الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مساحات المكشوف والمحجوب فى الملف الأمنى ومكافحة الإرهاب

  • 9-2-2017 | 10:36

طباعة

بقلم –  خالد عكاشة

قضايا الملف الأمنى فى كافة دول العالم تحظى دوما بمتابعة واهتمام عالٍ من الرأى العام بمختلف شرائحه، وبدرجة أكثر تدقيقا وتحليلا من المتخصصين من الكتاب والباحثين ورجال الصحافة والإعلام، هذا القدر من الاهتمام يعكس قدر تأثير الأمن على كافة مناحى الملفات الأخرى الموجودة بأى دولة، فالملفات الاقتصادية والاجتماعية والنشاطات الاستثمارية والتدفقات النقدية وغيرها من العناوين المهمة، عادة ما ترتبك مؤشراتها وتتأثر بقوة مع أول إشارات الخلل بصورة أو بأخرى داخل طيات الملف الأمنى، بل فى بعض الحالات ربما لا ينحصر التأثر على الوضع الأمنى واستقراره داخل حدود الدولة بل يمتد ليشمل دوائر الجوار..

التهديد أو الاضطراب الأمنى لدول الجوار أو نطاقات الإقليم المؤثرة والمرتبطة بالدولة يعكس بعضا من هذه التأثيرات السلبية على الداخل، مثلما هو الحال فى دول الاتحاد الأوربى ما بين بعضها بعضا أو فى كثير من الساحات العربية المرتبطة بما حولها بواقع الجغرافيا وغيرها من أشكال الارتباط، لذلك يشكل الخلل الأمنى وتفصيلاته هاجسا قد يدفع لمساحات من التساؤل وهذا منطقى تماما، لكن بأى قدر من الأمان يمكن طرح الإجابات الشافية أو كيف تتشكل هنا تحديدا مساحات الكشف والحجب حفاظا على سرية ودقة المسئول عنه؟

الكثيرون بداخل مصر، وخارجها فى الإقليم وأجزاء من العالم، ساورهم تقريبا نفس التساؤل الذى طرحه الأستاذ عمرو أديب على الرئيس السيسي، فيما يخص عدم الإفصاح عن الجهات الداعمة للإرهاب فى سيناء، أو بمعنى مباشر لماذا لم يتهم الرئيس أو مصر «الرسمية» أطرافا بعينهم، لا سيما وقد كانت هناك أحاديث غير مباشرة وجهها الرئيس بنفسه لهذه الأطراف، البعض منها جاء بعد عمليات كبيرة «كرم القواديس» مثالا، حينها بدا الرئيس موجها غضبه وتهديده لجهات بعينها، كانت تقف على الجهة المقابلة من هذا الحديث الذى جاء وغيره محملا برسائل لم تكن لتخطئها الأذن، أو تتلعثم فى فهم المقصود بها، وقد يستلزم الأمر بعضا من الشروحات للرأى العام الداخلى وللضباط والجنود، مما دعا الرئيس لصك مصطلح «أهل الشر»، حتى يستطيع الاسترسال فيما بين الخارج والداخل، وصار المصطلح نفسه محل تساؤل، من هم وماذا يخططون، حتى إن البعض تشكك فى وجودهم بالأساس على الطرف الآخر من معادلة الأمن أو الحرب على الإرهاب. وبالنظر إلى أن المداخلة التليفونية للسيد الرئيس كانت بالأساس ردا على ما أورده البرنامج التليفزيونى من حصر وإحصائيات للعمليات الإرهابية وضحاياها عن العام ٢٠١٦م، يثور التساؤل مرة أخرى عما يمكن الإعلان عنه للجمهور والرأى العام وما تتحفظ عادة الأجهزة الأمنية فى كشفه وتداوله، الرئيس كرجل استخبارات محترف وقيادة عسكرية وأمنية بارزة قبل أن يكون قائدا سياسيا، لم يبدِ انزعاجا ولم يشِر لضرورة حجب تلك المعلومات بل تعامل مع الأمر بقدر متزن تماما، وأثنى على الجهد البحثى الذى تعامل مع قضية الإرهاب وسيناء بموضوعية بل وأفصح عن جزء آخر من الصورة، أن الأجهزة المعلوماتية للدولة تقوم بعرض تفصيلات هذه النوعية من المعلومات والإحصاءات والمؤشرات الدالة عليها أمام القيادة السياسية، بغرض إجراء عمليات تقييم ومقارنات لتلك المؤشرات واستخلاص دلالاتها والعمل على الوصول بها إلى المساحات الأكثر أمنا، وعلاج ما قد يعتريها من إشارات للتهديد أو المخاطر.

