الأربعاء 5 يونيو 2024

بهاء الكاتب الذى اقترب من السلطة ولم ينافقها

8-2-2017 | 12:17

 

بقلم :نجوان عبد اللطيف

دق جرس التليفون فى مكتب سكرتير تحرير المصور، قال لى وقسمات وجهه تعبر عن دهشة كبيرة: تليفون علشانك.. أستاذ بهاء. قلت: بهاء مين؟ جاءنى صوت السكرتير: الأستاذ أحمد بهاء الدين يريد محادثتك. قلت وأنا أبتلع ريقى: أستاذ بهاء فعلًا.

وسط حالة من الارتباك وعدم التصديق والغبطة قال الأستاذ بهاء بصوته المميز الذى أعرفه جيدا من أحاديثه التليفزيونية القديمة، ومن استماعى له فى معظم الندوات التى شارك فيها، وكنت حريصة على حضورها قال لى: أريد لقاءك غدا فى مكتبى بالأهرام.

وضعت السماعة وخرجت مسرعة إلى أساتذتى مديري تحرير المصور والأديب الكبير يوسف القعيد والكاتب الراقى والقومى العروبى مصطفى نبيل رئيس تحرير مجلة الهلال فى ذاك الوقت، وهما من تلاميذ الأستاذ بهاء والمرتبطين به إنسانيًا، أزال مصطفى نبيل بعضًا من دهشتى قال إن الأستاذ بهاء علم بمواجهتك لإبراهيم نافع، أثناء مؤتمره الانتخابى -لمنصب نقيب الصحفيين- فى دار الهلال حيث انتقدت نافع بشدة لمنعه عمود يوميات الذى يكتبه الأستاذ بهاء والذى انتقد فيه الشيخ الفاسى والهرولة الإعلامية إليه وهو متهم فى قضايا نصب، وقلت له من يمنع رأيا لكاتب بقامة أحمد بهاء الدين، ويفضل أموال الإعلانات والمصالح الخاصة، لا يمكن أن يؤتمن على المهنة ولا على حرية الصحافة ولا يجوز أن يكون نقيبًا للصحفيين، استغربت وسألت مصطفى نبيل وهل هذا يستدعى أن يطلب لقائى؟! الدفاع عن كاتب بقامة بهاء هو فرض عين على كل صحفى، قال نبيل: هذا هو بهاء هو فيض من المشاعر الإنسانية من الرقى، يقدر الصغير قبل الكبير.

ذهبت فى الموعد المحدد استقبلنى الأستاذ بهاء بابتسامة رقيقة وترحاب ومن فرط تواضعه زالت رهبتى فى دقائق، وبقيت فى حضرة الأستاذ ساعتين، يتحدث بطلاقة تنافس قدراته فى الكتابة، هو واحد من الكتاب الذين يتحدثون كما يكتبون، صياغات محكمة، جمل مكتملة، تسلسل فى الأفكار، أسلوب شيق وجذاب فى السرد وضوح فى الأفكار، لوكان الأستاذ بهاء عاش لعصر الفضائيات لما كان أحد نافسه على شاشاتها، وشهد له أحد ملوك الكلام الراحل الكبير محمود السعدنى، قال إن وجود بهاء معى فى أى مناسبة يتعبنى، أضطر لبذل مجهود كبير لأحتفظ بانتباه الحاضرين الذين ينجح بصوته الخفيض وقدراته الفائقة فى سرقتهم منى،

سألت الأستاذ بهاء لماذا عدت إلى الكتابة فى الأهرام بعد منع نافع لعمودك وبعد امتناعك عن الكتابة لأيام؟

قال لى: هذا قرارى من البداية..الامتناع لفترة ليعرف الناس ما حدث، وليدفع من منع العمود الثمن، ولكنى أبدًا لم أرغب فى ترك الكتابة فى الأهرام الأوسع انتشارًا، وأكمل الأهرام ليست ملكًا لأحد، هى صحيفة قومية ملك لكل الناس ورؤساء التحرير زائلون والأهرام باقٍ، وأنا لا أطيق تكرار الغياب عن القارئ المصرى مرة أخرى..كان غيابًا مريرًا

وكان أول ما تعلمته من الأستاذ بهاء لا تطالبى أحدا برد فعل يتوافق مع شخصيتك بل تعاملى مع رد فعله فى إطار شخصيته هو.

والدرس الثانى عندما استغربت من كتابته فى صحف تختلف سياستها مع أفكاره ورؤاه بل تناقضها، قال: أنا مسؤول فقط عما أكتب، وأى مساحة أحتلها فى هذه الصحيفة أو تلك، هى انتقاص من هذه السياسة أو الأفكار المعادية حتى ولو كان بحرمان من يدعمونها من هذه المساحة.

كانت لديه قدرة فريدة على قبول الآخر والتعامل معه مهما كان حجم الاختلاف فى الرؤى.

كان يمقت الطائفية، ويقول عنها أحد أسباب تخلف العرب بل هى كما قال من أسباب التخلف واستمرارها إحدى علاماته.

ولعل زواجه من السيدة الفاضلة شريكة حياته ديزى المسيحية الديانة هى من دلائل حالة التسامح التى كان يعيشها بهاء مع الأديان والأيديولوجيات وأى مناحٍ للاختلاف.

كانت لقاءاتى المتعددة مع الأستاذ بهاء هى صدفة متوقعة، لم تكن هناك ندوة أو أى فاعلية يحضرها أستاذ بهاء إلا وذهبت والتقيت به، وكثيرا ما كنت أتمنى عليه أن يصرف سائق الأهرام لأصطحبه إلى منزله فى شارع هارون بالدقى، لأستزيد من حديثه ومن ثقافته الموسوعية.

كان الأستاذ بهاء متابعاً لكل الأحداث الفنية قابلته مرارًا فى العرض الأول للعديد من الأفلام، وفى المسرح القومى وفى صالات الفن التشكيلى وفى الأوبرا، كان يكتب فى الفن بنفس قدرته كمحلل سياسي، عندما شعرت ذات مرة أنه أسرف فى مدح ممثلة كبيرة فى عمل مسرحى ليس على المستوى، ضحك وقال: قليل من المجاملة لا يضر، هى فنانة قديرة بالفعل ولكن العمل ليس بحجمها، وأنا لم أمتدح العمل، ربما التشجيع يدفعها للاختيار الجيد مستقبلًا، لابد من مراعاة السن، الكبار من الفنانين لا يجب أن يعاملوا بقسوة بل يجب الحفاظ عليهم، ثم قال هل تعلمين أن أحد أسباب اكتئاب صلاح جاهين هو عدم الاحتفاء بأول ديوان لابنه بهاء كما كان يتوقع، رغم أن بهاء شاعر حقيقى وجميل، هذه من وجهة نظرى كانت قسوة على جاهين الكبير والصغير، ولكن الصغير يستطيع التحمل.

تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .