الأربعاء 15 مايو 2024

مصر والنظام العالمي الجديد

مقالات19-6-2022 | 18:10

إن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل من قمة منتدى الاقتصاديات الكبرى حول الطاقة وتغير المناخ، تحت رعاية الرئيس الأمريكي جو بايدن، والدورة الخامسة والعشرين لمنتدى سان بطرسبرج الاقتصادي الدولي، تحت رعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إشارة لا تخطئها عين تتابع عن كثب تشكل النظام العالمي الجديد، إثر التحول الجيوسياسي الذي تسببت فيه العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا والتي تحولت بمرور الوقت إلى مخاض لميلاد نظام متعدد الأقطاب ينهي عقودًا من أحادية القطب وهيمنة الغرب على القرار العالمي.

فنحن اليوم أمام معسكرين أحدهما يوالي التوجه الروسي ويؤيده، وآخر ما زال متمسكًا بأهداب النظام الدولي الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية، والذي هتكت الولايات المتحدة أستاره وكشفت زيفه حين تحركت ضد روسيا بشكل منفرد بفرض عقوبات، بعيدًا عن مؤسسات ما تسمى بالشرعية الدولية، لتنهي معقولية الاحتكام إليها أو التعاطي مع الأحداث من خلالها.

وكثيرون كانوا ينظرون إلى مصر وموقفها من ذلك التغير فمنى البعض أنفسهم باستحالة أن تبتعد مصر عن المعسكر الغربي، ومال البعض إلى الدعاية إلى ضرورة الاصطفاف مع الهدف الروسي، وهو إنهاء سطوة الغرب على القرار الدولي والنظر بعين مصالحه فقط، وظل المراقبون ينتظرون أي ملامح تشير إلى ميل مصر إلى أحد المعسكرين.

إلا أن حكمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدت واضحة من خلال تلك المشاركتين الأخيرتين اللتين أظهرتا أن مصر لم تعد راغبة أن تكون محسوبة على ذلك المعسكر أو ذاك، وأن عهدًا جديدًا دشنته ثورة 30 يونيو عنوانه الرئيسي أن المصلحة المصرية هي المعسكر الجديد الذي تنتمي إليه مصر، وأنها تنتهج سياسة الأبواب المفتوحة مع الجميع تحت سقف واحد، وهو احترام الآخر، وأين تقبع المصلحة المصرية في التعامل مع هذا المعسكر أو ذاك فمنذ ثورة الثلاثين من يونيو ومصر تنوع علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية حتى ترسخ بمزيد من قوة الدفع استقلال قرارها الوطني واعتماده أجندة وطنية تقوم على الندية وهي تتحرك مع الأطراف الدولية، ومن هنا لم تترد مصر في إدانة العملية العسكرية في أوكرانيا ليس من باب رغبة في عداء مع روسيا، ولكن لإعلان تمسكها بأنها ضد أي تحرك خارج عن الشرعية الدولية التي ارتضيناها جميعًا لتكون مرجعية في التعامل، وإلا فلنعلن غلق الأمم المتحدة ولنعتمد أسلوب فرض الرأي بالقوة وهكذا كان الموقف العربي أيضًا حين واجه الضغوط الأمريكية، لزيادة إنتاج النفط بما يخفف من ويلات التضخم الذي يكتوي به الأمريكيون ويكاد يطيح بحزب بايدن في انتخابات التجديد النصفي المقبلة، لكن أوبك بلس تمسكت بمصالح دولها وأن يكون سعر النفط عادلًا حفاظًا على مقدرات شعوبها، وهكذا حكمت المصلحة القرار دون اعتبار لتصادم مع الإدارة الأمريكية أو غيرها.

إذن نحن في عالم جديد من الصعب أن يتأقلم معها ما يمكن أن نسميهم فلول النظام العالمي أحادي القطب فلا شيء مجانًا في عالمنا اليوم، ومن هنا تجاءت الهرولة الأوروبية إلى مصر طلبًا للغاز ونحت جانبًا موجة استهداف تُبنى دائمًا على تقارير مغلوطة عن الأوضاع في مصر، وهكذا أيضًا تهرول الإدارة الأمريكية إلى قادة الخليج للتغلب على مشكلاتها، لكن في معادلة جديدة نحت الإملاءات والابتزاز السياسي واعتمدت على مراعاة مصالح الحلفاء ومعالجة هواجسهم تجاه إيران وأتباعهم الحوثيون الذين تغض أمريكا الطرف عن عبثهم وإرهابهم.

أما دراويش تنظيم الإخوان ومن لف لفهم من تيارات أخرى أيتام بايدن الذين عولوا عليه كثيرًا وقت أن وصل إلى سدة الحكم على اعتبار أنه انعكاس ظل لإدارة أوباما كلينتون المجرمة التي أطلقت داعش وما يسمى بالربيع العربي وأيدته، هؤلاء الأيتام ينتظرون وهمًا لن يتحقق فإن أوهامهم بأن بايدن سيمارس سحره ليصفر عدادات ما بعد 30 يونيو ليعيد إليهم الحياة مرة أخرى، وهم كعادتهم لا يبصرون أبعد من موطئ قدمهم ومازالوا ينتظرون فشلًا يصيب بوتين في حراكه الكبير ليبقى نظام القطب الأوحد فيزداد بايدن حليفهم قوة، أو على الأقل يبقى الوضع على ما هو عليه في انتظار لجولة مقبلة من الصراع، وبالمناسبة هذا الفهم هو فهم كل الإخوان، وعلى سبيل المثال تونس فما زال اتباع الغنوشي وحزب النهضة الساقط يتهأهبون لفرصة للانقضاض على حركة الشعب التونسي ضدهم في محاولة أيضًا لتجاوز الزمن وإلغاء إرادة التونسيين.

إن العالم الجديد والذي تلعب لإخفائه آلة إعلامية غربية جبارة تحاول اختصار المخاض الذي يكابده العالم اليوم واختزاله على أنه مجرد تداعيات لوحشية بوتين الذي يحمله الغرب كل نقيصة وينسبون إليه كل عوار تحت وقع آلامهم النفسية وهم يرون سلطانهم يتآكل ويتلاشى رويدًا رويدًا دون أي جدوى، لجهود جبارة لوقف نزيف الإمبراطورية الغربية التي تغرب شمسها في مقابل سطوع شمس محور الصين وروسيا والهند، وهو سطوع لم تعد قوة على الأرض قادرة على إيقاف زحفه.

إن الرسائل التي تبعث بها الإدارة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تؤكد أن مصر تدرك واقعها جيدًا وسئمت أن تكون محسوبة على معسكر غربي أو آخر شرقي، فهذه سنوات ولت، وأن الاستمرار في امتلاك أسباب القوة هو السبيل الوحيد لامتلاك دور فاعل في النظام العالمي المقبل.

 

Dr.Radwa
Egypt Air