السبت 4 مايو 2024

تاريخ لا يُنسى في يوم الشهيد.. سلامًا لروح خالد مغربي ورفاقه في كمين البرث


د. طارق فهمي

مقالات21-3-2022 | 19:22

د. طارق فهمي

ارتبطت منذ سنوات طويلة بمتابعة الأوضاع في سيناء، فأنا ابن مدينة السويس الباسلة، وعشت فيها سنوات عمري قبل أن ألتحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية  جامعة القاهرة، وأبناء مدن القناة وسيناء خط واحد، كما نقول، حيث عشنا في أجواء الحرب لسنوات طوال، وشاهدنا كيف دمرت بيوتنا بصورة لا يمكن أن تُنسى أبدًا من ذاكرتي وأنا عائد إلى السويس بعد انتهاء الحرب في عام 1974، حيث اكتشفنا أن البيت الذي كنا نسكنه ضُرب بالصواريخ في أحد أركانه.

 ظلت صور الدمار تلاحق مخيلتي كثيرا، خاصة وقد تخصصت بعد ذلك في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أكاديميًا واستراتيجيًا، حيث استمر ولا يزال الاهتمام ليس فقط مُنصبًّا على الأوضاع في سيناء، وإنما في كل ربوع الوطن الغالي، حيث تعرضت سيناء الحبيبة لعدوان من نوع جديد، بعد ثورة 30 يونيو، بل واستهداف مختلف، وليس من عدو كنا نعرف من هو وماذا يريد وماذا يخطط للتعامل مع سيناء.

في المرة الأولى كانت المواجهة على الأرض مع إسرائيل، وكان المخطط شطر سيناء بعيدًا عن الوطن  واستمرار احتلالها، وهو ما أفشلته جهود القوات المسلحة المصرية التي حققت نصرًا عظيمًا لا يزال مخلدًا في تاريخ الاستراتيجيات الدولية، حيث حارب الجيش المصري ببطولة وشموخ من أجل أن يبقى هذا الوطن حرًا،  ثم دخلت  مصر أجواء  التفاوض بدءًا من مفاوضات فض الاشتباك الأول حول  الأرض المصرية في سيناء، وأبرمت معاهدة السلام مع الجانب الإسرائيلي، وأقرت معطيات أمنية وسياسية واستراتيجية بين الجانبين، واستردت كامل أراضيها حربًا وسلمًا، وعبر مسار طويل من التحديات والبطولات، والتي لا تزال يكتب عنها سياسيًا وتاريخيًا لكي تقدم للأجيال القادمة لتعرف كيف كانت الملحمة وكيف كانت البطولات الحقيقية التي خلدت أسماءها  حربًا ثم سلمًا.

 ومع نجاح ثورة 30 يونيو في مصر، ومواجهتها لتحديات ومخاطر جديدة وجماعات ضالة وتنظيم فاشل محدود الأفق وجماعة ضالة ليس لديها ما تقدمه للوطن، خاضت القوات المسلحة معركتها الثانية، ولا تزال معركة أخرى في إطار مواجهة  عناصر الإرهاب في سيناء،  ونجحت في التعامل معه بكفاءة، حيث خرجت القوات المسلحة لتباشر تأمين الحدود المصرية والتعامل مع منابع الخطر الممثل في مواجهة الإرهاب وتنظيماته، كما اشتركت قوات الشرطة في تأمين مناطق ومواقع عدة إلى جوار القوات المسلحة  في منظومة عمل وطنية كاملة.

كانت المعركة التي حقق فيها الجيش المصري وأجهزة الأمن نجاحات كبرى بفضل تحديث وتطوير القدرات القتالية والتحول من استراتيجية رد الفعل للمبادرة والاستباق، وهو ما أدى إلى تحقيق نجاحات متقدمة في مستوى الأداء القتالي للأجهزة المصرية، ودفع بهذه العناصر الإرهابية إلى دائرة محددة، وتم ذلك بفضل جهود أبناء مصر من قوات الشرطة والجيش معا، والتي دفعت ثمنًا كبيرًا من أفضل وأخيَر أبنائها، وفي إطار عمليات ممتدة لم تتوقف بعد في إطار مخطط للقوات المسلحة المصرية العظيمة في التصميم على دحر الإرهاب بالكامل، وتطهير سيناء من العناصر الإرهابية، لا تزال تتحين الفرصة للوجود والإعلان عن نفسها، وهو ما تضعه أجهزة الشرطة والقوات المسلحة  في رأس أولوياتها الراهنة والمستقبلية، والتي تؤكد على جدارة  الدولة المصرية في رصد واستشراف المخاطر التي يمكن أن تواجه مصر وحسن التعامل معها، بل ووضع الاستراتيجيات الناجزة في المواجهة  المستمرة والتي لن تتوقف أبدا.

وفي يوم الشهيد 9 مارس من كل عام، نتذكر بالتأكيد البطولات والملاحم الكبرى التي قامت بها القوات المسلحة وأجهزة الأمن في التعامل مع عناصر الإرهاب والتي حاولت في مراحل معينة ضرب العمق المصري لولا يقظة القوات المصرية، والتي تعاملت بحرفية ومهنية حقيقية، وهو ما برز في تقليل مستوى تنفيذ العمليات الإرهابية بفضل الجهود الكبيرة التي قامت بها قوات الشرطة، والقوات المسلحة كل في تخصصه، وكل في نطاق عمله، وعبر مساحات شاسعة من أرض سيناء الغالية؛  ولعلنا هنا أن نتذكر الشهداء الذين سقطوا في المواجهات في سيناء الغالية، ومنها بالتأكيد هجوم البرث أو هجوم رفح 2017  الذي وقع في 7 يوليو 2017، ونفذته عناصر تابعة لتنظيم داعش على بعض نقاط التمركز العسكري المصري جنوب مدينة رفح، وأسفر عن  استشهاد وإصابة عدد 26 فردًا من أفراد القوات المسلحة المصرية، وكان من بين القتلى الضابط أحمد منسي، وقد لقى أكثر من 40 فردا من عناصر داعش المهاجمة مصرعهم ودُمرت ست سيارات تابعة لهم.

وتعتبر منطقة البرث نقطة استراتيجية مؤثرة، وتشكل عائقًا أمام تسلل العناصر الإرهابية، وقطع الإمدادات عنهم، ومن ثم كانت هناك محاولات مختلفة لاستهداف تلك النقطة  تحديدا والتي تربط وسط سيناء برفح والشيخ زويد.

 وحظيت ملحمة كمين البرث بخصوصية خاصة ضمن عمليات الجيش المصري ضد العناصر الإرهابية في سيناء، لتفاصيلها وشدة الهجوم الذي تعرض إليه الموقع، سواء لجهة أعداد العناصر الإرهابية المشاركة فيه، أو لجهة تسليحهم والسيارات المفخخة المستخدمة في محاصرته، وأيضا لما تضمنته من استبسال الجنود والضباط في المواجهة على مدار عدة ساعات حتى وصول الإمدادات الجوية.

كانت العناصر الإرهابية تستهدف السيطرة على البرث، ورفع علم تنظيم داعش عليه، في محاولة لتحقيق انتصار إعلامي، و أمام بسالة الجنود المصريين، فشلت العناصر الإرهابية في تحقيق هدفهم من الهجوم؛ أحد أبطال هذه المواجهة كان الشهيد البطل خالد مغربي والمعروف بخالد دبابة، وأحد أبطال "خير أجناد الأرض" المعروف ببأسه منذ قديم الأزل، فهو لم يكن معتديًا قط بل حاميًا لأرضه مدافعًا عنها ضد أي دخيل بكل ما أوتي من قوة، والتاريخ يشهد له بذلك، فهذا الجيش العظيم والمحترف والمصنف عالميا وفق تقريريّ "سيبري وراند" ( أشهر تقارير العالم في تصنيف الجيوش)  بأنه ضمن أقوى جيوش العالم، لا يضم بين صفوفه إلا خيرة أبناء الوطن وأعظمهم  والمدافعين عنه بكل ما أوتوا من قوة وقدرة كبيرة يشهد له بها الداني والقاصي، هؤلاء الجنود والضباط يقدمون كل ما هو عزيز وغال، ولا أغلى من النفس حتى يقدمونها فداء لأمن وأمان هذا الوطن الطيب الغالي ، وسجلّه مليء بالنماذج التى تسطّر  بسطور من نور.

خالد دبابة ابن مدينة طوخ، الذى ضحى بنفسه في سبيل إنقاذ الوطن من مخطط إجرامي كان ولا يزال يستهدف النيَل من الوطن الغالي، وهز استقراره والعمل على إضعافه وإفشاله في مواجهات جماعات الموت والتي كانت تريد النيَل من مستقبل هذا الوطن الخالد، إلا أنه ورفاقه وقائدهم الشهيد  العظيم أحمد منسي كانوا لهم بالمرصاد بموقعة كمين البرث، والتى ضربوا خلالها أروع الأمثال في التضحية والفداء لهذا الوطن الغالى.

كان الشهيد البطل من شباب ضباط الكتيبة 103 صاعقة، وقبل الوصول للكمين بمسافة 700 متر لمح الشهيد عربة على أحد جانبي الطريق بداخل إحدى العشش، بدأ التعامل معها فانفجرت بمن فيها، كانت معدة بمتفجرات لتعطل وصول الدعم، وأكمل في طريقه، وقبل الوصول للكمين بمسافة 400 متر، كان رصاص القناصة يطلق على المدرعة ورصاص من على جانبي الطريق، فكان يتعامل من داخل المدرعة مع مصادر الرصاص حتى أتت عربة دفع رباعي يقودها الإرهابيون لتصطدم بمدرعة الشهيد وتنفجر.

ستظل الأجيال القادمة تروي قصة "خالد مغربي دبابة.. أسد وجنبه إحنا غلابة" نشيد  الصاعقة الذي خلد أسماء أبطال كمين البرث بسينا "منسي ورفاقه"، والغريب والمثير في أن من أطلق عليه لقب دبابة هم العناصر الإرهابية لأنه حقق انتصارات عديدة عليهم، وهاجمهم في بؤرهم وقتل العديد منهم، وكان الشهيد على رأس المطلوب اغتياله، ونشر هؤلاء الإرهابيون وأعلنوا مكافأة كبيرة لمن يأتي به حيًا أو ميتًا إليهم، وكان ظهوره في مسلسل الاختيار قليلا، وأن ما قام به الدبابة أو صائد الإرهابيين من بطولات يحتاج لعمل فني جديد يؤرخ لبطولة خالد ورفاقه في كل موقع.
تحية لبطل مصر وشهيدها في عيد الشهيد المصري وسلامًا على روح خالد ومنسي وكل الشهداء الذين منحوا هذا الشعب الحياة.

Dr.Randa
Dr.Radwa