هنَّأ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيسَ الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورجالَ القوات المسلحة البواسل، والشعبَ المصريَّ بذكرى انتصارات العاشر من رمضان، داعيًا المولى عزَّ وجلَّ أن يديم على مصرنا الغالية وأهلها الأمن والسلام والاستقرار.
وأضاف علام، أن هذا الإنتصار ليس ببعيد عن مشكاة النبوة فهو امتداد للغرس الذي غرسه الرسول في نفوسنا ووجداننا من إيمان وصبر وإتقان العمل واستعداد وأخذ بالأسباب، وهذه العوامل مشتركة بلا شكٍّ في انتصارات المسلمين على مرِّ التاريخ كانتصار بدر وانتصار العاشر من رمضان وغيرها من الانتصارات العظيمة.
وأكَّد فضيلة المفتي أن المسلم إذا أحسن الظن بالله، وبذل الجهد في تحصيل الأسباب، وأتْبع ذلك بحسن التوكل على الله والاستعانة به مع الصبر على البلاء؛ هيَّأ الله عزَّ وجلَّ له من الأسباب التي لا تخطر له على بال ما يكون مُعينًا له على تحقيق النصر والفوز، على الرغم من ضعفه وقلة مؤنته في الحياة.
وأردف فضيلته: ولقد أمر الله تعالى بأخذ الأسباب مع التوكل عليه، وهو ما يسمَّى التلازم بين التوكل والأخذ بالأسباب «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»، فلا يتحقق التوكل دون الأخذ بالأسباب في كل الأحوال حتى مع الاستطاعة البسيطة؛ كما أمر الله تعالى مريم رضي الله عنها: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: 25]، وهي امرأة في المخاض لا تقوى على أن تحرِّك شيئًا يسيرًا، لا أن تحرِّك جذع نخلة مثمرة؛ إلا أن الأمر جاءها بأخذ السبب بهزِّ جذع النخلة ليتصل بالمسبب فتحصل النتيجة بسقوط التمرات عليها، فالأسباب وحدها لا تعمل ولا تؤدي مرادها إلَّا بإذن الله تعالى وصدق التوكُّل عليه.
ولفت فضيلة مفتي الجمهورية النظر إلى أن الجيش المصري قد شهد له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم له بالخيرية؛ فالأحاديث التي تشهد بأنَّ هذا الجيش في خير وعافية إلى قيام الساعة هي شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشمل كلَّ مَن انتسب إلى هذا الجيش، فخيرية الجيش المصري لم تأتِ من فراغ، وإنما نتيجة إرادة صادقة لرجال أوفياء.
وعن المشككين في خيرية الجيش المصري والأحاديث التي وردت في ذلك، قال فضيلة المفتي: إن هؤلاء يرددون كلامًا باطلًا من الناحية العلمية والواقعية، وقد رددنا عليه في بحوث وفتاوى وكتب صدرت عن الدار، وأنا أدعو المشاهدين أن ينفضوا عن أنفسهم كل هذه الأكاذيب التي ليس لها أساس من الصحة، مؤكدًا أن هذه المقولات المشككة في خيرية الجيش المصري العظيم لم تتردد إلا بعد أحداث ثورة يونيو 2013، فالجيش المصري العظيم انحاز لإرادة شعبه في جميع التغيرات السياسية، وهذا الانحياز لم يعجب البعض فأخذ يشكك في وطنية الجيش المصري الذي يقف بجانب الشعب على مدار التاريخ.
وأثنى فضيلته على تمسك بعض الجنود بالصيام في ميادين الحرب والتدريبات؛ رغبة منهم بالفوز بهذا الثواب العظيم، وكذلك إصرارهم على الصيام رغم سفرهم لساعات طويلة عند الذهاب أو العودة إلى أماكن خدمتهم العسكرية، وشعور بعضهم بالمشقة الخارجة عن المعتاد بسبب السفر أو الإرهاق، برغم الرخصة التي تسمح لهم بالفطر مع القضاء عند وجود المشقة الخارجة عن المعتاد.
