تحل اليوم 12 فبراير من عام 1986م ذكرى وفاة الشاعرة السورية عزيزة هارون، تلك الشاعرة التي تميزت برقتها وإحساسها الذي امتزجهما الألم، وظهر في أعمالها الشعرية، كتبت الشعر في وقت مبكِّر من حياتها، وكافحت من أجله، وقد تعرضت في حياتها الشخصية لتجارب قاسية ذاقت مرارتها في إخفاقها زيجاتها الثلاث، ولم ترزق بأطفال، فأنجبت قصائدها، فكان الشعر لها كأنه مرآة تعكس لها صفاء ونقاء شعورها، ذلك الشعور المثقل بالألم والمعاناة والعذاب، وكتبت على إثر معاناتها:
أنا في الأشواك يا فاتنُ لو تسأل عني
أجرع الصاب، وأقتات اللظى من أجل فني
أنا للّوعة في الدنيا وللبؤس أغني
نشأتها
ولدت عزيزة عمر هارون عام 1923م، في حي القلعة باللاذقية (سوريا) حيث نشأت هناك وتلقت دراستها في بيت والدها، من علوم اللغة العربية والقرآن، وبسبب التقاليد والعادات التي كانت تمنع المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية وقتها، تابعت تعليم نفسها بنفسها من خلال القراءة والإطلاع فقرأت كل ما كانت تحتويه مكتبة أسرتها من الشعر القديم والحديث والكتب التراثية، حتى استهواها الشعر وصار متعلقًا بروحها.
معاناة زواجها المبكرِّ (زواجها الأول)
نظمت عزيزة هارون الشعر منذ نعومة أظافرها في وقت مبكِّر من عمرها، بموهبتها السجية قبل أن تتعلم بحوره وأوزانه، وقد تأثرت حينها بالشاعر السوري محمد سليمان الأحمد، وزواجها المبكر والغير متكافئ في العمر بابن عمتها كان حائل بينها وبين متابعة دراستها، وعانت كثيرًا منه، مما جعلها تعانق الشعر وتكتب عن هذه الفترة في حياتها قائلة:
عصبوا عينيّ لم ألمح من الدنيا سوى دار صغيرة
فتوغلت بإحســاسي، بقلبــي بالبصيرة
فعرفت الكون آلاماً، وأطماعاً حقيرة
ولمحت الكون جناتٍ نضيرة
أول قصائدها
نشرت هارون أول قصائدها بعنوان "خمرة الفن" في العدد الأول من مجلة القيثارة الصادرة في اللاذقية في يونيو من عام 1946م، وكانت تتصدر ضمن قلة من الشاعرات الصحافة الأأدبية العربية في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وهن: فدوى طوقان، ومنازك الملائكة، وسلمى الخضراء الجيوسي.
عملها بالإذاعة والتلفزيون
انتقلت عزيزة هارون إلى دمشق لتلحق بالعمل في الإذاعة والتلفزيون السورية، ولم ينسيها عملها من أن تظل تنشر قصائدها بالمجلات، وأختيرت أيام الوحدة مع مصر عضوًا في لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بناء على اقتراح الشاعر أنور العطار، وعضوًا بلجنة الشعر باتحاد الكتاب العرب، كما عينت أمينة لمكتبة الإذاعة بدمشق، وكان لها برنامج إذاعي بعنوان "قرأت لك" وكانت تليه بصوتها في إذاعة دمشق، وتلاه برنامج آخر بعنوان "شاعر ينشد"
دعم وتشجيع أكبر الأدباء والشعراء لها ومن ضمنهم طه حسين
شاركت عزيزة في مؤتمرات أدبية عربية كبيرة، شهد لها فيها بالشاعرية وشجعها ميخائيل نعيمة وأحمد رامي وطه حسين.
فكان شعرها يدور حول ثلاثة محاور وهي: (الأرض والوطن، الإنسان، الغزل)، واتسمت قصائدها بالبساطة والرقة والعفوية والأنوثة المفرطة والتأثر بالطبيعة، وكان النقاد يردوا تلك العفوية كونها ليست أكاديمية، وكانت دائمًا تخجل وتعتذر عن هذه البساطة والعفوية ونسبها إلى قلة حظها من التعليم، لينصفها عميد الأدب العربي طه حسين ويرد بساطتها وعفويتها الشعرية إلى مكانهما ويرفع مكانتها، بعد أن سمع طه حسين شعرها في مؤتمر الأدباء العرب الذي عقد في بلودان عام 1956 إلى تأثرها بالشعر الفرنسي، لما علم أنها لا تجيد الفرنسية قال لها: «إن موهبتك الأصيلة نابعة من ذات نفسك، ولو كنتِ تجيدين الفرنسية لقلت إنك متأثرة بالشعراء الفرنسيين وبخاصة فرلين».
معاناتها النفسية لعدم القدرة على الإنجاب واشتياقها للأمومة
بعدما أخفقت عزيزة هارون في زواجها لثلاث مرات وطُلقت ربما لعدم قدرتها على الإنجاب ترك ذلك في نفسها أثرًا سلبيًّا وعانت من ألم وحزن شديد، أظهرته في العديد من قصائدها مثل: «حنان العطاء» و«بائعة الزهور» و«الأم» و«نداء الأمومة».
وقد أهدت هارون قصيدة إلى طفلة نادتها بـ «ماما» حيث فجرت الطفلة داخلها ينبوع من الحنان والاشتياق للأمومة، فتعلقت بها من دون معرفة سابقة، وكتبت لها:
أنا ماما يا بنيَّة
هكذا ناديتني
فانتشت بيَ آه
في كل حنيَّة
يا سخيّة
أنتِ أغليتِ الهديّة
أنت أترعتِ كؤوسي
بالنداءات النديّة
فأنا ظمأى إليها
يا بنيّة
وذات يوم سألها أحد الصحفيين أن تروي له سيرة حياتها، وكيف صارت شاعرة، فأمسكت القلم وكتبت: «تألمت وأغنتني الآلام، وأحسست بآلام الآخرين، وأحببت آلامهم، وتفتحت على الألم قبل أن أتفتح على الحياة، وكافحت في سبيل شعري الذي صورت فيه حياتي المعذبة منذ فجر صباي…».
وفاتها
لم يطبع ديوانها في حياتها، ثم طبعت مجموعتها كاملة بعد ست سنوات من وفاتها.. وتوفيت عزيزة هارون في 12 فبراير 1986 م بمستشفى الشامي بدمشق، وشيعت إلى اللاذقية ودفنت بها.