الجمعة 27 سبتمبر 2024

غليان بين المستوردين بسبب «الاعتمادات المستندية».. توقعات بزيادة الأسعار 15% وخروج 45% من السوق

الاستيراد من الخارج

اقتصاد17-2-2022 | 19:41

أنديانا خالد

حالة الغليان يعيشها المستوردين بعدما قام البنك المركزي المصري برئاسة طارق عامر، بإلغاء مستندات التحصيل والعمل فتح الاعتمادات المستندية بداية من مارس 2022، وقد يكون هناك الكثير من القراء لا يعلمون ماذا يعني هذا القرار وما ترتيبية على أسعار السلع الغذائية ومستلزمات الحياة الأخرى.

ماذا يعني فتح الاعتمادات المستندية؟


كانت البنوك المصرية خلال السنوات الماضية تعتمد على نوعين من التحصيل وهما الاعتمادات المستندية وأيضا مستندات التحصيل، إلا أن الفئة الأولى وهي الاعتمادات المستندية لم يستخدمها أحد من المستوردين، نظرا للعديد من القيود التي تفرضها على المستورد، لذا كان يتم الاعتماد في عملية الإستيراد من خلال فتح مستندات التحصيل، والتي تعني أن البنك هو حلقة وسيط ما بين المصدر و المصنع في الدولة الأجنبية الأخرى، دون وجود أي مراقبة على حجم الإستيراد ونوع السلع وأيضا المبلغ المورد الحقيقي، مما كان يخلق عملية تهرب وتلاعب في أوراق الإستيراد من الخارج.

وبعد قرار البنك المركزي بفتح الاعتمادات المستندية، فإن هذا سيجبر المستورد بإيداع تكلفة الإستيراد بالكامل، بدلا ما كان يدفع نسبة من التكلفة تتراوح ما بين 25% إلى 30%، والباقي عند الاستلام، وأيضا سيجبر المستورد على توفير كافة الأوراق الخاصة بالشحنة أي أن البنك سيكون مراقب على عملية الاستيراد من الخارج، وليس حلقة وصل ما بين المصنع والمستورد.

ورأى المستوردين أن هذا القرار سيرفع أسعار كافة السلع بنسبة تتراوح ما بين 15% إلى 20% على المستهلك، لذا طالبوا بضرورة إيجاد حلول وعمل مناقشة مجتمعية للوصول إلى الحل المناسب دون التأثير سلبا على المستورد وأيضا المستهلك.

قرارات الاستيراد من الخارج
ويعد قرار البنك المركزي بشأن فتح الاعتمادات المستندية، متماشيا مع قرار نظام التسجيل المسبق للشحنات، الذي يستهدف الاستعلام بشكل كامل عن كافة الشحنات قبل شحنها ودخولها للبلاد وسرعة تنفيذ مهام الجهات المعنية من قبول الشحن والإفراج الجمركي عنها.

والجدير بالذكر أن البنك المركزي وجه باستثناء عدد من السلع من تنفيذ قرار الاعتداد بالاعتماد المستندي فقط وهي الأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بهم و أيضا الشحنات الواردة بالبريد السريع، والسلع الغذائية التالية: (الشاي – اللحوم – الدواجن – الأسماك – القمح – الزيت – لبن البودرة – لبن الأطفال – الفول – العدس – الزبدة – الذرة)، وأيضا الشحنات حتى مبلغ 5000 دولار أمريكي أو ما يعادلها بالعملات الأخرى. 

خروج 45% من المستوردين

وقال متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين للاتحاد العام للغرف التجارية، إن القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي الخاصة، بقصر الاستيراد علي الاعتمادات المستندية فقط، ستتسبب في خروج نسبة تتراوح بين 40 إلى 45% من المستوردين من السوق، نتيجة لعدم قدرتهم على تطبيق هذه الاشتراطات، كما ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تصل بين 15 إلى 20% على المنتجات والسلع محليًا.

