الوعى الحقيقى ليس فقط إدراك المخاطر والتهديدات الخارجية والمؤامرات والمخططات وتأثيرات الصراعات والمواجهات الإقليمية والدولية، ولكن من المهم بناء وعى حقيقى حول تحديات الداخل أو ضرورة أن نعتبرها تهديدات الداخل.. لابد أن نذكر أو نحيط الناس بأن عدد سكان مصر فى عام 2050 سيقترب من أن يكون ضعف الرقم الحالى.. وهو ما يتطلب زيادة مواردنا وقدراتنا وإمكانياتنا فى جميع المجالات، حتى بما يزيد على الوضع الحالي.
حديثى مع «بلدينا الفصيح» فتح أمامى الكثير من النقاط المهمة.. ووضع أمامى مصطلحاً جديداً.. قال :تتحدثون عن الاكتفاء الذاتى من القمح وغيره ..لكنكم تتجاهلون الاكتفاء الذاتى من الوعى الشامل، بكل التحديات والموضوعات والقضايا التى تمس حياة المواطن وتؤثر على شعوره بالتحسن، إنها الزيادة السكانية والغيبوبة التى نعيشها حالياً.
«بلدينا الفصيح».. وعبقرية المصطلح.. وشمول الرؤية
ذهبت إلى عزاء أحد الأقارب، وكان حاشداً بالأهل والبلديات وبطبيعة الحال هناك مثقفون ومتعلمون وبسطاء، تلك هى تركيبة المصريين، وفرضت الظروف التى يمر بها العالم ومنها بلادنا الطيبة، وما حدث من عمليات إرهابية مؤخراً.. ونجاحات مصر وجيشها، وشرطتها، فى حصار الإرهاب، والثأر للشهداء الأبرار فرضت نفسها على الحوار.. جاء الحديث فى كل شيء لنكتشف حقيقة واحدة أن الجميع على علم ودراية بما يدور فى العالم، وما يستهدف مصر وما تشهده من نجاحات.. إدراك حقيقى لما يحدث ..وهناك من يعى جيداً نجاح مصر فى توفير احتياجات الناس من السلع الأساسية، رغم تحرك الأسعار ..لكن فى نفس الوقت هناك فهم للأسباب وأنها خارجة عن إرادة أى دولة، ومنها مصر.. ولكن ما يحسب لمصر أنه ليس هناك أزمة فى توافر السلع فى الأسواق، وكل شيء موجود بعكس حالة النقص فى دول كبرى ومعاناة مواطنيها بسبب الحرب الروسيةــ الأوكرانية ..لكن الجميع يتمنى أن تتوقف الأزمة العالمية ويعود العالم إلى ما قبل كورونا، والحرب الروسيةــ الأوكرانية، وأن ذلك سوف يمنح مصر فرصة ذهبية.
أهالينا البسطاء.. من الجميل أن يعرفوا أكثر ممَّن نعتقد أنهم نُخَب ومثقفون، وقادة رأى، وبعض رؤساء الأحزاب، الذين خرج علينا أحدهم فى إحدى الشاشات الأجنبية التى تضمر العداء والكراهية لمصر، ومتهمة بدعم الإرهابيين وإتاحة الفرصة لهم على شاشاتها، وكذلك إفساح المجال أمام تجار حقوق الإنسان من المأجورين والممولين، وتشويه أى أمر يتعلق بمصر.. كشف ضيف الـ«بى.بى.سى» الذى يعانى من جهل مطبق أنه يعانى من غيبوبة لا يدرى ولا يعلم، ولم يكلف نفسه أن يطلع على الواقع والبيانات أو المعلومات والحقائق أو حتى مقارنة أوضاع وظروف مصر قبل 8 سنوات وظروفها وأوضاعها الآن ..يتحدث كثيراً لكنه لا يفهم ما يقول.. يتمادى فى الحديث والتنظير عن السياسة والاقتصاد، وعندما يدرك أنه يهذى، يقول لنا إنه لا يفهم فى الاقتصاد، لكن أصحاب الخبرات من أهل «حزبه» الذين هم بطبيعة الحال على شاكلته ومن أمثاله، يعانون الحقد والغل والجهل، وسواد القلب، وظلمة العقل، واقتصار الخيال ..وهو ما يشير إلى أنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.
أتحدى هذا المدعو وحزبه إذا كان المصريون يعرفون أو يعلمون شيئاً عنه ..يدافع عن المرتزقة الذين ارتكبوا جرائم ضد الوطن، لم نسمع له يوماً نعياً لشهداء الوطن، أو دفاعاً عن مصر.. ولا أدرى من أين له بهذه الثقة والقوة التى يتحدث بها، وكأنه الزعيم مصطفى كامل، وهو مجرد نكرة تعانى من الانفصام والجهل، حتى الدعوة التى وجهت للجميع دون قيود أو شروط، تحولت على يديه إلى تنظير ومزايدات ..واللَّه لو نزل إلى الشارع فلا أحد سيعرفه أو يشعر بوجوده، لأنه لا يشكل أى رقم، حتى الصفر برىء منه.
هؤلاء يا سيدى تم اختيارهم ودخلوا فى جميع الاستحقاقات الانتخابية.. ولم يحصدوا سوى الفشل الذريع، ولم يخجلوا من أنفسهم، ولا أدرى بلسان مَن يتحدثون، وينظرون.. وربما لا يمثلون أنفسهم.. فأعتقد أنه لو ذهبوا إلى التصويت فى أى استحقاقات انتخابية ويترشحون فسوف ينسون أن يمنحوا أنفسهم أصواتهم.
من الواضح أن هؤلاء لن يتغيروا أبداً، ولن تنصلح أحوالهم.. هل تدرون ما السبب؟.. لو تخلوا عن نفس أدوارهم الحالية.. وخلعوا ثياب المتاجرة والتنظير، فإنهم يفقدون بضاعتهم التى تحقق لهم أرباحاً ومكاسب طائلة ..لكن إذا انضموا إلى ركاب القوى الوطنية، فإنهم لن يربحوا سوى مصلحة الوطن، وهذا بطبيعة الحال ليس فى حساباتهم ..حقاً »ديل الـ ...لا ينعدل أبداً».. والحماقة أعيتْ مَن يداويها، وعندنا فى البلد بالصعيد بيقولوا »كلام العيال لا يودى ولا يجيب».. هؤلاء مصابون بحالة مزمنة مستعصية من الإنكار والجمود ..لا يصلح معها إلا التجاهل المستحق.
نعود إلى حديث المصريين بجد ..حيث تبارى الجميع فى الحديث عن التحديات والمؤامرات التى تحيط بمصر من الشرق والجنوب والشمال، والإرهاب، والظروف والأزمات العالمية وتأثيرها.. الكل عارف كل حاجة، وبالتفصيل.. الإعلام جعل الناس على معرفة ودراية.. لكن جميعهم قالوا: اللَّه يكون فى عونه ..اللَّه يعينه علينا.. طبعاً يقصدون الرئيس عبدالفتاح السيسى.
خرج أحد الجالسين معنا عقب انتهاء العزاء.. قال: يا جماعة خلينا نقول إحنا كتير ..وصلنا لأكثر من 100 مليون، تخيلوا أن مصر فى عام 2050 عدد سكانها سوف يتضاعف تقريباً ..بما يعنى أننا سنحتاج إلى ضعف كل هذه القدرات والموارد.. ورغم أن مصر فى عهد الرئيس السيسى تسابق الزمن.. ورغم كل هذه الإنجازات والمشروعات العملاقة إلا أنه توجد بعض الصعوبات، فما بالنا إذا وصل عدد السكان فى مصر إلى أكثر من 190 مليون مواطن، يعنى ابنك الذى سيأتى بعد 6 سنوات من الآن ويدخل المدرسة فى سن السادسة ..سيحتاج بعد تخرجه فى 2050 إلى وحدة سكنية وفرصة عمل.. بالإضافة إلى أنه عندما وصل إلى الدنيا احتاج إلى مستشفى وطبيب وممرضة وموظف وفصل دراسى فى ابتدائى وإعدادى وثانوى.. وأيضاً سلع أساسية ومحاصيل وخضراوات، وبالتالى نحتاج إلى التوسع فى الزراعة من خلال الخروج من الوادى القديم إلى الوادى الجديد والمشروعات غير المسبوقة التى تنفذ فى مجال الزراعة فى عهد الرئيس السيسى والتى تحاول أن تسد الفجوة والنقص والعجز والاستيراد على أساس عدد سكان مصر الحالي، فما بالنا بعد تضاعف عدد سكان مصر ..فما هى المساحة الزراعية المطلوبة فى عام 2050؟، بالطبع أكثر من ضعف الرقم الحالى من الأراضى الزراعية، وضعف الموارد والمصادر المائية للرى، بالإضافة إلى الاحتياجات الأخرى للإنسان.
تخيل أن الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى تسابق الزمن للعمل والبناء والتنمية فى كل المجالات.. وإذا أخذنا مثلاً فى مجال استصلاح وزراعة الأراضى، سنرى أننا أمام إنجاز حقيقى على طريق الاكتفاء الذاتى، سواء من توشكى التى عادت للحياة، إلى شرق العوينات وسيناء، و«مستقبل مصر» كأحد المشروعات العملاقة فى مجال الزراعة والتصنيع الزراعى الذى يحقق توفير احتياجات السوق المحلية والتصدير ويوفر فى مرحلته الأولى إنتاج 350 ألف فدان، من أجود المحاصيل، ويدخل ضمن نطاق المشروع القومى العملاق «الدلتا الجديدة»، الذى يتيح إضافة أكثر من مليونى فدان للرقعة الزراعية المصرية، وعلى سبيل المثال يبلغ حجم المساحة المنزرعة بالقمح 3.6 مليون فدان، تصل العام القادم إلى 4.6 بزيادة مليون فدان، ربما نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح أو الاقتراب منه بعد 3 سنوات، وقريباً نحقق الاكتفاء الكامل من السكر بعد دخول المصنع العملاق لاستغلال إنتاج محصول البنجر، وكانت مصر لديها الاكتفاء بنسبة 95٪، ومصر تتوسع فى زراعة المحاصيل التى توفر زيت الطعام مثل فول الصويا وعباد الشمس، لتقليل فجوة الاعتماد على الخارج، ناهيك عن المشروعات العملاقة فى الإنتاج السمكى والحيوانى والداجنى والصوب الزراعية واستصلاح وزراعة مليون ونصف المليون فدان، واستغلال كل مساحة تتوافر لها مصادر للرى وزراعتها .. ولولا هذه المشروعات والإنجازات.. لأصبح حالنا لا يسر عدواً ولا حبيباً، فى ظل الأزمات العالمية القاسية والمتوالية من أزمة كورونا إلى تداعيات الحرب «الروسيةــ الأوكرانية».
نعود إلى حديث «بلدينا» لفصيح، والمثقف والواعي، الذى يطالب بألا يكون الوعى مقصوراً على التحديات الأمنية والمخاطر والتهديدات الخارجية والمؤامرات والمخططات، ولكن على حسب قوله لابد أن يكون هناك وعى شامل، أن يكون لدينا مخزون استراتيجى من الوعى والفهم، أن يكون لدينا اكتفاء ذاتى شامل من الوعى الحقيقى والفهم الصحيح لكل قضايانا وتحدياتنا.. وألا يقتصر حديثنا ووعينا وشواغلنا واحتشادنا على التهديدات الخارجية، ولكن لابد أن نحتشد فى مواجهة التحديات الداخلية، وأن نقوم بتنشيط عقل وفكر المواطن، ليحسبها صح، أنه شريك فى المسئولية، وربما يكتشف أنه سبب الأزمة، ويدرك فى حالة الوعى والفهم ما تبذله وتحققه الدولة، ويعرف الظروف الصعبة.. جوهر حديث »بلدينا المحترم» يجب أن نركز فى بناء وعينا على أسباب مشاكلنا وأزماتنا.. فالزيادة السكانية والنمو السكانى المفجع على حد تعبيره »إننا نخلف ونرمى فى الشوارع» ونهرب من مسئوليتنا عن أولادنا، ونجلب لهم التعاسة.. ونلحق الضرر بالدولة، دون أن ندرى أو ندري.. فهذا تقصير خطير من الجميع وفى مقدمتهم الإعلام الذى يركز فقط على الوعى بالتحديات والتهديدات الخارجية.
الغريب أن «بلدينا» رفض الوسائل والأساليب التقليدية فى حملات تنظيم الأسرة، أو التصدى للنمو السكاني، مؤكداً أن اختلاف الأجيال يستلزم وسائل جديدة، فالأجيال الحالية لن تقتنع بحسنين ومحمدين، أو النصائح المباشرة والشغل ده.. لازم الصدمة، لازم تعرفه إن حياته هتكون إزاى فى حالة كثرة إنجابه.. وشكل حياته هيكون إزاى إذا التزم بالتنظيم أو الاكتفاء بطفل أو اثنين، وإزاى هيكون تأثير ذلك على الوطن.. لازم تعرفه ما تجنى يداه سواء بالوعى أو المعاناة.
ما أريد أن أقوله أننا نحتاج إلى الاكتفاء الذاتى فى الاحتياجات والسلع الأساسية والاستراتيجية وفى نفس الوقت وبنفس القدر نحتاج إلى الاهتمام بتحقيق الاكتفاء الذاتى من الوعى والمساران مرتبطان ببعضهما البعض، فلن تنجح وتجدى جهود التنمية غير المسبوقة إلا مع انضباط وسيطرة على النمو السكانى المخيف والمنفلت والعشوائى الذى يهدد عوائد التنمية.. ويجعل المواطنين لا يشعرون بتحسن ظروفهم المعيشية.. ولابد أن نحسبها صح، وننظر إلى المستقبل بشكل موضوعى خاصة إذا أدركنا الحقائق فإننا بعد 28 عاماً سيتضاعف عدد سكان مصر، وبالتالى يجب أن تتضاعف قدرات ومقدرات وموارد مصر.. ومع استمرار وتيرة العمل والإنجاز الحالية، وما يتحقق من نجاحات وعوائد نستطيع إذا ما سيطرنا على الزيادة والنمو السكانى أن نلمس التحسن الكبير وندرك الفارق بين ضبط النمو السكاني، وزيادة معدلاته.
لابد من تحقيق الاكتفاء الذاتى من الوعى الشامل قبل المخاطر والتحديات والتهديدات والأزمات فالوعى الشامل هو الحل.