الأحد 24 نوفمبر 2024

مقالات

محفوظ عبد الرحمن الذي وهب عمره لتوثيق تاريخ مصر دراميًا


  • 12-5-2022 | 14:48

سهى زكي

طباعة
  • سهى زكي

"بندق ندق بوابة الحياة بالإيدين قومي افتحي لولادك الطيبين قومي ..

اللى بنى بنى مصر كان فى الأصل حلوانى

وعشان كده مصر يا ولاد مصر يا ولاد حلوة الحلوات..

وادى وبوادى و بحور و قصور و موانى توحيد وفكر وصلاة تراتيل غنا وابتهالات

وكل ده فى مصر يا ولاد مصر يا ولاد حلوة الحلوات..

اللي بنى مصر كان حلواني يا ولاد حلواني

اسمه على بوابتها لا زال ولا زايل .. ساعة الهوايل يقوم قايل يا بلدك.. يا بلدك

و ييجى شايل هيلا هوب شايل .. هيلا هوب شايل .. حمولها و يعدل المايل" 

هناك ثلاثة أجيال على الأقل تأثرت بأغنية جميلة من الأغاني الوطنية الرقيقة التي تغنى بها المطرب الكبير علي الحجار كلمات سيد حجاب وألحان بليغ حمدي وهي أغنية تتر مسلسل " بوابة الحلواني " الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه إبراهيم الصحن وبطولة جماعية لنخبة كبيرة من نجوم مصر .

نجح الكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن أن يكون جزء من صناع تاريخ الدراما التليفزيونية وأن يدخل قائمة حفظته على مر العصور وخاصة خلال قرنين من الزمان ١٩ و٢٠ وذلك من خلال قدرته الإبداعية على توثيق أحداث مهمة من تاريخ البلاد، حيث استطاع ببراعة تجسيد أحداث تاريخية مهمة بأزمان مختلفة فى أعماله الدرامية التي ظهر منها شغفه وولعه بعشق مصر من خلال توثيقه للتاريخ دراميا.

وظهر ذلك منذ قدم أول عمل له وهو مسلسل "سليمان الحلبى" عام 1976، والتى تدور أحداثه حول شخصية سليمان الحلبى الذى اغتال الجنرال كليبر، قائد الحملة الفرنسية فى مصر بعد نابليون بونابرت، رابطا بين الوقائع التاريخية، وبين نسيج الكاتب، بما لا يخل بالأحداث، التاريخية ثم عام 1979 حين قدم حوار وسيناريو مسلسل "سقوط غرناطة" الذى تناولت أحداثه آخر ليلة من ليالى غرناطة تلك المملكة الجميلة التى كانت المكان الذي يسافر إلى سحره وجماله العرب والأوروبيون حيث ليالي الأندلس، وشهدت تغيرات عظمى نتيجة صراع الحكام العرب للمالك الأندلسية علي الحكم وكيف كان الخلاف بين هؤلاء الحكام الذين نجحوا ذات يوم في الفتح الإسلامي بالأندلس سببا أن يستعيد الأسبان حكم إمبراطوريتهم.

شارك فى بطولته عبد الله غيث، وأحمد مرعي، ومحمد وفيق، وأمينة رزق، وتوفيق الدقن، ورغدة، وإبراهيم عبدالرازق، وراوية أباظة، وأحمد خليل، وشاكر عبداللطيف، وصفاء الطوخي، وعبدالرحمن أبو زهرة.


وتعد عمدة أعماله التاريخية والذي ارتبط الجمهور بها هو عمل تناول فيه حقبة من تاريخ مصر الحديث وخاصة فترة الحكم الملكي وحفر قناة السويس ومقاومة المصريين للمحتل خلال عمل درامي كبير إنتاج التليفزيون وقت ما كان هناك إنتاج للتلفزيون فقدم مسلسل "بوابة الحلوانى" الذي عرض لأول مرة عام 1992، وتمت إذاعته على أربعة أجزاء، والتى سلط من خلاله الضوء على نواحى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحقبة الزمنية فى فترة حكم الخديو إسماعيل، إلى بدايات القرن الماضى، ناقلا بما في ذلك تداخل الطموحات السياسية والاقتصادية للأفراد، وكذا الصراعات القائمة من أجل إقصاء الآخر والاستفراد بالهيبة والسلطة.

محفوظ عبد الرحمن هو كاتب الدراما الوحيد الذى تناول تأميم قناة السويس، وقدم هذا في أكثر من عمل له ، مثل فيلمه السينمائى "ناصر 56" ، تحدث عن قناة السويس خلال عام 1956 والتي كان يعتبرها أهم وأخطر فترات قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمصر قبل وبعد تأميم قناة السويس باعتباره من أهم إنجازاته السياسية، حيث كانت شركة قناة السويس تدار من جانب الحكومة البريطانية، وخاصة سحب البنك الدولي عرضه بتمويل مشروع بناء السد العالي.

 عرف محفوظ عبد الرحمن بولعه وعشقه لقناة السويس، ويرجع السبب فى ذلك عندما كان يعمل فى دار الوثائق عثر على وثائق قناة السويس، وقرأ عنها كثيرا، وآمن بأن حفر قناة السويس كان حدثا تاريخيا محوريا في التاريخ المصرى، حيث علت أصوات السخرة فوق ظهور مئات ألوف الفلاحين ولقى معظمهم حتفه، ومن هنا قرر أن يكتب قصتها وكتب مسلسل "بوابة الحلوانى"، وكذلك فيلم "ناصر 56". 

كان عبد الرحمن ضمن جيل يعتز بالكتابة الدرامية ويعرف أهميتها ويقدرها لذلك لم تكن كتابته لأي عمل درامي هو "شغل أكل عيش"  فلم يكن لمسلسل "بوابة الحلواني" أن يكون له هذا التأثير دون أن يوضح الكاتب شرح تفاصيل ذلك الحدث الحاسم فى تاريخ مصر، والذي أثر على حاضرها ومستقبلها، فعندما قرر محفوظ عبد الرحمن كتابة العمل سافر لمدينة بورسعيد واشترى هناك شقة، لأنه كان يحب معايشة المكان الذي يكتب عنه،  ومن خلال "أسرة الحلواني" بقرية "الفرما"، التي صارت مدينة بور سعيد بعد حفر قناة السويس مسلطا الضوء على نواح من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحقبة الزمنية. 

نقل مسلسل "بوابة الحلواني" صورة شبيهة بالواقع ليوميات المجتمع المصري خلال بدايات القرن ال١٩ وال٢٠ ، بما في ذلك تداخل الطموحات السياسية والاقتصادية للأفراد، وكذلك الصراعات القائمة من أجل إقصاء الآخر والاستفراد بالهيبة والسلطة.

وبنفس الروح كتب "ناصر 56" وكأنه استطراد لبوابة الحلوانى، فكان يؤمن أن تأمين القناة لم يكن مجرد قرار لعبد الناصر بل رد اعتبار لكل المصريين، وقد استعد لهذه التجربة بالعديد من المراجع والوثائق والشخصيات واستطاع من خلال الفيلم أن يوثق بدقة هذه الفترة الزمنية، وتعد من أجمل مشاهد الفيلم عندما ذهبت سيدة فلاحة بسيطة تدعى " أم مصطفي " لمقابلة جمال عبد الناصر وهي تحمل ملابس جدها وقالت له "اليوم أخذت بثأر جدى" وكان جدها مواطنا بسيطا مات أثناء حفر القناة في ظروف قاسية، وتعد هذه الفلاحة تجسيد لشعور المصريين تجاه قرار تأميم القناة والذي أصدره جمال عبد الناصر.

لم يهتم محفوظ عبد الرحمن بنوع كتابة قدر اهتمامه بالكتابة التاريخية رغم صعوبتها إذ أنها نوع خاص جدا من الكتابة الإبداعية التي تحتاج لما يشبه "المذاكرة " أي قراءة في كتب التاريخ وبحث في مصداقية الأحداث وجهد في توثيق الأطراف المختلفة لكل حدث .. لذلك تعد الكتابة التاريخية من أصعب أنواع الكتابة وأهمها وربما أيضا لذلك كتابها قليلين جدا لأنها تحتاج لوقت طويل ومجهود كبير.