وأضاف بشاي في تصريحات صحفية اليوم، أن هذا القرار صعب تنفيذه ويكبد المستوردين والمصانع المحلية والشركات توفير أموال ضخمة، وأن البنك المركزي والحكومة لم يتشاور معنا كغرفة تجارية أو شعبة المستوردين.

وأوضح أن الفرق في الاعتمادات المستندية، يكون التعامل بين بنك المستورد وبنك المصدر، وتكون البنوك هي همزة الوصل بين المصدر والمستورد، إذ تحتجز ثمن البضاعة من المستورد قبل وصول البضاعة، ثم ترسلها لبنك المصدر بعد وصولها، أما في طريقة مستندات التحصيل يكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر، بناء على ثقة وتعاملات قديمة، فيما يقتصر دور البنك على تحويل الأموال فقط.

وأشار إلى أن هذا القرار سيساعد كبار المستوردين على الاحتكار، كما استنكر في الوقت نفسه السماح للشركات الأجنبية في مصر التي لها مكاتب في الاستيراد والاعتمادات واستثنائها من القرار، متسائلًا أين حق المستورد والمصنع المحلي، وكان يجب على الحكومة قبل اتخاذ قرارات مثل هذه الرجوع إلى الجهات المختصة بالاستيراد سواء كانت شعبة المستوردين أو الاتحاد العام للغرف التجارية أو اتحاد الصناعات ومجتمع الأعمال والمجالس التصديرية، ولفت النظر إلى أن الموردين في الخارج لا يعملون بالاعتمادات المستندية، أنما بنظام التحصيل العادي.

استثناء المستلزمات الإنتاجية العقارية 

فيما دعا المهندس داكر عبد اللاه، عضو شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، عضو لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، لاستثناء المستلزمات الإنتاجية والخامات الخاصة بقطاع العقارات والإنشاءات من قرار البنك المركزي، بوقف التعامل بمستندات التحصيل والاعتماد فقط على الاعتمادات المستندية، المقرر تطبيقه بداية من مارس المقبل.

وأوضح داكر عبد اللاه في تصريحات له، أن العمل بالاعتمادات المستندية فقط يؤدي إلى رفع أسعار مستلزمات الإنتاج من قبل الموردين، نظرًا لارتفاع مصاريف وفوائد فتح الاعتماد مقارنة بطرق التحصيل الأخرى، وهو ما يؤثر بالتبعية على ارتفاع أسعار مستلزمات القطاع العقاري والإنشائي من حديد وغيره، وهذا سيؤدي بالتبعية إلى ارتفاع أسعار العقارات.

وأضاف أنه لابد من إجراء حوار ونقاش حول قرار البنك المركزي مع المصنعين والمستثمرين قبل إقراره بشكل نهائي، خاصة أن هذا القرار لم يفرق بين استيراد الخامات ومداخلات الإنتاج وبين الاستيراد التجاري من سلع ومنتجات تامة الصنع.

وطالب عضو شعبة الاستثمار العقاري، اتحاد مقاولي التشييد والبناء بإعداد مذكرة تفصيلية بمستلزمات القطاع العقاري والإنشائي والموقف العام لمقاولي التشييد والبناء، من هذا القرار وإرسالها إلى مجلس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، لمعرفة تبعات هذا القرار على القطاع، وأهمية استثناء مستلزمات القطاع التي يتم استيرادها من فتح اعتمادات مستندية.

يؤثر على قطاع الصناعة في مصر 
فيما أكد هيثم طلحة، عضو الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن قرار البنك المركزي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية فقط، اعتبارًا من مارس المقبل سيؤثر سلبًا على قطاع المستوردين، ويتضمن سواء "الاستيراد من أجل التصنيع لـ"المواد الخام وقطع الغيار، والاستيراد التجاري".

