الأربعاء 24 ابريل 2024

فسدة السوشيال ميديا

مقالات11-2-2022 | 15:45

نحب صداقات الإنترنت لأنها دائمًا تكون "صداقات فكر" لا عائلة ولا مال ولا زملاء دراسة ولا شيء يبنيها أبدًا، فقط إعجاب بعقل وأسلوب أو تشابه ذوق موسيقى أو مصادفة محادثة بالوقت نفسه، العالم الافتراضى أحيانًا حقيقي، والحقيقة أحيانًا افتراضي، ‏الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعى هى مُجَرَّد مواقع للقاء الافتراضى وتبادُل الآراء لا أكثر. فيها يتكوَّن«عقل جمعي» مِن خلال المنشورات المُتتابعة. هذا الفكر التّراكُمى الذى يُبلور بسرعة وبِدِّقة موضوعاً مُحَدَّداً، نجح فى اختصار مسيرة طويلة مِن تبادُل الأفكار.

 

لقد نَجحَت مواقع التّواصل الاجتماعى فى تحويل التّافهين إلى بعض الرموز الاجتماعية. ما يَجعَل الكثير مِن تافهى مشاهير السوشيال ميديا والفاشينستات يَظهَرون لَنا بمظهَر النجاح. هو أمرٌ يُسأل عنه المجتمع نفسه الذى دأبَ على التقليص التدريجى لصور النجاح التى كانت تعرفها البَشريّة فى السّابق. ‏لقد ألغى المجتمع صور النجاح مثل (حُسن الخُلق والآداب والفنون والعمل الجاد إلخ..) واختزلها فى المال فقط، فَلَم يُبقِ إلا عليه وَحدَهُ معياراً.

 

مَن يُنكِر الآن أن المشاهير والفاشينستات قَد حَقَّقوا "النجاح" فعلاً، وفقاً لمعيار المال؛ وهو المعيار الوحيد الذى وَضعَهُ مجتمعنا نُصب أعيُن شبابهِ؟.. وذلك ‏لأن المجتمع قابل للخداع، يملك مقومات تراثية للاستغفال والاستغلال جاذب للأفاقين، لأن ثقافته وطريقة تفكيره ومجموع القناعات السائدة فى عقله الجمعى تم تشويهها وإتلافها بفعل وكيل لئيم، منذ عقود، ولم يتم للأن البدء فى تطهير ألغامه وكسر نفوذ مخربيه حتى تنجلى شخصية مصر الحقيقية...

 

‏السوشيال ميديا هى تجسيد افتراضى لحشود جماهيرية تنطبق عليها وبصورة أبشع خصائص السلوك النفسى للجماهير:

  • سرعة الانفعال والخفة
  • السذاجة المفرطة
  • تطرف عاطفى ذو طابع بدائى
  • التعصب والاستبدادية
  • الاستجابة الهوجاء للتحريض المحترف.

عندما يعيش الكل فى القذارة والتفاهة، يصبح النقاء والصفاء هو الشذوذ. هذا حال الكثير من الناس اليوم، لا يقبلون أن يكونوا وحدهم فى الوحل، ويحاولون بكل جهدهم أن يجرّوا معهم من هم أكثر نقاء منهم إلى مستنقع البذاءة. "الأغلبية العددية لأتباع شيء، لا تعنى أن هذا الشيء صحيح أبداً".. وقدسية الفكرة تجعل من بناتها العاهرات رمزاً للعفة والطهر ‏كما يفعل المال بوريثه.

 

وأخيرا... يجب علينا ألا نصدر أحكاماً نهائية أو نُنمط من نتعامل معهم مباشرةً سواءً فى الواقع أو العالم الافتراضى حسب المعطيات الحسّية الظاهرة عنهم لنا، رُبما هناك صور ذهنية وتنميط عن بشر فى أذهاننا ليست واقعهم بسبب ظروفهم، هناك من نظّنه قامة سامقة أو مُثقف وهو رُبما يعاني.  

 

Dr.Randa
Dr.Radwa