيد مصر بسوهاج وقنا وأسيوط وغيرها.
لقد كشفت القرارات الرئاسية غير المسبوقة عن ثوابت الإصلاح الاقتصادى رغم قسوته بأن ثماره سوف تعم على الجميع فاتسمت القرارات بالشمولية لترسم البسمة على شفاة أكثر من ٩٠٪ من المصريين فى وقت غير متوقع وبنسب وزيادات غير متوقعة، والأهم من كل ذلك أنها جاءت عقب أولى بشائر المؤشرات الإيجابية لنجاح البرنامج المصرى للإصلاح الاقتصادى من بدء تراجع نسب التضخم إلى ٣٠٪ بدلاً من ٣٣٪ وارتفاع حجم الاحتياطيات النقدية لدى البنك المركزى إلى أرقام غير مسبوقة منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١
ورفع القيود على التعاملات والتحويل بالعملات الأجنبية للخارج وتراجع فوائد الاقتراض من الخارج بما يعكس ثقة مجتمع رجال الأعمال الدولى ومؤسسات التمويل الدولية فى الاقتصاد المصري.
والأهم من كل ذلك أن هذه القرارات والتى تحمل الخزانة العامة نحو ٨٣ مليار جنيه يتم تمويلها من الوفورات التى تحققت من إجراءات الإصلاح الاقتصادى سواء برفع الدعم عن المستحقين أو ترشيد دعم الطاقة أو زيادة حصيلة ضريبة القيمة المضافة ورسوم الخدمات وهى موارد حقيقية وليست من خلال طبع المزيد من أوراق البنكنوت كما كان يحدث فى عهود سابقة.