وأضاف "طلحة" في تصريحات صحفية اليوم، أن كثير من هذه المصانع تحتاج الى مواد خام وقطع غيار بشكل عاجل أو طارئ، ولا يمكن أن يستغرق وقتًا طويلًا، لافتًا إلى أن تطبيق العمل بالاعتمادات المستندية فإنه سيستلزم وقتًا أطول في استيراد تلك المكونات.

وقال عضو الشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن هناك مستلزمات عاجلة مثل قطع الغيار، من الوارد أن تكون بمبالغ صغيرة لا يتجاوز قيمتها الـ 5 آلاف دولار، فلا يمكن للمورد أن يقبل فتح اعتماد مستندي، وغالبًا ما يتم الاعتماد على وسائل البريد السريع لاستيراد قطع الغيار، وبالتالي تنفيذ الاستيراد فقط عبر الاعتمادات المستندية، سيؤدى إلى تعطيل استيرادها وتأخيرها.  

وأكد استشاري تجاري بالصين، أن هذا القرار سيؤثر على زيادة تكلفة المنتج المصري المصدر، فضلًا عن أنه سيؤثر على تنافسية المنتج مع نظائره من الدول المحيطة بالأسواق الخارجية، بالأخص من الصين الذي تنافس بقوة في منطقة الشرق الأوسط  وأوربا. 

 وأوضح أنه من خلال الاستيراد بمستندات التحصيل يتم دفع عمولة واحدة للبنك المرسل لقيمة الشحنة، أما من خلال التعامل بالاعتماد المستندي، سيكون هناك عمولة لـ 3 بنوك، "البنك المرسل –– المستقبل - الوسيط"، معبرًا عن مخاوفه من قيام بعض البنوك برفع مصاريف فتح الاعتمادات المستندية، لافتًا إلى أن القرار يلزم دفع كامل مصاريف الاعتماد المستندي وقيمة الشحنة بالبنك قبل التصنيع في بلد المورد والتي تصل إلى شهور.

وتابع: بأنه يوجد بعض المصانع ممن تحصل على تسهيلات ائتمانية في استيراد "المواد الخام وخطوط الإنتاج"، لافتا إلى أنه عند تنفيذ قرار البنك المركزي، فإنه ستحرم المصانع من هذه التسهيلات الائتمانية.

وقال إن الاعتماد المستندي يعني أن المورد يقوم بشحن البضائع ثم يرسل كامل المستندات إلى البنك المستقبل في الصين على سبيل المثال، ثم يقوم بإرسالها إلى البنك الوسيط، ثم يتم تحصيل القيمة من الدولة المستوردة، ثم يتم تحويلها إلى المورد الصيني، لكن عادة المورد يخشى من إرسال المستندات قبل استلام قيمة الشحنة، موضحًا أن نسبة قرابة  50% من الموردين بالصين يرفضون التعامل بالاعتماد المستندي، ويتم التعامل من خلال مستندات التحصيل العادية 

وأكد أنه إذا قبل المورد الاعتماد المستندي، فإنه يشترط أن تعاقد الشحن بنظام "سي اي اف CIF"، فهذا التعاقد له مخاطر كبيرة على  المستورد المصري الذي لا يستطيع أن يقوم بأي إجراءات فحص أو سلامة البضائع كما هو متفق عليه، ويعطي المورد إجراءات كاملة لعمليات التصنيع والتحميل ثم الإجراءات الجمركية ثم الشحن، ما يتضح أنه محمل بالمخاطر، مشيرًا إلى أن الحكومة تستهدف من خلال هذا القرارالسيطرة على عمليات الاستيراد ومواجهة أي محاولات من التهرب مثلما كان يحدث في بعض الأوقات، من خلال التعامل بمستندات التحصيل، والبنك المركزي يستهدف تقليل خروج العملة الصعبة من مصر.

