هي في النهاية لا تمثل حالة.. ولكن مجرد إرهاصات.. ليست ظاهرة وربما توصيفها الأقرب مواقف فردية.. هي محاولة لتجاوز الإطار العام لحسابات أخرى.. الحديث الصواب في أي قضية هو حق لأصحاب المعرفة والعلم والذكر والتخصص والخبرة.. وليس للمنظرين والمدعين عن جهل.. خاصة إذا كان الأمر مهماً وجاداً.. هي حالة استثنائية للانحراف من السياق.. تغرد وتعزف بنشاز في المحيط الإعلامي.. تتبنى الردئ والمبتذل.. وتحتضن «الهلس».. فالجمع يرفض مطربي المهرجانات.. لكن الدفاع عنهم حالة شاذة تثير الاشمئزاز وتطرح التساؤلات.. لصالح من؟ هل هي محاولة الإساءة لمؤسسة عريقة تحظى بالاحترام والتقدير وربما القدسية في ضمير العالم للنيل من قوانا الناعمة هل تناول وإثارة قضايا جدلية لا عائد منها ولا طائل أهم من تحدياتنا وشواغلنا وأهدافنا.. هل هو انحراف عن سياق الخطاب الإعلامي المصري الذى يواجه كمًا غزيرًا من التحديات والأفكار الهدامة والأكاذيب والشائعات والأفكار المستوردة؟.. هل قضايا الجنة والنار يحددها البشر أم أنها مجرد استعادة لفوضى قديمة.. هل تعدد جهات الفتوى وإن كانت مؤهلة ومصدر ثقة وعلم أمر جيدًا أم أن لمصر دارًا للإفتاء؟.. هل كنوز الدنيا ومغرياتها أغلى وأعز من الوطن؟.. هل يتنازل الإنسان عن مبادئه وولاءاته مقابل المال؟
قال الله تعالى في قرآنه الكريم «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» صدق الله العظيم.. وقال المثل الشعبى «اعط العيش لخبازه».. لكننا كمجتمع نفتى في كل شيء في السياسة والاقتصاد، والفلك والهندسة والاجتماع وعلم النفس والرياضة ولدينا 100 مليون خبير كروي.. وهذا مذيع ينصب نفسه مفتيًا وعالمًا بأمور الدنيا والفقه والشرع.. وهذا يدخل فلانًا الجنة.. وآخر يدخله النار جعلنا من أنفسنا أوصياء على الناس.. نمسك بمفاتيح الجنة والنار.. نوزع صكوك الإيمان والكُفر.. ما هذا الهراء.. وما هذا العبث، وما هذه الفوضى التي تشكل خطرًا داهمًا على سلامة المجتمع.. وعقول الناس وتستدعى الماضي الذى كان يعج بمتاجرات الإخوان المجرمين وأنصاف وأرباع المتعلمين الذين تصدوا للفتوى بجهل وبدون علم.. فخلقوا حالة عبثية وأشعلوا فتيل التطرف والتشدد والتعصب الذى أدى في النهاية إلى إرهاب أسود. وفتنة وتشوه.
الحقيقة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي له مقولة عظيمة: «لا يجب ألا يتصدى للأمر أو الشأن العام إلا من امتلك زمام العلم والمعرفة والمعلومات والبيانات والتخصص والخبرة والإلمام بتفاصيل ومضمون الموضوع أو القضية التي يتحدث فيها لأن هذا الأمر يشكل خطرًا داهمًا على المجتمع ووعى الناس ويمكن أن يبنى وعيًا مزيفًا».
