لا يعلم الكثير أن المقاهي المصرية تعدّ جزءًا يمثِّل تاريخ مهم من تاريخ جمهورية مصر العربية، وأنها ليست مجرد أماكن للتجمعات وقضاء أوقات الفراغ كما يظن البعض، فداخل مصر العديد من المقاهي ذات التاريخ والأثر، الذي يفوح منه عبق التاريخ، وشهدت المقاهي المصرية انطلاقًا فكريًّا وثقافيًا كبيرًا، على مر حقبات زمنية مؤثرة استطاعت تغيير التاريخ، حيث جمعت المقاهي كل الطبقات الاجتماعية أسفل سقفها، واكتسبت شهرتها من قامات مرتاديها، على جميع المستويات الفكرية والثقافية وفي مختلف المجالات، السياسية والفنية والأدبية وغيرها.
يعد مقهى "متاتيا" بمنطقة العتبة الخضراء بوسط القاهرة من أهم المقاهي ذات التاريخ العريق، حيث كان المقهى ملتقى لكبار المفكريين والسياسيين وقتها، حيث انطلقت منه دعوات التفكير والتنوير قرب التحضيرات للثورة العرابية، وكان يضم جميع فئات المجتمع المصري.
أخذ المقهى اسمه من اسم العمارة الموجود فيها، وهي عمارة "متاتيا" اشهر عمارات العتبة والتي حملت اسم المهندس الإيطالي الذي قام بإنشائها، بقلب ميدان العتبة وقتئذ.
ويرجح أن عمارة متاتيتا أنشأت في عام 1875م، وهي أشهر العمارات الموجودة على الإطلاق لعدة أسباب منها، أنه كان يوجد بها واحدة من أهم اللوكاندات وهي "لوكاندة مصر"، وأن المهندس "متاتيا" أتى بعدد من فرق الأوكروبات الأوروبية لتقيم عروضها أسفل العمارة، وآخر الأسباب هذا المقهى الذي حمل اسمه.
وكان مقهى "متاتيا" من أكبر المقاهي مساحة بالقاهرة، وأهمها من حيث الموقع الجغرافي، فقد كانت تطل على ترام العتبة الشهير، الذي أنشأه الخديوي، وكان المقهى يشغل واجهة العمارة المطلة على الميدان.
شهد مقهى متاتيا أهم فترات النهضة الأدبية في مصر، وكانت مقرًّا للشاعر حافظ إبراهيم الذي كان دائم الجلوس هناك وكتب فيها أجمل قصائده، وجمع المقهى مع حافظ إبراهيم قامات الشعر أمثال المازني، وإمام العبد، والمويلحي وعبد العزيز البشري، وغيرهم.
ولكن الجمال دائمًا لا يدوم ولكن يبقى أثره في التاريخ محفور، فقد هدمت قهوة "متاتيا" لأن جدرانها كانت آيلة للسقوط وتم إخلاء العمارة وأزالتها، ليشهد المكان تاريخ المقاهي.