الأسعار سترتفع 15% مع زيادة التضخم

وقال فتحي الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية بغرفة القاهرة التجارية، إن قرار البنك المركزي بالعمل بالاعتمادات المستندية فقط، سيؤدي إلى كثير من الأثار السلبية في عملية الاستيراد من خارج، خاصة على المورد الأجنبي، الذي يقوم سيقوم بأخذ قرض بضمان الاعتماد من قبل البنك التابع له، وذلك بهدف شراء الخامات الأساسية من أجل تشغيل المصنع، وهذا القرض يعد محمل بمصاريف ستتم إضافتها إلى سعر السلعة.
وأضاف الطحاوي في تصريحات خاصة لبوابة "دار الهلال"، أن عند القيام بالشحن بالاعتماد المستندي يكون تسليم القيمة بعد وصول البضاعة وليس بعد وصول المستند، مما سيؤدي إلى تأخير استلام المورد الأجنبي لباقي مستحقاته، بالإضافة إلى أن تكلفة اعتماد المستندات في الخارج أعلى بكثير من باقي طريق التحصيل مما سيؤدي أيضا إلى رفع الأسعار على المورد.

وعن تأثير القرار على المستورد المصري، أوضح أن المستورد قبل إصدار هذه القرار كان يقوم بتسديد نسبة تتراوح ما بين 25% إلى 30% مقدم تصنيع للرسالة، على أن ينتظر 3 أشهر وهي فترة تصنيع طلبية المنتج، ثم يقوم بدفع باقي قيمة الشحنة بعد استلام المستندات، أما بعد قرار البنك المركزي فإن المستورد مطالب بتسديد 100% من قيمة الاعتماد المستندي، ثم ينتظر 4 شهور، أي أن رأس المال ظل متوقف 4 شهور، مما يضطره إلى رفع الأسعار على المستهلك.

وأشار إلى أن مصاريف الاعتماد المستندي أكثر من مصاريف الطرق الأخرى في السداد، أي أنها ستؤدي أيضا لزيادة الأسعار على المستهلك، مؤكدا أن المستورد المصري قد يضطر إلى تجميد مبلغ الاستيراد بالكامل قبل البدء في التعاقد وهو ما سيؤدي إلى عدم قدرة المستورد في الوفاء بالالتزامات تجاه المورد الأجنبي.

ونوه إلى أن قرار البنك المركزي قد يضر المصانع المصرية التي تعتمد على استيراد الخامات من الخارج، أي أنه سوف يعطل حركة التصنيع في مصر.

وطالب الطحاوي من قيادات البنك المركزي بضرورة الاستماع إلى رأي مجتمع الأعمال ومراجعة القرار والعدول عنه في أسرع وقت حتى لا تتأثر أي جهة ولا نعمل علي زيادة الأسعار، مؤكدا أن هذا القرار سيرفع الأسعار بنسبة قد تزيد عن 15%، مما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم في مصر.

بهدف زيادة الواردات إلى الخارج 
وفي سياق أخر قال محسن التاجورى، نائب رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، إن هناك مجموعة من القرارات تتخذها الحكومة خلال الفترة الحالية تستهدف زيادة الواردات إلى الخارج بحيث نصل إلى 100 مليار دولار تصدير للخارج.

وأضاف التاجوري في تصريحات خاصة لبوابة "دار الهلال"، أن أبرز القرارات التي من شأنها رفع معدل الواردات إلى الخارج وتضيق الفجوة ما بين الواردات والصادرات، كان التسجيل المسبق للشحن الذي بدأ تنفيذها في نهاية 2021، وأيضا القرار الأخير الذي أحدث جدل ما بين المستوردين وهو وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية.

وأشار إلى أن فكرة تأجيل تنفيذ قرار وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، ليس في صالح الميزان التجاري في مصر، لذا لابد من اتخاذه لضبط إيقاع الاستيراد والتصدير، موضحا أنه وفقا لبيانات البنك المركزي فإن مصر خلال 2021 وصلت حجم الاستيراد إلى 60 مليار دولار، في حين أن حجم الواردات وصلت إلى 20 مليار دولار فقط، فهذه الأرقام ليس في صالح الاقتصاد المصري، والقيادة السياسية تريد أن تعود الصناعة المصرية بقوة.