لا أعرف البواعث الحقيقية وراء عودة شعار ما يسمى بــ "الأدب النسائي" أو "الأدب النسوي" هذه الأيام، فقد شاهدنا الاحتفالات تغزو الكثير من الصالونات الثقافية، ودعوات محمومة تْوَجَّه إلى الكاتبات بصفتهن صاحابات العُرْس والفرح، ورأينا عشرات المبدعين يشاطرهن الاحتفاء منقطع النظير، ويتم تكريمهن عبر شهادات تقدير لا تتجاوز ثمن الشهادة ـــ في المكتبات ـــ أكثر من خمسة جنيهات، وقد عاتبتُ كثيرات من صديقاتي ـــ الكاتبات الراسخات ـــ على الاستجابة لمثل هذه الدعوات والتفاعل معها، فهي لا تضيف شيئًا لمسارهن الإبداعي ومسيرتهن.
وقد قرأتُ مؤخرًا لعدد من المحسوبين على النقد يدافعون ـــ وبشراسة ـــ عمَّا أسموه بــ "مصطلح الأدب النسائي"، وهو ماجعلني أتواصل مع بعضهم للوقوف على المفهوم والمعنى، فأكد لي أحدهم: إنه الإبداع الذي تكتبه المرأة ( قصة/ رواية/ قصيدة/ مسرح)، وقال آخر محاولًا مَوْضَعة كلامه: بل هو الذي يتناول قضايا المرأة سواء كتبه رجلٌ أم صاغته إمرأة، واختلف ثالث مع قولهما.
ولا بد أن أعترف لكم بأني كنتُ ومازلتُ وسأظل ضد شعار "الأدب النسائي"، فالأدب هو الأدب أيًا كان كاتبه، فالشعار يحرض على الانقسام، ويجعلنا بدورنا نطرح مصطلحًا مهمًا مثل "الأدب الرجالي"، وهو ماانتويتُه وبُحتُ به لأحد أصدقائي النقاد المناصرين لأطروحة "الأدب النسائي"، لكني فوجئت به يقول مستنكرًا: ليس هناك مايسمى بــ "الأدب الرجالي". فقلتُ له محاولًا كظم غيظي: هكذا أنتم تحللون لأنفسكم ماتحرمونه علينا.
وإذا جاز مناقشة مايقدمونه لنا؛ فيحق أن نفند مزاعمهم؛ فالمرأة/ المبدعة مثل الرجل تمامًا، وبإمكانها طرح قضايا الرجال والنساء معًا بنفس الدرجة التي يصوغها الرجل/ الكاتب، وإذا كانوا يتفلسفون بأن مفهوم المصطلح مُعْنَى بقضايا المرأة في إبداعات الأديبات والأدباء معًا، فيجوز لنا أن نسألهم: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تقصرون منتدياتكم النسوية على التهليل للمرأة فحسب؟، ولماذا لم يحدث ـــ ولو مرة واحدة ـــ أن كرمتم أديبًا تناولتْ أعماله ـــ أو بعضها ـــ مشكلات نسائية؟
أظن وقد يكون ظني إثمًا أن صاحب مقولة "الأدب النسائي" ـــ بأكذوبته ـــ هو أحد الخبثاء، وقد اتبع سبيله ـــ فيما بعد ـــ بعض المهتمين بالشأن الثقافي بحُسْن أو سوء نِيَّة.
إن الأدب ـــ بحسب تصوري ـــ إنساني، فلا هو رجالي ولا نسائي، والمسألة ــــ في هذا الصدد ـــ لا تحتاج صراعًا ولا صدامًا بين الرجل والمرأة، فكلاهما إنسان، وكلاهما يُكمل الآخر، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت والزميلة، ونقول لمناصري "الأدب النسائي": اقلعوا عن التملق والنفاق واستوصوا بالمبدعات صِدقًا، يرحمنا ويرحمكم الله.