الأربعاء 8 مايو 2024

كنوز «دار الهلال»| سعد أردش دعا لبناء مسرح حر حديث وحاول تأسيس الجيب

سعد أردش

فن16-6-2022 | 18:32

منار بسطاوي

يحل علينا، اليوم الخميس، الذكرى الـ98 على وفاة أحد رواد المسرح المصري، بل والعربي أيضًا، والذي ترك بصمته واضحة على المسرح، فشارك بالتمثيل والإخراج، وأخرج العديد من المسرحيات الشهيرة سواء المصرية أو العالمية، ومن بينهم "سكة السلامة"، و"كاليجولا" وغيرهم الكثير، إنه الفنان والمخرج سعد أردش.

ونقدم لكم من أرشيف «دار الهلال» حوارًا أجراه سعد أردش عام 1991 عقب فوزه بجائزة الدولة التقديرية، وهو عنوان "المسرح العربي فشل في التواصل مع الجماهير، وإليكم نص الحوار:

ماذا يعني المسرح بالنسبة لك؟

المسرح بالنسبة لي هو المؤسسة الثقافية الجماهيرية التي  تمثل البرلمان الحي المتحرر من كل القـيـود التشريعية والقانونية واللوائحية لمناقشة القضايا الكبرى للمجتمع مناقشة فنية.

في خلال أكثر من 100 عام من عمر المسرح العربي، هل تعتقد أنه قد أصبحت هناك علاقة صحيحة بين المسرح العربي والجمهور.. أو بعبارة أخرى هل أصبح المسرح جوهريًا بالنسبة للجماهير العربية؟

لا، لم تتحقق هذه العلاقة الحميمة ولن تتحقق هذه الحقيقة الثقافية في الشعب بالنسبة للمسرح وذلك لسببين:

أولهما أن البلاد المتحضرة عندما أرادت أن تتحقق هذه العلاقة بين المسرح والجماهـيـر، وضـعت المسـرح في خطة الدراسـة منذ المراحل الأولى في التعليم العام، وأقص عليك واقعة غريبة في حياتي.

فقد ذهبت إلى إيطاليا لدراسة الإخراج المسرحي، وكنت وقتها حاصلًا على دبلوم المعهد في التمثيل وليسانس في الحقوق، ومع ذلك فقد أحسست بغيرة من بنت الأسرة التي سكنت لديها فـتـرة.

وكانت آنذاك في المرحلة الإعدادية لأنها كانت تفهم في الفنون أكثر مما كنت أفهم ذلك الوقت، والسبب أن الفنون في صميم المنهج المدرسي المقـرر عليها.

وأستاذنا زكي طليمات عندما بدأ مرحلة التأسيس أنشأ المسرح المدرسي ومن بعده المسرح الجامعي لهذا السبب، ولا بد أن نضع المسرح على خطة تعليم الطفل لأنه هو الذي سيشكل جمهور المستقبل.

 أما السبب الثاني فهو أن الأنظمة العربية بصراحة شديدة منذ الإمبراطورية العثمانية وحتى الآن، أخذت موقفًا خائفًا ومعارضًا من المسرح، لأنه كما قلت لك مؤسسة برلمانية حرة أو هو بعبارة أخرى «لسان طويل» على حد تعبير أستاذنا الدكتور علي الراعي، وهذان العنصران أديا إلى محدودية العلاقة المسرح والجمهور العربي.

ذكرت في حديث صحفي أنك تحلم بمسرح عربي خالص نابع من الكلمة والإرادة والأصالة العربية؟ هل يمكن تحقيق هذا المسرح دونما الوقوع في شـرك التقوقع والانغلاق على الذات، في عصر يشهد ثورة في الاتصالات بين عالمنا والعالم المتحضر العريق في فن المسرح؟

لأن المسـرح العربي الخالص، في النهاية، سيتأسس على معلوماتنا ودراساتنا ووعـينا بالمسرح، وهذا الوعي أوروبي أصلا، لكن هذا لا يمنع من أن نقوم بتطوير مؤسستنا المسرحية بحيث تكون الكلمة والتعبير والهوية، عربية نقية، لأنه على سبيل المثال هناك أوبرا كورية وصينية، ورغم أن الأوبرا أصلًا فن إيطالي وأوروبي، فـإن الأوبرا الكورية والصينية حقيقة تطرح الهوية الأصيلة للشعبين الكوري والصيني قضاياهما، رغم أنها تستعين بتكنيك أوبرا الإيطالية في الموسيقى والغناء، ورغم أن محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وطه حسين، ومعظم الرواد أخـذوا الحضارة أول ما أخذوها عن الغرب، هل في هذا ما يعيب طالما أن كلمة محمد عبده ورفاعة الطهطاوي والمازني وغيرهم من رواد التنوير، كانت كلمة عربية أصيلة؟ ليس هناك عيب بالمرة، ولا أرى ثمة تناقضًا، إنما هناك ما هو أكثر أصالة وما هو أقل أصالة.