اتفقنا جميعًا على أننا في حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى دون المساس بالثوابت الدينية.. وما يتناسب مع مصلحة الإنسان ومع متطلبات العصر الذى نعيشه فطبيعة الحال أن عصرنا هذا له معطيات مختلفة لكن في نفس الوقت هناك ثوابت ونصوص اتفق عليها علماء المسلمين من أهل الذكر والعلم الذين يحظون بثقة وإجماع الناس من عرفت عنهم الوسطية ورجاحة العقل وسلامة العلم وما يتوافق مع الشرع دون إسناد هذه المهمة إلى المدعين والمتطرفين والمتاجرين وأصحاب المصالح والأجندات الذين سخَّروا الدين لمآرب أخرى غير صالح ومصلحة الدين والمسلمين.
ليس من حق أحد أن يتحدث في أمور الدين والدنيا إلا أهل الذكر والعلم والاختصاص والمعرفة.. وإذا فعلنا غير ذلك فإن الجميع سوف يتحولون إلى خبراء في كل شيء لا يعجبهم العجب وأيضًا لن يكون هناك تقدير أو احترام لرأي أهل العلم والذكر والتخصص.. أضف إلى ذلك حالة الفوضى واللخبطة التي ستؤدى بطبيعة الحال إلى اختلاط الأمور ونتائج خطيرة وتمكن أصحاب الأهداف الخبيثة من تحقيق أهدافهم.
إذا كنا قد اتفقنا على ضرورة مكافحة ومحاربة تدنى الذوق العام.. والأغاني الهابطة والمبتذلة.. وندعو إلى الرقى والإبداع ودعم المواهب وضرورة الحفاظ على الهوية المصرية وترسيخ وتعزيز القوى الناعمة المصرية.. وتتخذ نقابة الموسيقيين من أهل العلم والتخصص قرارًا بوقف ومنع مطربي المهرجانات.. وضرورة اجتياز الاختبارات التي تؤهل أي شخص للغناء.. فلماذا يخرج البعض من الإعلاميين عن هذا الإجماع ويدعم ويستضيف ويشجع مطربي المهرجانات ويقف ضد أهداف الدولة.. ويدعم الابتذال والفن والغناء الهابط؟
مشهد آخر الحديث عن قضية «ضرب الزوجة» وما سأقوله ليس رأيًا شخصيًا ولا يعبر عن اعتقاد أو رأي أو توجه ولكن ما أريد الحديث عنه هو أن القضية والرأي الشرعي يحدده العلماء وليس بمزاج وهوى الإعلام أو النشطاء أو الكُتاب أو الفلاسفة أو الجمعيات النسائية لأن هناك نصوصًا دينية لا يعلم تفسيرها أو تأويلها إلا أولو العلم والذكر والتخصص والإفتاء.
وفي اعتقادي أن الموضوع من وجهة نظر شخصية بحتة بعيدًا عن الإفتاء في الدين، أن هناك بيوتًا وأسرًا تحدث فيها بعض الحالات لكنها ليست عقيدة أو سلوكًا وحشيًا أو تعبر عن كراهية وانفصال وتباعد ولكنها وليدة اللحظة ربما لغضب أو عتاب سرعان ما تعود الأمور لطبيعتها وكم من أسر وقعت فيها بعض الحالات لكن الحياة استمرت بأفضل ما يكون وأسفرت عن أسرة قوية ومتماسكة وناجحة تسودها المودة والرحمة والصلاح والفلاح والتفاهم.
الحالات التي تعبر عن سلوك انحرافي ومرض في الشخصية.. وثقافة ممنهجة مرفوضة تمامًا.. وهو سلوك أقرب للحيوانات وليس للإنسان.. والمرفوض بشكل أكثر هو زيادة مساحة الشقاق وتكريس الكراهية.. وإقصاء مساحة العودة والإصلاح.. وتشجيع الزوجة على العناد إذًا هذا السلوك المرفوض حالة استثنائية طارئة جاءت وليدة لحظة أو غضب عابر.. والسؤال في ظل هذا السلوك المرفوض.. هل مصلحة الأسرة وعودة التفاهم والحياة إلى طبيعتها مع الالتزام بالمودة والرحمة والرفق والحب أفضل أم الطلاق والانفصال وضياع الأسرة والأبناء.