لكن ما تم استخلاصه من حديث الرئيس وهو نقطة الفصل فى طبيعة تساؤلات المكشوف والمحجوب فى قضايا الأمن، وذلك بأن تناول تلك القضايا بعينها يجب أن يكون محكوما بأكبر قدر من الموضوعية ورصانة العرض على الرأى العام، فكما أسلفنا استثمار معلومات من هذا النوع فى ملفات أخرى ربما يلقى بظلال من المبالغات أو الاختزال مما يؤثر بالسلب ويضر بأكثر مما يمكنه أن ينفع، وهنا يجدر الإشارة أن حربا على الإرهاب أو فى غيرها من القضايا الأمنية الجانب المعنوى والنفسى للقوات التى تخوض هذه الحرب وهذا العمل، على درجة عالية من الأهمية وله قدر لا يستهان به فى صناعة النصر أو نقيضه فى حال تشكل رأى عام مجافٍ لما يجابهونه على أرض الواقع بتفصيلاته المعقدة. وعند هذه النقطة تحديدا يجب توخى قدر عالٍ من الحرص عند الحديث عن تداول المعلومات الأمنية، ليس بقصد حجبها على الإطلاق بل الاهتمام وبذل الجهد العلمى المطلوب من أجل خروجها بأكبر قدر من المصداقية مع مراعاة تلك الاعتبارات المشار إليها. ولدينا نموذج «المتحدث العسكري» الذى بدأت القوات المسلحة فى تفعيله بثوبه الجديد والأكثر حداثة وتطويرا مما كان عليه سابقا، حيث بدأ يتعامل بأدواته الحديثة وبخطابه العلمى المبنى على الوعى بكافة مكونات المشهد الإجمالى للرأى العام وللاعلام الداخلى والخارجى الذى ينقل عنه رسميا، عندما بدأت تلك الطبعة المتطورة من الأداء تتواجد على الساحة منذ ثورة يناير ٢٠١١م حصدت سريعا قدرا عاليا من المصداقية لدى المتلقين، بل واختصرت وقضت على أشكال أخرى مما كان يمكن أن يستهدف الإضرار بالمصالح الأمنية، فضلا عما قد يصيب ساحة الرأى العام من بلبلة وتشكك تدفع فى الاتجاه السلبي. للتسجيل فقط استخدم كل من الرئيس الفرنسى هولاند والمرشح حينها دونالد ترامب نفس المصطلح «أهل الشر»، فى خطابات علنية للإشارة إلى الإرهاب من زوايا متنوعة. وإن كان هذا لا ينزع عن التساؤل أهميته، وتوجيهه للرئيس معبرا عما يقض أذهان وأفئدة المصريين، وهم يتابعون حصاد الإرهاب على أرض الوطن. وإجابة الرئيس جاءت فى محلها بدقة، حيث لا يجوز لمن هو فى ذلك المقام الوظيفى أن يفصح أو يطلق اتهامات، خاصة فى تلك المساحة الشائكة التى تتناول الدول والأجهزة الاستخباراتية التى تدعم تنظيمات إرهابية مسلحة، وتكلفها بالضرورة بنشاطات فى أمكنة وأزمنة بعينها؛ لأن الصفحة الأولى من تلك المنطقة هى حتمية وحضور الإنكار التام لدى أى طرف يتم توجيه الاتهام إليه، والامساك بأدلة ثبوتية تدعم ذلك ليست بالبساطة المتوقعة، وحتى فى حال توافرها، الخفة فى إخراجها للعلن تعد خطيئة ترتد على المعلن، فالبعض يظن أن القبض على إرهابى واعترافه بأن دولة أو جهة بعينها كلفته وجهزته لعمل بعينه، هو نهاية لمشهد يمكن حينئذ إخراجه للنور، ومعادلة على هذا النسق هى شكل نظرى بحت لا علاقة له بواقع الصراع الضاري، الذى يدور بين أجهزة استخبارات الدول بعضها بعضا.