للتلفزيون تأثير واضح في حياتنا الثقافية والفنية.. تأثير لم يعد من الممكن تجـاهـله.. كيف ترى تأثيره في الفنون؟

تأثیر مخرب وسلبي في الحقيقة، لأنه للأسف الشديد، وأرجـو أن يتغير هذا بسرعة، التلفزيون في كل الأرض العربية ينظر إليه كجهاز إعلام رسمي، وهذا يحدد وظيفته ويقلل جرعة الثقافة فيه، وعندما أجري مقارنة بين التلفزيون العربي وبين أجهزة التلفزيون في العالم المتحضر، أجد أننا متخلفين جدًا فـفي العالم المتحضر محطات أهلية برؤوس أموال خاصة يمكنك فيها أن تستمتع بكل ألوان الثقافة العالمية قديمها وحديثها، أما لدينا فهناك نصيب محدود للغاية للثقافة والفنون الرفيعة على خريطة برامج التلفزيون.

فرقة المسرح الحر كانت إحدى المراحل المهمة في مشوارك؟

كان المسرح الحر نتيجة لمأزق وقعنا فيه كمجموعة كبيرة من خريجي المعهد سنة ١٩٥٢، فـقـد وجـدنا الأبواب مغلقة في وجوهنا، وأنه لا مجال أمامنا لصناعة مسرح، ولم يكن أمامنا سوى أن نجتمع سوية ونشكل فرقة المسرح الحر، وتضع لها نظامًا وأهدافًا وخططًا علمية وكانت الخطة الأساسية هي أن نحاول أن ننقل المسرح المصري من مرحلة الترفيه والإمتاع إلى مرحلة المسرح الاجتماعي، ونجح المسرح الحر في ذلك من خلال تعاونه مع مجموعة الكتاب المصريين على رأسهم نعمان عاشور في تقديم مسرح اجتماعي يغوص في القضايا الاجتماعية المطروحة، وعندما انحرف المسرح الحر عن أداء رسالته سقط وأجهض وانتهى الغريب أن هذا يشبه ما حدث للمسرح الحر في باريس.

ولكن هل صبغة الفرقة الحرة يمكن أن تكرر أو تكون بديلًا لمسرح الدولة المكمل بالروتين والتعقيدات الإدارية، والمسرح الخاص التجاري؟

لقد دعوت طلابنا الشبان إلى محاولة بناء مـسـرح حر حديث نابع من جيلهم وأفكارهـم وأحلامهم، على أنقاض المسرح الحر القديم، إنما يبدو أن التفكك الاجتماعي نتيجة طغيان الأهداف المادية الاقتصادية، يقف حائلًا دون تحقيق هذا حتى الآن على الأقل.

باعتبارك مؤسساً لمسرح الجيب ورئيسًا للدورة الأولى لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كيف ترى الدور الذي لعبه التجريب في المسرح العربي؟

دور محدود جدا، لأنني حاولت والزملاء عند تأسيس مـسـرح الجيب أن نضع خطة علمية لتأسيس معامل تجريب، قائمة على أساس علمي للمستقبل، وقطعنا شوطًا قصيرًا لكن التجربة أجهضت، وذلك بإنشاء مسـرح الطليعة بديلًا عن مسرح الجيب، ومسرح الطليعة هجر كل الخطط العلمية، والأهداف التجريبية المعملية التي وضعناها وتحول إلى الإطار الجماهيري وهناك جهود أخرى تبذل في قاعات المسرح القومي ومسـرح الشباب وبعض المراكز الثقافية الأجنبية، لكن هذه الجهود فردية ولا توصل إلى تيار عام يؤدي إلى تغير في المستقبل نحن بحاجة إلى تأسيس مرحلة معملية جديدة تقوم على أساس خطة علمية تقنية تضع في اعتبارها المستقبل بحيث نتمكن من تضييق الـهـوة بيننا وبين فنون المسـرح في العالم.

هل يمكن للمهرجان التجريبي أن يلعب هذا الدور؟

المهرجان يساعدنا لأنه يطلعنا على أحدث التـجـارب العالمية، لكنه لا يكفي، لأنه من الضروري لنا أن نفهم كيف صنعت هذه الأعـمال الحديثة والابتكارات والكشـوف العظيمة في تلك العروض المقبلة من العالـم من الضروري أن نعرف المقومات المعملية والجـهـود والدعم الذي أدى إلى إنتاجها، ولا نكتفي بمجرد مشاهدتها.

 وأخيرًا .. ماذا تعني جائزة الدولة التقديرية بالنسبة لسعد أردش؟

تعني الكثير والكثير جدًا، تعني أن هذا الجهد وهذا العرق سـواء في التربية والتنشئة أو في الإبداع أو في التأسيس لم تكن هـبـاء، وأن الـشارع المصري والشارع العربي يقدران هذا، وهـذا تـقـديـر أسعد به سعادة غامرة.

Egypt Air