لم يكن مطلوبا من الفنانين المصريين الذين تم تكريمهم مؤخراً في المملكة العربية السعودية سوى أن يفرحوا ويسعدوا بأيام المملكة، ويمكنهم أيضاً أن يشكروا من دعاهم ويبالغوا في الثناء على الاستضافة، ويتحدثوا عن انبهارهم بالاحتفال وهذا أضعف الانتماء؛ ولكن حالة عدم الاتزان وإطلاق التصريحات التي صدرت من بعض الفنانين لدرجة الوقوع في بئر "الخطأ" والاضطرار إلى الإنكار أو طرح كلام "تاني" يداري الأول لا محل لها من الانتماء والفهم في ذات الوقت !
فالاحتفالات والمهرجانات والإنتاج لا تصنع "ريادة" أو تجعل السعودية تحقق فى عام ما حققته مصر فى مائة عام أو تجعل المملكة "مركزاً" للإبداع !
فامتلاك المملكة للأموال الضخمة والرغبة فى إقامة موسم مسرحى جعلها ببساطة تستقدم المبدعين المصريين الذين استطاعوا فى شهور قليلة تقديم عدد من المسرحيات التى كان المواطن السعودى يأتى ليشاهدها فى القاهرة.
وتلك الأموال كذلك جعلتها بسهولة تقيم المهرجانات الغنائية التى أحيا حفلاتها المطربون المصريون والعرب، وبالتأكيد سيتوالى الإنتاج السعودى السينمائي والتليفزيونى سريعاً وستقام المواسم الفنية التى سيحرك عجلتها الإبداعية الكثير من الفنانين المصريين !
فمصر يلجأ لها كل فنان لأنه يعرف جيداً أنها الحضن الجميل القادر على استيعاب الجميع؛ ووجود العديد من الفنانين الذين ننسى جنسياتهم خير دليل وذلك منذ أكثر من مائة عام وذلك الاحتضان والاستيعاب والاندماج فى مصر هو ما جعلها مركزاً للريادة، وأتصور أن جملة الفنان حميد الشاعرى اختصرت كل شيء عندما قال "جئت لمصر أربعين يوماً فصاروا أربعين عاماً"!
ثم أين تراجع الريادة المصرية وهذه قوافلها تصنع فى شهور الريادة لغيرها، ثم هذا الكم الراقى من الأعمال السينمائية والتليفزيونية الذى يجتمع حوله العالم العربى ألا يجعلها لاتزال محوراً ومركزاً للإبداع؟
عزيزى الفنان: جميل أن تفرح بالمال السعودى الذى عرف طريقه لتمويل الفن، وأن تسعد بالخطوات التى اتخذتها المملكة بعد حالة الجمود التى كانت، خاصة أنها تسعى لبناء صورة ذهنية مختلفة عنها، وهى تمتلك رأس المال الضخم القادر على ذلك، ولكن تمهل فى الحديث حتى لا تضطر إلى التبرير والاعتذار وتغيير الكلام.
التحيز لمصر ليس "شوفونية"؛ بل إقرار لدور محورى فى الثقافة والفن قامت به ولاتزال، وفى ذات الوقت لا يوجد مثقف أو فنان لم يسعد بتلك الخطوات السعودية فكل ذلك يصب فى الإبداع بشكل عام ويساهم فى تغيير وتطوير الإبداع العربى الذى لابد وأن تساهم فيه المملكة، والتكامل ما بين الجميع كل بطاقته وإمكانياته ومهاراته؛ ليصاحب رأس المال السعودى والإبداعى المبدعين العرب من المحيط إلى الخليج، فالإبداع العربى هو الفائز فى كل الأحوال.
أما حالة "الهرولة" التصريحاتية التى ظهرت مؤخراً فهى تسيئ لمن يقولها وللخطوة السعودية فى ذات الوقت وتسيء لمفهوم "الريادة" ؛ إلا إذا أصبحت الريادة أن تمتلك "أشولة" من الفلوس !