وناشد مفتي الجمهورية الجميعَ بضرورة استعادة روح النصر والأمل وطاقة الجد والعمل التي رسختها هذه الذكرى العطرة والعمل على استعادة سماته من الالتحام والإيثار والمحبة والفداء والتضحية، واستغلال عناصره ومقوماته بالفكر والإرادة والعمل والإتقان والإخلاص في رفع راية الوطن عالية خفاقة حتى نحقق عبورًا جديدًا لهذا البلد الأمين، ونصرًا عزيزًا يضاف إلى أمجاد هذا الوطن العزيز؛ لتعود لمصر مكانتها اللائقة إقليميًّا ودوليًّا كما ورثناها جيلًا بعد جيلٍ، كريمةً عزيزةً مُهابةً في الشرق وفي الغرب؛ فهي أمة الرباط والسلام والاستقرار والحضارة إلى يوم القيامة.
وردًّا على سؤال يستفسر عن حكم "كيفية الصيام في بلاد الخارج حال زيادة فترة النهار حتى عشرين ساعة؟" قال فضيلة المفتي: إنَّ البلاد التي اختلَّ فيها الاعتدالُ حتى أصبح متعذرًا على المسلم الصيام فيها: فإنها ترجع إلى التقدير وتترك العلامات التي جعلها الله سببًا للأحكام الشرعية في الصلاة والصيام؛ مِن فَجرٍ وشروقٍ وزوالٍ وغروبٍ وذهابِ شفقٍ ونحوها، ذلك أنه قد جرت سنة الله في التكاليف أن ترد على غالب الأحوال، دون أن تتعرَّض لبيان حكم ما يخرج على هذا الغالب، ومِن هنا نصَّ الأصوليون والفقهاء على أن مقصود الشارع مِن عمومات النصوص أصالةً هي الأحوال المعتادة المألوفة الغالبة بين الناس في معاشهم.
وأضاف: وقياس هذا الاختلال مأخوذ من الواقع: وهو ثماني عشرة ساعة فما يزيد، وهو نصف اليوم ونصف نصفه؛ حيث يصعب على الإنسان صيام ثماني عشرة ساعة متواصلة ويزيد، وذلك بقول المختصين الذين يقرِّرون أنَّ الامتناع عن الطعام والشراب طوال هذه المدة يضرُّ بالجسد البشري قطعًا؛ وذلك على المعهود من أحوال البشر وتَحَمُّلِ أبدانهم، وما كان كذلك فلا يصح أن يكون مقصودًا بالتكليف شرعًا.
وأردف فضيلته: والمُقتَرَحُ لأهل تلك البلاد أن يسير تقدير الصوم والصلاة عندهم على مواقيت مكة المكرمة؛ حيث إن الله قد عدَّها أمَّ القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودةٌ دائمًا؛ ليس في القبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلَّت.
ولفت فضيلة مفتي الجمهورية النظر إلى أن إجازة التقدير بمواقيت مكة المكرمة في صوم أهل البلاد التي يطول نهارها ويقصر ليلها وصلاتهم هو قول ذهب إليه جماعةٌ مِن كبار أهل العلم في العصر الحديث منذ فترة طويلة إلى يومنا هذا؛ منهم "مفتي الديار المصرية" فضيلة الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله، وقد قدَّم هذا الرأي في الذِّكر على غيره وجَعَلَه مِن أقوال الفقهاء في المسألة كما سَبَقَ نقلُه عنه، وهذا هو الذي اعتمدته دار الإفتاء المصرية فيما بعدُ؛ بدءًا مِن فضيلة الشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق، إلى يومنا هذا، وهو الذي نراه أوفق لمقاصد الشرع الكلية، وأرفق بمصالح الخلق المرعية.
واختتم فضيلته قائلًا: وأما الأحوال التي لا يَزيد فيها حدُّ النهار عن ثماني عشرة ساعة ولا ينقص عن ست ساعات: فإن أهلها مكلَّفون بأداء الصلوات في أوقاتها حسب توقيتهم المحلِّي، وبالصوم بدءًا مِن فَجرهم إلى غروب شمسهم، فإن شَقَّ ذلك على أحدٍ أو كان سببًا في اضطراب حياته أو اختلال عمله جاز له الإفطار وتأخير القضاء إلى الوقت السنوي الذي لا يكون الصوم فيه مُؤَدِّيًا إلى اختلال نظام المعاش.