إن أهم وأبرز أسباب الطلاق تكون بسبب تجبر وعناد أسرتي الزوجين فكثير من الحالات تشهد حالة من التحريض من أم الزوجة والمبالغة في الأمر وعدم مراعاة مصلحة الأسرة والأبناء.
ورفض التسامح مع اعتذار الزوج وهو ما يجعل الأمور تصل إلى مرحلة اللا عودة ويصبح العناد والتحجر متبادلاً.. لذلك أكثر حالات الزواج نجاحًا واستقرارًا عندما تكون (الحموات) لديهن عقيدة الإصلاح والوئام وتعظيم مصلحة استقرار الأسرة واستمرار الحياة الزوجية واعتبار أم الزوجة لزوج ابنتها هو ابن لها.. واعتبار أم الزوج زوجة الابن إحدى بناتها.. هنا تكون الحياة الزوجية تحمل مقومات الاستمرار والاستقرار.. بالإضافة إلى تشجيع الزوجة على المودة مع أهل الزوج وترسيخ أن أهل الزوجة هم أهل الزوج.. تطبيقًا لقول الله تعالي: «وهو الذى جعل من الماء بشرا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا» «الفرقان» الآية «٥٤»،.. وكذلك قوله جل وعلا «إن يريدا إصلاح يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرا» «النساء» الآية "٣٥".
إن توسيع الفجوة بين الزوجين وزيادة مساحة الشقاق بينهما وتكريس مبدأ عدم التسامح واعتبار الأمر «مسألة كرامة» وترسيخ ذلك في عقول الأبناء يعد خطرًا كبيرًا في بعض الأمور والخلافات البسيطة التي هي غير ممنهجة وغير مقصودة ولا تعبر عن ثقافة أو عقيدة لدى الزوج أو الزوجة ولكن حالة عابرة وليدة لحظة من الغضب أو الانفعال الطارئ لذلك فإن محاكم الأسرة تعج بالقضايا بين الأزواج لأتفه الأسباب.
ما أريد أن أقوله إن بعض الخلافات والمشاكل الزوجية لا تُحل من المنظرين ولكن بخصوصية كل حالة ومساحة الرحمة والتفاهم والإصلاح والنوايا الصادقة للحفاظ على الأسرة.
مشهد ثالث قرأت أن هناك علماء من الأزهر تقريبًا.. لجنة الفتوى أجابت عن آلاف الأسئلة والتساؤلات لرواد معرض الكتاب.. وهنا السؤال من المسئول عن الفتوى هل دار الإفتاء المصرية أم. لجنة الفتوى بالأزهر؟.. فإذا كنا ننادى بتوحيد جهات الفتوى في كيان واحد فلماذا تعدد الجهات؟ وأنا هنا لا أميل لهذا أو ذاك لكن أطرح هذا السؤال من أجل تطبيق الصواب أو على الأقل الإجابة عن السؤال المهم.. خاصة أن هذا الأمر يشكل أهمية كبيرة لدى الناس في ظل توارى واختفاء جماعات الظلام التي كانت تتاجر بالدين وتخدع الناس وتبعدهم عن سماحة الدين ووسطيته.. لذلك علينا أن نحدد جهة واحدة تتواجد في كل المحافظات وتتوفر لها كل سبل التكنولوجيا والدعم حتى يذهب أو يتصل بها الناس للرد على أسئلتهم وتساؤلاتهم الشرعية في أمور الدين حتى لا تحدث حالة من التشتت وحتى وإن كانت الجهتان تحظيان بالثقة والتقدير ولكن من الأفضل توحيد جهات الفتوى في كيان واحد.. ولدينا دار اسمها دار الإفتاء المصرية واسمها يجسد رسالتها ودورها.
أيضًا من المهم توحيد الخطاب الإعلامي وأقصد هنا ألا يتعارض هذا الخطاب ويختلف.. ويسدد نحو أهداف الوطن ومصلحة المواطن.. فهناك إحدى القنوات الفضائية تغرد خارج السرب تدافع عن التدني والابتذال وتحتضن الفن الهابط ورموزه.. وتتبنى مطربي المهرجانات في نفس الوقت تقريبًا جميع القنوات تتفق على أن أغاني ومطربي المهرجانات تهديد حقيقي للذوق العام والهوية الفنية المصرية أيضًا نفس القناة تهاجم مؤسسة دينية تحظى بالاحترام والتقدير والثقة ليس في مصر والعالم العربي فقط ولكن في كل أنحاء العالم.
.. وهو ما تتفق عليه كل القنوات التليفزيونية المصرية.. بأن هذه المؤسسة العريقة والعظيمة التي ترسخ أن مصر صدرت الإسلام لبلد الإسلام. هي مؤسسة تشكل أحد محاور القوى الناعمة المصرية.. ورمز الوسطية والثقة والتسامح والدين الصحيح إذن ما المقصود.. وما الهدف هل محاولة لإضعاف قوانا الناعمة أو محاولات لاختطاف الريادة المصرية في الفن والغناء والثقافة والحضارة والمؤسسات الدينية؟.. هذه أضغاث أحلام وخيالات وأوهام فمصر هي قاعدة الحضارة وأصل الفنون والإبداع وتمتلك القدرة والتاريخ والجغرافيا والمواهب والاستعداد تستطيع أن تتسع لكل الثقافات.. وهي ليست محدثة فن وإبداع وحضارة وأديان.. فهي أرض الأديان ومركز الإسلام الوسطى الذى يحظى بتقدير العالم.. وأن محاولات العبث والإضعاف والتسفيه لقوانا الناعمة المصرية هي مثل الحرث في الماء.. لن تفضى إلى شيء ولن تحقق أي نتيجة.. فمصر تمتلك القدرة والمقدرات والمؤهلات والمكونات لريادتها التاريخية في الماضي والحاضر والمستقبل ولن يستطيع أحد من المدعين والمنفتحين بما يشبه المسخ ولا تجدى محاولات إهانة الفن المصري نفعًا.. فكل شبر في مصر ينطق إبداعًا وفنونًا وثقافة وحضارة وعلى من يريد أن يجول بعينيه وبخاطره وذاكرته في كل ربوع وقرى وأنحاء مصر ليرى أن الأرض المصرية تتكلم فنًا وإبداعًا.. وتلد مواهب وعمالقة ورموزًا في الفن والأدب والشعر والحضارة والثقافة.
محاولات اختطاف القوى الناعمة المصرية ودور المحروسة الذى شكل وجدان شعوب المنطقة ووصل إلى العالم ستبوء بالفشل الذريع.. ولن يجدى معها نفعًا إهدار مليارات الدولارات في محاولات بائسة ويائسة.
في النهاية أقول إن من يبيع وطنه وولاءه لأهدافه ومصالحه مقابل المال أو الدولار لا يستحق أن يكون مصريًا، إن أشرف ما في الحياة أن يكون اسم مصر هو هدفك.. وأحلامها وتطلعاتها ومبادئها وثوابتها ومصالحها وريادتها وكرامتها هي غايتك.. فلا يمكن أن يتحكم المال في مبادئنا.. ولا يمكن أن يفصل في أمور لا تباع ولا تشتري.. ومن يفعلها يمكن أن يفعل أي شيء آخر.. فلا تسمع إلا صوت وطنك.. ولا تنصت إلا لأهدافه وغاياته.. ولا تتراجع عن هذا حتى لو مقابل كنوز الدنيا.. انه التفسير المثالي للشرف والوفاء.. فالمال ليس كل شيء هناك ما هو أعز وأسمي.. انه الشرف والوطنية فلن تحصد إلا ما هو مقدر لك ولن تفوز في النهاية إلا بركن في قبر وكفن وسيرة وسمعة أهم من ثروات الدنيا.
تحيا مصر