الأربعاء 24 ابريل 2024

الكلمات صانعة المعجزات

مقالات6-5-2022 | 22:48

​أعود للكتابة من جديد بعد فترة توقف خلال شهر رمضان الكريم، أعود للذاكرة والمواقف والمشاعر التي تجتاحني بشكل مستديم وتعبر عني بأفضل الصور مكتوبة، أمارس هوايتي المفضلة بالفضفضة والتخلص من كل ما يحرك قلبي أو يثقل كاهلي بإطلاق العنان للكلمات، تماماً كما كنت أفعل وأنا طفلة، فقد كنت أكتب كل أفكاري وأفراحي وشكوايا في قصاصات ورقية ومن ثم أقوم بربطها بخيط في بالونة وإطلاقها من نافذتي حتى تجد طريقها لله.

اليوم أعود وأنفض عني غبار المواسم البينية وآثار أمشير ورياح الخماسين، تلك التي تؤثر على عظامنا وجلودنا وأرواحنا في فترات الشتاء، أعود فأتلمس خُطايا على نفس بصمات قدم والدي الراحل، وأستلهم الأمل من عز الدين إبن أخي وعزيز قلبي، وأتحسس الدفء في قلبي من صاحب المصباح الغائب، هي في مجملها مجرد أحاسيس معنوية غير ملموسة لكن لها وقع طبول الحرب، ترن في أذنك وترسل الإشارات لباقي حواسك فتحركك نحو الغاية.

والغاية هنا هي الخاصية الأصيلة للحياة تلك التي تحمل صفة الاستمرارية شئنا أم أبينا، الاستمرار في الطريق مهما كانت الآثار التي استتبعت طبول الحرب، والتي ليست شرطاً أن تكون آثاراً سلبية ولا حتى إيجابية بالمعنى الحرفي، لكنها قد تكون مجرد دروس حياة تُعلمنا الجديد من الخفي علينا، وتجنبنا ارتكاب المزيد من الحماقات.

فنحن نتحرك بالكلمات، نمشي بها وقد نركض بها، تؤلمنا وتفرحنا، نمارس بها طقوسنا الدينية ونرفه بها عن أنفسنا، نستأنس بها مع الآخرين، وبها نستغنى عنهم، ولك أن تخيل أن للكلمات وقع في تغيير أقدار الأفراد والأمم، وفي إقرار وتبديل أوضاع، وفي صناعة أو ضياع فرص جديدة.

ألم تكن هي أولى الكلمات التي تنزل في القرآن الكريم بما يؤكد قوة صُنعها ووقعها في النفوس، أليست هي التي تكسر الخواطر وتجبرها، أليست هي صانعة الحدود وواضعة الاتفاقيات ومقررة المصائر!! كيف لنا ألا نلتفت لحلو الكلام فيها من ذلك الذي يصنع فارقاً ويغير للأجمل والأوفى والأكرم والأحن والأرقى والأكثر احتواءً.

أين نحن من الاستخدام الأمثل للموارد المعنوية التي لا تنضب، ألم نكتفي من استهلاك كل الموارد المادية للكوكب ونحن نمتلك كنوزاً من النعم والموارد النفسية المجانية اللانهائية التي كلما أحسَنّا استخدامها زادت، وكلما أهملناها نقصت بعكس كل شيء مادي ملموس.

 صناعة الفوارق لا تتأتى بمجرد المشاهدة أو الاستماع، فعلى المرء أحياناً أن يتحرك ويشارك ولو بكلمة، كلمة لها وقعها وتأثيرها، ولو مكررة أو ليست بالمصطلح الأمثل والأكثر ملائمة للموقف، فقط يكفيها أن تكون صادقة وملهمة ومحل احترام وتأمل وإحداث تغيير.

نشر الرحمة بالكلمات صدقة مجانية، بعثرة الود بالكلمات هدايا مجانية، إشاعة مشاعر الدعم والتحفيز والاحتواء بالكلمات عبادة روحانية...

فقط دعونا نعمل على تفعيل حاسة النطق وتزيينها بالقيمة المضافة وهي حلو الكلمات، كفانا ما لقينا من كآبات الكوكب.

Dr.Randa
Dr.Radwa