النماذج التى تفصح عن مكونات تلك المعادلة عديدة، الأحدث منها ربما دار فى تركيا المثيرة للجدل، فهل يظن أحد أن أردوغان وأجهزته لم يضعوا أيديهم على النسق الكامل لمساحة الدعم أو «السماح» الأمريكى بتمرير محاولة الانقلاب على نظامه، يقينا التفاصيل شبه الكاملة لدى أنقرة، ورغم أن الأمر يتجاوز بمراحل دعما لنشاط إرهابى أو غيره، فهو كاد أن يطيح به وربما برقبته، إلا أن أقصى ما أمكن صياغته تركيا كرد للفعل هو إلقاء التبعة على فتح الله كولن، ومطالبة الولايات المتحدة بتسليمه، ووقف المكشوف عند هذا الحد المباح. تماما كما جرى لما وقع بعدها بشهور، عندما خرجت الطلقات من ضابط الأمن التركى إلى صدر السفير الروسى فى قلب اسطنبول. موسكو قبل أنقرة وصلت إلى تفاصيل المشهد، وإلى ملامح القابع فى ظلام نهاية النفق، الذى خطط وكلف واختار المكان وربما لا يعرفه المنفذ نفسه. ولأن الرسالة العقابية لكليهما «روسيا، تركيا» كانت مما لايجوز الإشارة إليها، اقتصر الأمر على تصريح مقتضب وخبر من سطرين عن لجنة روسية تشارك نظيرتها التركية. والنماذج فى مختلف دول العالم وعلى مدى مراحل تاريخية متعددة تبقى مساحات المحجوب والمكشوف حاضرة بقوة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، كونها بالأصل هى ساحات للصراع الضارى الذى لا يمكن التهاون فيه بأى صورة من الصور، لكن مؤخرا وضع للرأى العام وللإعلام أدوارا مهمة فى خوض مثل هذا النوع من الصراعات ومهام أخرى إضافية فى عملية تأمين تلك الساحات، لاسيما وحروب وصراعات الجيل الرابع وضعتهما على قائمة أسلحتها ومستهدفاتها معا، وبالفعل لا يمكن تجاوزهما أو إغفال ضرورة استنفارهما ليشكلا قيمة مضافة ووزنا إيجابيا فى حسابات قوة الأمن للدولة وللأجهزة الأمنية، وهذا يتأتى عندما تكون المصداقية ومنسوب الشفافية قادرا بأن يحوز الثقة لدى المواطن الذى يستقى معلوماته ويشفى غليل اهتمامه عبر وسائل الإعلام، ويشكل هو وغيره رأيا عاما، ويقينا يعد هو الدرع الواقية للأجهزة العسكرية أو الأمنية التى تخوض الحرب المباشرة. وهذا اليقين من خلال بناء جدار للثقة هو ما يمكن أن يكون المهمة الرئيسية لأقسام الإعلام فى كافة الأجهزة الأمنية، فهم الأقدر على ضبط إيقاع مساحات الكشف والحجب عما لديهم من معلومات بالصورة التى تحقق المطلوب إيجابا، بالوسائل والخطاب المتطور الذى يراعى نمط العصر المتدفق بالمعلومات على مدار الساعة.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة