الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

شكيب الإسكندراني

  • 27-4-2022 | 16:21
طباعة

الدراما هي وبحق ضيف محبب وزائر مرحب به في بيوت المصريين ، وهي وبحق أداة لتصويب وتقويم بعد الأنماط الغير منضبطة سواء سلوكيًا أو اجتماعيا أو حتى قانونيًا واجتماعيًا ، لا أنسي أعمال درامية عظيمة كانت سبب في تغيير قوانين ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 جعلوني مجرمًا 1954: فبعد عرض فيلم صدر قانون ينص على الإعفاء من السابقة الأولى فى الصحيفة الجنائية ، حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة .

كلمة شرف 1972: ويرجع الفضل لهذا العمل الهام فى تعديل قانون زيارات السجون ، والسماح للسجين بأن يجرى زيارة استثنائية خارج السجن فى الأعياد والمناسبات ، أو إن كان أحد الأقرباء مريضًا .

أُريد حلًا 1975: تدور قصته حول درية وتجسدها السيدة / فاتن حمامة – وهي سيدة تستحيل الحياة بينها وبين زوجها ، وتطلب منه الطلاق ولكنه يرفض فتضطر للجوء إلى المحكمة لرفع دعوى طلاق ، وتسقط درية فى غياهب ومتاهات المحاكم وتتعرض لسلسلة من المشاكل والعقبات وتتعقد الأمور عندما يأتي الزوج بشهود زور يشهدون ضدها فى جلسة سرية وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات.

 

وهو الفيلم الذي أثار موجة من الجدل فى المجتمع المصري بعد عرضه ، وكان سبب مباشر فى تغيير قانون الأحوال الشخصية ليعطى المرأة حق خلع نفسها من الزوج ، وهو أحد إرهاصات سن القانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن تعديل بعض إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، وظهور حق الخلع .

وعلى المستوى العالمي كانت السينما أيضَا سبب في تغيير الواقع القانوني ، ومن أمثلة ذلك :

JFK  - وهو الفيلم الذي نجح فى حث المسئولين على الإفراج عن الوثائق الحكومية التي كان ( الرئيس الأمريكي كينيدى ) ، يوقعها قبل اغتياله وإعادة فتح التحقيق حول ما حدث ، الفيلم صدر فى عام 1991 من إخراج أوليفر ستون ، ويحكى خيوط وملابسات اغتيال الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدى ، ويحمل الكثير عن تفاصيل حياة الرئيس وأسراره السياسية والاجتماعية.

Harlan County – والفيلم نال جائزة الأوسكار كأفضل فيلم وثائقي لسنة 1976 وتدور أحداثه فى إقليم هارلن بولاية كنتاكي ، حيث أضرب 180 عامل فحم عن العمل ، بسبب رفض الشركة توقيع عقود عمل مع العمال وفق شروط العمال و متطلباتهم .

 وتسبب الفيلم فى تعريف العامة بحقوق وأوضاع عمال المناجم ، وأصبح هناك تضامن شعبي كبير مع العمال ، وكونوا جماعت ضغط على  الشركات الكبيرة وأجبروها على أن تحسن من أوضاع العمل ، ومن ثم تحسين أوضاع العمال و تقديم سبل حياة أفضل.

أما في حدوته الست #تونه فالمسلسل يتحدث عن واقع مأساوي تعيشه بعض السيدات من رواد محاكم الأسرة ، ومعانتهن مع بعض ( اشباه الرجال ) ممن نسوا ظلمًا أو جهلًا قول الحق سبحانه وتعالي ( وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ )

وفي ذات السياق لا يفوتني ايضًا أن اتحدث في ذات المقام عن ( بعض ) النساء ممن تفنن في الكيد لأزواجهن والتنكيل بهم ، مستغلين في سبيل تحقيق هذا كل وسيلة مشروعة أو غير مشروعها ، وبرعن في استخدام سلاح التقاضي الكيدي وأسئن استغلال حق التقاضي بشكل فيه احترافيه كبيرة .

لست هنا في مقام كيل الاتهامات الي النساء، أو إلى الرجال، ولست أيضًا – وبحكم التخصص المهني – ممن ينحازون الي احد طرفي المعادلة على حساب الطرف الأخر ، فكلا العنصرين هام في المعادلة الأسرية المصرية ، ولا نجاح لأحدهما في غياب الأخر وانسحابه من المشهد ، ولكني اتحدث هنا من منطلق نظرة متخصصة لسير المحاكمات والأحداث وطريقة تعامل المتخصصين من الفاعلين في المعادلة من المناصرين لطرفيها ( الزوج والزوجة ) كالمحامين وهم من اهم الفاعلين في المعادلة ، لماذا الإصرار على استدعاء نموذج ( مصطفى بطاطا في ارابيسك ) ، ولماذا الإصرار على تشويه صورة المحامي والتقليل من شأنه وإظهاره بصورة تتجافي بالكلية مع طبيعة مهنته التي تستلزم البحث والدراسة والتنقيب ، وفوق كل هذا المظهر المهني الجيد والمحترم كالتزام قانوني نص عليه قانون المحاماة ، لماذا نموذج / شكيب الإسكندراني على وجه التحديد ؟

فمخرج العمل ومؤلفه أظن ان كلاهما يعرف نماذج مشرفه ومحترمة من رجال مهنة المحاماة والذين يشار اليهم بالبنان ، ولهم في المهنية والانضباط المهني والسلوكي والأخلاقي تاريخ طويل ومشرف ؟

وغاب عن صناع هذا العمل ( وظاهرة الرحمة وباطنه العذاب الأليم ) أن المحامي طبيب للمجتمع ، وانه مناصر للحقوق ومدافع عنها ، وانه ملاذ وحصن وناصر لكل مغبون حقه ، وهي المهنة التي قال عنها / روجيسيو ، رئيس القضاة الأعلى في فرنسا في عهد لويس الخامس عشر ( إن المحاماة عريقة كالقضاء ، مجيدة كالفضيلة ، ضرورية كالعدالة ، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان ، المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبداً له ، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة، غنياً بلا مال، رفيعاً دون حاجة إلى لقب، سيدًا بغير ثروة)

بينما قال فيها معالي النقيب الجليل / مكرم عبيد ( إن المحاماة كالصخرة الشماء التي تطاول عنان السماء والتي سترتد عنها ولا ترقى اليها اطماع الطامعين او مغامرات المغامرين ، وستظل صامدة فى كل عهد وحين مرفوعة الرأس وضاءة الجبين وقناتها لأى غامز لا ولن تلين  )

ولعل مبعث كتابتي لهذه الكلمات هو ما لاحظته في ختام المسلسل المثير للجدل، والذي  خضع للمراجعة القانونية من بعض الزملاء، وهو ما آثار حفيظتي واندهاشي ، فبعض من راجعوا المسلسل من المحامين المشتغلين فعلًا بمهنة المحاماة والممارسين لها، فكيف ارتضوا هذا التجسيد المبتزل لشخصية محامي البطلة والمدعو شكيب الإسكندراني؟

 ولا يغيب عني في هذا السياق أن المسلسل يأتي في إطار جهود الدولة في طرح الأفكار والمقترحات ذات الطبيعة التنويرية التي تدعو المؤسسات الرسمية بالدولة (مجلس النواب – الحكومة – وزارة العدل – الأزهر الشريف – المجتمع المدني) إلي ضرورة البحث عن صياغة عدد من المقترحات التشريعية الرامية الي تعديل بعض الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية المطبقة حاليا ، ولمواكبة التطورات التي استجدت في حياة المجتمع المصري ، وانا شخصيًا اتفق مع هذا التوجه المحمود، ولكن ليس على حساب المهنة التي احبها واحترمها وافتخر بأنني احد المنسبين اليها والمشتغلين بها، وبأنني احد أبناء المهنة التي عمل بها سعد زغلول والهلباوي ومكرم عبيد وعبد الرحمن الرافعي، ومفيدة عبد الرحمن، وأمال عثمان، ومحمد صبري أبو علم، وشهيد المحاماة وفقيدها الغالي معالى النقيب محمد رجائي عطية رحمه الله، وأسماء وقامات مشرفة عملت بمهنة المحاماة من رجال ونساء كاونا اعلام ومنارات اهتدى بأنوار علمهم كافة السائرين في دروب الباحثين عن الحقيقة والمناصرين للحق والعدل، لو أننا شرعنا في ذكر اسمائهم ومناقبهم لاحتجنا إلى سنوات وسنوات.

الاكثر قراءة