السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

قرارات المحكمة الاتحادية العراقية بين القبول والرفض

  • 17-2-2022 | 20:06
طباعة

أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية وهي أعلى سلطة قضائية في البلد، خلال فترة أسبوع، قرارين فسرها العديد من فقهاء القانون بأنهما غير دستوريين و لا قانونية لهما.

القرار الأول ضد ترشيح السيد وشيار زيباري القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي شغل منصب وزاري بعد 2005 في الحكومة العراقية (وزارة الخارجية والمالية) لمنصب رئيس الجمهورية، حيث لا يوجد ضده أي قرار قضائي أو قانوني و هو مؤهل حسب الشروط الدستورية، إلا أن المحكمة لم تعتمد على قرار محكمة الكرخ التي أيدت براءة ذمته من كل التهم الموجهة إليه، و إنما اعتمدت على قرار البرلمان الذي وافق على إقالته بسبب بعض المواقف السياسية المعادية للكرد.

وقرار البرلمان ليس قرارا قضائيا أو قانونيا يحرمه من الترشيح ولم توجه له أي محكمة أي تهمة أو انتهاك للقانون.

 

نفس المحكمة الاتحادية أقرت بعدم شرعية قانون النفط و الغاز لإقليم كردستان وعدم شرعية بيع النفط من قبل الإقليم، وهذا القرار يخالف قرار و موافقة البرلمان عام 2021 لصالح الإقليم ببيع نفطه وكذلك إرسال 200 مليار دينار عراقي من قبل الحكومة الاتحادية للإقليم ريثما يتم الموافقة على حصة ميزانية الإقليم من الميزانية الاتحادية.

وتم رفع هذه الدعوى عام 2012 و لم تحسمها المحكمة الاتحادية السابقة، فلماذا الآن في ظروف كان الجميع متفائلا بحلحلة الخلافات بين بغداد وأربيل حسب الدستور؟

ولماذا لم تلتزم المحكمة الاتحادية بقرار البرلمان في هذا الموضوع؟ والخلاف النفطي ليس جديدا بين الطرفين لكن كانت هناك حلول مرضية بينهما، منها إرسال الإقليم 400 ألف برميل نفط إلى شركة سومو العراقية مقابل إرسال ميزانية الإقليم من بغداد، إلا أن الحكومة المركزية لم تلتزم بالاتفاقية بل قطعت ميزانية الإقليم في ظروف كان فيها و قوات بيشمركة كردستان يدافعان عن العراق والعالم و الديمقراطية ضد خطر إرهابي داعش.

حكومة الإقليم أبدت كل مرونتها للوصول إلى حل يرضي الطرفين، لكن المشكلة في عدم وجود حل جذري لهذه المشكلة هي عدم الالتزام بالدستور من قبل المركز وكذلك عدم وجود قانون للنفط والغاز يتفق والدستور الحالي في العراق لكي يتم حل المشاكل وفقه.

المحكمة اعتمدت على بعض المواد الدستورية منها المادة 111 التي تنص المادة "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات".

أليس الشعب الكردي وإقليم كردستان ضمن العراق وشعبه، حيث إن الشعب الكردي جزء أساسي من مكونات العراق، وإلا فعلى المحكمة إصدار قرار بأن الكرد ليسوا من أبناء الشعب العراقي.

 

المادة الأخرى التي اعتمدت عليها المحكمة هي المادة 112 والتي تنص "تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وإيراداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون".

وهنا واضح أن الحكومة الاتحادية تقوم بإدارة النفط و الغاز المستخرج في الحقول الحالية مع حكومات الإقليم، ومعروف لدى الجميع أن حكومة الإقليم أبدت كل التعاون في هذا الشأن، و الدستور ينص على إدارة النفط و الغاز مع حكومة الإقليم، و من ضمن هذه المادة الدستورية تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة التي حرمت منها في عهد النظام السابق.

من هنا نقول أولا إنه لا يوجد سوى إقليم كردستان، وإقليم كردستان و مناطق أخرى كردستانية خارج إدارة الإقليم تضررت من قبل النظام السابق من تغير ديموغرافية المناطق و تهجير سكان العديد من المناطق الكردية، ناهيك عن عمليات الأنفال سيئة الصيت والتهجير القسري للكرد، كل هذه الجرائم ارتكبت من واردات حقول نفط كركوك التي هي مدينة كردستانية عراقية.

والأهم أن هذه المادة الدستورية تنص على تنظيم ذلك بقانون، و لحد هذه اللحظة التي أصدرت فيها المحكمة قرارها لا يوجد قانون لذلك و لا قانون للنفط و الغاز.

أما المادة 121 التي اعتمدت المحكمة عليها لإصدار قرارها تنص على:

أولاً: "لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.

ثانياً: "يحق لسلطة الإقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية".

ثالثاً: "تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها".

رابعاً: "تؤسس مكاتب للأقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية".

خامساً: "تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه إدارة الإقليم، وبوجه خاص إنشاء وتنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة والأمن وحرس الإقليم".

هذه المادة تؤيد الحقوق الدستورية الكاملة للإقليم، ولم تخصص للإقليم ميزانية مقطوعة للإقليم منذ العام 2014 ، والمحكمة لم تتطرق إلى ذلك رغم أنها مادة دستورية، ولا يوجد لحد الآن مكاتب للإقليم في البعثات الدبلوماسية وأيضا المحكمة لم تشر إلى ذلك رغم أنها أسندت إلى المادة أعلاه. 

 

کان المفروض أن تراعي المحكمة الاتحادية الظروف الحالية التي يمر بها العراق والخيرين من أبنائه الذين يعملون من أجل لملمة الشمل وبناء بلد ديمقراطي فيدرالي تعددي على أساس التوازن والتوافق والشراكة، بدلا من زيادة فجوة التشرذم، والعمل من أجل إرضاء مجموعة مذهبية دون غيرها.

يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز " إِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل ۚ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعًۢا بَصِيرًا".

مع احترامي للمحكمة الموقرة والسادة أعضائها الكرام، هذان قراران بلا سند قانوني أو دستوري، وأنا متأكد كل التأكيد بأنهم على دراية بعدم قانونية القرارين، لكن الضغوطات و التدخلات خارج إرادتهم أدت إلى ذلك وهذا يتنافى مع عمل ومهنة رجل القانون.

الاكثر قراءة