السبت 20 ابريل 2024

ماذا لو أعاد فتحي غانم كتابة «زينب والعرش»؟!

مقالات28-4-2022 | 10:30

أطالعها كثيرًا، وأتوقف أمام شخصياتها كأني أراها أحاورها، أتأمل علاقات أبطالها ومصائرهم أحلامهم وأترقب النهاية بنفس شغف القراءة الأولى لـ "زينب والعرش" تلك الرواية التي كتبها الصحفي والروائي فتحي غانم في سبعينيات القرن الماضي، وهي واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي تمكنت من تقديم مقاربة درامية لكواليس بلاط صاحبة الجلالة، وكانت الأقرب في مقاربتها لرسم صورة عن علاقة المثقف بالسلطة. 

ويعد فتحي غانم أحد أبرز رموز مؤسسة روزاليوسف العريقة، فهو صحفي من طراز خاص عاشق لمهنته، ومالك لأدوات الصحفي وموهبة الروائي.  

وبالرغم من أن المسلسل التلفزيوني هو الأقرب للمتلقي، إلا أنني لدي شغف كبير بقراءة النص، وبناء صورة ذهنية عن كل شخصية وعلاقتها وتطورها داخل النص، فقد استطاع غانم أن يقدم في روايته شخصيات من دم ولحم يمكنك أن تراها في حياتك اليومية. 

تمكن "غانم" من تقديم أنماط مختلفة من الشخصيات لكل منها دوافعه و تطلعاته، فهو يرسم شخصية "حسن زيدان" مساعد "عبد الهادي النجار" رئيس تحرير جريدة العصر الجديد، من خلال نقله لرغبات "النجار" قائلًا للمحررين "اكتبوا الجملة الموسيقية وابحثوا عن الجملة اللاذعة فـ الأستاذ عبد الهادي على أتم استعداد لأن يكتب النكتة الجديدة حتى لو كانت عن أمه"، بينما يروي "يوسف منصور" مساعده الثاني، "أن الأستاذ عبد الهادي له فلسفة بالنسبة للحقيقة فليست عنده حقيقة واحدة مطلقة يتفق عليها الجميع، إنما هي حقائق متعددة ومتعارضة، لأن ما هو حقيقي عند إنسان، هو مصلحته فقط ولا شيء غير مصلحته"، كان عبد الهادي النجار يري في حسن زيدان طيف من شخصيته الحقيقية خاصة انتهازية "زيدان" التي كان يرغب في استخدامها حينما يحتاج إليها، وكان يرى في "يوسف" الشاب الحالم النقي، هكذا كان الرجل مزيج بين طريق الشيطان الذي سلكه للحصول على المال والنفوذ، والأمل في التطهر من الآثام. 

أما زينب رسمها "غانم" فتاة لأب تركي وأم مصرية فلاحة، اعتبرها النقاد هي رمز لمصر في الرواية التي يدور في فلاكها أبطال الرواية، وبعضهم كان يري فيها صاحبة الجلالة. 

الرواية التي دارت أحداثها قبل نصف قرن تقريبًا، ما تزال أحداثها تجري كل يوم كالنهر الجارف لكن أدوات العصر هي التي تغيرت، الأمر اختلف برمته تماما، فهناك من هم على شاكلة "حسن زيدان" مهمته الأولى والأخيرة استخدام ما يحصلون عليه من معلومات وتوظيفها لصالح من يحقق مصالحهم ويؤمن صعودهم وما يتبع ذلك من ميزات أو مال، صالحين للاستخدام في كل العصور مع كل الأطياف، وبعضهم يرتدي عباءة النضال وفق المرحلة واتفاق المصالح، في انتظار اللحظة المناسبة للقفز على مقعد ولي النعم. 

أمام شخصية "يوسف" تظل حائرة تبحث عن دور يتوافق مع عالم مثالي، بينما تعيش في عالم الواقع، وتحاول أن تأخذ بيد "زينب" إلى بلاطها من جديد. 

في اعتقادي أن "غانم" لو أعاد كتابة الرواية من جديد لا وجد عوالم جديدة وخفية، ربما أكثر الشخصيات التي كان سعيد رسمها من جديد هي شخصية "زينب" تلك المرأة التائهة بين جذورها وحاضرها ومستقبلها الغامض، فقد أصبحت محاطة بالعديد من المتغيرات في عصر مختلف لم يعد احتكاكها متوقف على بحثها عن رجل يحتويها أو شخصية مختلف تمامًا عن نور الدين بهنس ذلك الرجل العجوز العاشق للمال، أو "عبد الهادي النجار" الذي يدور حولها بحثًا عن الحياة التي لم يعرفها في حب لها، ربما أيضًا لتغيرت طبيعة علاقتها بـ "يوسف" ولم تعد شغوفة بحبه. 

قد تفقد "زينب" حيويتها في بعض مراحل تطور الشخصية، لكنها تظل تتنفس تنبض بالحياة، ربما تنتظر حب يمنحها قبلة الحياة، ربما استكمل "غانم" ملامح الشخصية بعد استكمال تعليمها وأضاف ملامح جديدة للشخصية قد تلقي بتأثيرها على باقي شخصيات الرواية. 

عبقرية ذلك النص الروائي العظيم في تلك العبارات والخلفيات التي تكشف عن تكوين كل شخصية في الرواية، وعلاقتها بالآخرين، عمل "غانم" بالصحافة جعله يقدم شخصيات تجعل القارئ يبحث عنها في الواقع، بل إلى الحد الذي قال الكاتب الكبير مصطفى أمين إنه المقصود بشخصية عبد الهادي النجار رغم نفي المؤلف نفسه لوجود الشخصيات في الواقع، وإنها من وحي خيال المؤلف في مطلع الراوية.

وفي اعتقادي أن الشخصيات هي من دم ولحم يعيش في عالم الواقع وأن اختلفت الأسماء.. وللحديث بقية وإلى الأسبوع المقبل.