فمثلا في مسلسه الشهير "أم كلثوم " حشد عبد الرحمن كل ما يخص كوكب الشرق من أحداث ومواقف وعلاقات في ٣٠ حلقة ..فما أصعب اختصار حياة إنسان تجاوز عمره ال٦٠ عاما في ٣٠ يوما .. وقد نجح المسلسل نجاحا مبهرا من إخراج إنعام محمد علي وبطولة صابرين ..

ومن أشهر ما كتب للسينما فيلم حليم عام 2005 
من إخراج شريف عرفة وفيلم عنترة وليلة سقوط غرناطة والمسلسلات الثلاثة الأخيرة إخراج عباس أرناؤوط.

محفوظ عبد الرحمن مواليد11 يونيو  1941

تخرج فى جامعة القاهرة عام 1960 و كان قد بدأ الكتابة قبل تخرجه بأعوام .. عمل  في عدة أماكن صحفية ثم بعد تخرجه عمل في دار الهلال و استقال عام 1963 ليعمل في وزارة الثقافة.

كتب القصة القصيرة و النقد الأدبي و المقالة في مجلات كثيرة.

ثم عمل منذ عام 1963 في وزارة الثقافة ..وساعده عمله في البداية بدار الوثائق التاريخية في كتابته للأعمال التاريخية، ثم شارك كسكرتير تحرير في إصدار ثلاث مجلات متوالية : مجلة السينما - مجلة المسرح والسينما- مجلة الفنون.

صدرت  له مجموعته القصصية الأولى البحث عن المجهول" 1967و الثانية " أربعة فصول شتاء" 1984، و روايته الأولى "اليوم الثامن" نشرت 1972 بمجلة الإذاعة و التليفزيون و "نداء المعصومة" نشرت عام 2000 بجريدة الجمهورية.

كتب سهرة للتليفزيون "ليس غدا" عام 1966، و قدم أول مسلسل تليفزيوني "العودة إلى المنفى" عن قصة أبو المعاطي أبو النجا 1971، ليعمل من 1974~ 1978 في تليفزيون الكويت قدم فيها العديد من الأعمال القيمة.

و يستقيل عام 1982 من وزارة الثقافة و يتفرغ للكتابة.

كتب أكثر من عشرين مسلسلا للتليفزيون منها: الهوى - أم كلثوم - ساعة ولد الهدى - كتابة على لحم يحترق _ الزير سالم.

من مسرحياته 

بلقيس ، محاكمة السيد ميم ، الحامي والحرامي  احذروا، عريس لبنت السلطان ، السندباد البحري  حفلة على الخازوق، ليلة من ألف ليلة وليلة.

 كما كتب محفوظ عبد الرحمن للإذاعة عددا من المسلسلات والسهرات منها إيزيس، الرجل الذي رحل، سهرة تليفزيونية، ذات يوم ذات شهر ذات سنة سهرة تليفزيونية.


حصل محفوظ عبد الرحمن على عدة جوائز  منها جائزة الدولة التشجيعية 1972 أحسن مؤلف مسرحي 1983 من الثقافة الجماهيرية. 

و الجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة و التليفزيون عن مسلسل أم كلثوم. 

وجائزة الدولة التقديرية في الفنون2002

جائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة و التليفزيون.

متزوج من الفنانة القديرة سميرة عبد العزيز وتوفي في يوم 19 أغسطس 2017 بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز الـ76 عاما، داخل العناية المركزة بأحد المستشفيات الخاصة في مصر وكان محفوظ عبد الرحمن قد تعرض لجلطة دماغية مفاجئة، منذ أسبوعين، نقل على إثرها لأحد مستشفيات الشيخ زايد في 6 أكتوبر 2016.

الاكثر قراءة