يمثل الأدب العمالى محورا خاصا من محاور الأدب فى أجناسه الأدبية المتنوعة الشعر، القصة، الرواية، المسرح، حيث يتناول الأدب الطبقة العمالية بكل قضاياها وإشكاليات أحوالها خاصة فى علاقاتها مع سلطة أصحاب الأعمال والشركات التى يعملون بها، ويمثل السرد فى هذه الناحية محورا مهما لتناول القصة والرواية لهذه القضايا فى نصوصها المختلفة فى محاولة لرصد ما تعايشه هذه الطبقة وتصطدم به فى حياتها الخاصة والعملية مع سلطة المال وصاحبه. كما تمثل العلاقة بين الأدب وحياة العمال فى نضالهم اليومى من أجل لقمة العيش والتى بدأت مع بداية الثورة الصناعية أوائل القرن التاسع عشر حلقة مستمرة فى التعبير عن مستقبل العمال وطموحاتهم نحو تحسين أحوالهم المعيشية، والحرية فى ترتيب أحوال مستقبلهم المعيشى.
من أشهر الأعمال الروائية فى الأدب الأوروبى كانت رواية (جيرمينال) للكاتب الفرنسى أميل زولا التى صدرت عام 1885. وتتناول قضايا عمال المناجم من خلال النضال الحاصل بينهم وبين شركات المناجم وأصحاب الأعمال فى هذا المجال. ورواية "رجال وفيران" للكاتب الأمريكى جون شتاينبك الذى صور فيها كفاح بعض الأجراء الزراعيين ليتملكوا قطعة أرض صغيرة يعملون فيها بأنفسهم وينالون منها قدرا من الأمن والاستقرار والحرية، إلا أنهم يشعرون بالمرارة من الفشل الذريع الذى حل بهم جراء بطش سيد هذه الأرض وتعنته فى تملكهم لهذه الأرض التى كانت تمثل بالنسبة لهم الحياة كلها.
ولا شك أن حضور شخصية العامل فى الأعمال الأدبية فى المدينة والريف قليلة إلى حد ما بسبب انصراف الكتّاب إلى مجالات أخرى فى الكتابات السردية. إلا أن بعض الكتّاب قد استلهم هذه المنطقة، منطقة الأدب العمالى.
ففى مجموعة "موت عامل مطبعة" للكاتب سليمان فياض على سبيل المثال يرفد الكاتب حكاية عامل المطبعة (الشحات) العامل المصدور من خلال حياته الخاصة داخل هذا المجال العملى الذى يعيش فيها فى توتر وقلق ما بين جشع صاحب المطبعة الذى يرفض تزويد مطبعته بأساليب الحماية اللازمة لعماله وبين كيانه الهزيل فى ممارسة عمله وفى متخيله الخاص حين يعود إلى منزله حيال ما يكابده فى صميم عمله فى مطبعة (البشلاوى) وما يتعرض له الشحات من مواد كيماوية تجعل رص حروب الجمع تنهش فى جسده – دون رحمة من صاحب العمل – حيال هذه المهنة الخطرة حتى يصبح العامل مصدورا نتيجة لهذا الوضع غير الإنسانى المأزوم. وتبدو رؤيا الموت قائمة أمام الشحات أمام عنت البشلاوى صاحب المطبعة.
وفى هذا السياق أيضا نجد صورة العامل فى أعمال سيريّة مثل سيرة محمد يوسف المدرّك وهو أحد القيادات العمالية الشهيرة فى مصر فترة الثلاثينيات، الذى كتب عددا من الأعمال الروائية أشهرها "من الكوخ إلى القصر" دون فيها حلم أن تصير الآلة لمن يعمل عليها، أى أن يتملك العامل مصنعه، وهى فكرة تحويل الملكية الخاصة إلى ملكية عامة. كما تحضرنا أيضا تجربة القاص محمد صدقى عامل النسيج الذى أصدر أول مجموعة قصصيه له عام 1957 تحت عنوان "الأنفار" عن العامل الأجير بلا رزق منتظم. وتجربة أمين عز الدين رواية "الفيلق" التى تدور حول أحداث تسخير العمال فى خدمة معسكرات الجيش الإنجليزى فى منطقة القنال دون أجر وهو ما سبق أن جسده نجيب محفوظ فى رواية "زقاق المدق" من خلال عباس الحلو الذى عمل فى (الأورنس) الإنجليزي من أجل الحصول على المال السريع لشراء شبكة حميدة، ونهايته المأسوية حين اكتشف سقوط حميدة وأن ما يقوم به هو نوع من السراب فكان مقتله على يد من كان يعمل لديهم.
كذلك قدم خيرى شلبى شخصية العامل الفواعلى القادم من الصعيد ليعمل فى مهنة الفاعل لدى مقاولى الأنفار الذين يعملون فى البناء فى ثلاثيته "أولنا ولد"، و"ثانينا الكومى"، و"ثالثنا الورق".
كما جسد صنع الله إبراهيم فى روايته "نجمة أغسطس" دور العامل المصرى وجهده الكبير فى بناء السد العالى من خلال الصحفى الذى ذهب إلى أسوان ليغطى هذا الحدث الكبير.
وعمال الاتصالات التى ظهرت فى روايتى "وردية ليل" لإبراهيم أصلان، و"البوسطجى" ليحيى حقى، وما يقوم به كل منهم فى عمله وممارساته الذاتية والعملية فى هذا الحقل من حقول العمل.
كما تجسد رواية "الأيدى الناعمة" لتوفيق الحكيم فكرة البطالة وما تفعله فى مدمنى هذا النوع من البطالة من العاطلين بالوراثة وكيف أن العمل هو الأساس فى هذه الحياة. وقد تحولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائى قام ببطولته أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار والمطربة صباح ومريم فخرى الدين وليلى طاهر.
كما قدم عبد الرحمن منيف فى رواية "شرق المتوسط" شخصية العامل السياسى الذى كان ضحية التعذيب والقمع من السلطة لتبنيه ومناداته بالعدالة والحرية.
ولا ننسى فى هذا السياق العامل فى الريف فقد تناول الأدب الفلاحين الذين يعملون فى الأرض خاصة عمال التراحيل الذين كثر الحديث عنهم فى عدد من الروايات أشهرهم رواية "الحرام" ليوسف إدريس، ورواية "الأوباش" لخيرى شلبى.
وتعتبر رواية الحرام من الأعمال التى جسدت قضية عمال التراحيل التى ظهرت فى العديد من الأعمال الروائية التى تحدثت عن الريف وشكلت هذه الإشكالية نوعا مهما فى تحرير هذه الفئة من الظلم والقهر الذى كانوا يعانونه من ملاك الأرض.
وحول عمال التراحيل فى رواية الحرام يقول يوسف إدريس "عندما خرجت من قريتى إلى المدينة وجدت أن العالم يتحدث عن القرية المصرية وكأن الفلاحين جنس واحد. ولكنى اكتشفت أن الفلاحين يشكلون طبقات، مثل اكتشاف أن الشيء يتكوّن من جزئيات، تتكون من ذرات والذرات من جسيمات صغيرة، وقد كنت وقتها أؤمن بالطبقات الكادحة من الناس". لذا كانت رواية "الحرام" من الأعمال التى عبرت عن واقع فئة عمال التراحيل المزرى، وجسدت بواقعية وصلت إلى حدود التسجيلية، حياة تلك الفئة المهمشة اجتماعيا، والمتدنية فى جميع أحوالها، فى خط إنسانى، ونبرة اجتماعية طرحت إشكالية الفرد والمجتمع، والخاص والعام، والذاتى والموضوعى فى حركة نصية داخلية، ومن ثم ساعد على ذلك الأسلوب الصارم الذى عرض به يوسف إدريس الأحداث، والشخصيات، والوقائع المتداخلة، والمتقاطعة داخل النص، ليحيل من خلال هذه الرواية طريقة خاصة للحياة تروى ولكنها لا تعاش من خلال بعد له فى حياة هذا الإنسان المهمش المعذّب الذى يعيش فى منظومة داخلية وقائع حياة متدنية ومتشظية فى أبعادها المختلفة ويسير بها فى كل دقائق حياته على منهج الحرام والحلال والخطيئة والخيانة، وسطوة الواقع المعيش، وطغيان القهر والتسلط على مقدرات الحياة، ولعل هذه المفردة التى حملها النص فى عتبته الأولى وهى مفردة "الحرام" والتى أخذ منها الكاتب وقائع إشاراته المباشرة وغير المباشرة لمكونات النص، هى الإشارة أو العلامة التى كثف بها يوسف إدريس الوقائع الرئيسية لروايته ووضع من خلالها حقيقة الأيام التى عاشتها الشخصيات والتى انجلت عن حقائق متعددة تركت فى نهاية النص بعدا رمزيا شبه أسطورى يشير هذا البعد بأن "الناس تريد الإيمان على أية صورة، فإن لم تجد ما تؤمن به فى الواقع آمنت به فى الحكايات.