الخميس 25 ابريل 2024

ترنيمة الحب القاتل

مقالات23-6-2022 | 01:18

"مذاق الحب من طرف واحد مذاق عجيب، حلو، مرّ، مدمّر، منعش، كل المتناقضات في شعور واحد، لا تستطيع أن تبقى ولا تستطيع أن ترحل، لا تستطيع أن تنسى ولا تريد أن تتذكر، لا تريد أن تفرض نفسك وتعجز عن إنكار ما في نفسك"، هكذا وصف الشاعر غازي القصيبي، طبيعة الحب من طرف واحد، وهو صورة واحدة لكل المتناقضات، لكنه أبدًا لم يكن في يوم من الأيام قاتل سفاك للدم. 

لقد وضعت جريمة قتل فتاة جامعة المنصورة المغدورة المجتمع أمام أسئلة عديدة ومعقدة، من بينها ماذا حدث في مجتمعنا من تغير؟، من أين لنا بتلك القسوة والغدر في سلوك شبابنا؟، هل فقدنا النخوة؟!

دائمًا ما تنحت أيام الدراسة في الجامعة ذكريات كثيرة بعقولنا، بينها قصص الحب والصداقة والزمالة بعضها استمر واكتمل وكثيرًا منها انتهى عند أسوار الجامعة دون ملاحقات، أما ما حدث أمس، كارثة اجتماعية لا يجب أن تمر مرور الكرام، باعتبارها قضية رأي عام، نتيجة قسوة مشهد الغدر وغضب الرأي العام، نحن في حاجة لدراسة أكاديمية توضح ماذا يجري لمجتمعنا؟   

أن تفاصيل ترنيمة الحب القاتل، كلها كانت تؤشر لعمل مجنون قادم، كيف كان ذلك الفتي يمكنه تهديد الفتاة والمحيطين بها من أهل وأصدقاء، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحرير محاضر شرطية ضده وهو حر غير مكترث بكل ما يجري حوله؟! 

كيف كان من أوائل الدفعة، بينما هو فاقد لأبجديات التفكير المنطقي، خاضع لسلوك مجرم أثيم!

ألم نفكر ولو قليل أن السوشيال ميديا وتطبيقاتها وطبيعة الدراما صنعت صور اجتماعية جديدة، أصبحت تسهم بشكل كبير في صناعة العقل الجمعي للمجتمع، يمكنها أن تؤثر في شاب متفوق لديه أسرة في حاجة ماسة لإنهاء دراسته والوقوف إلى جوارها، كان ذلك هو المعتاد والطبيعي في مجتمعنا، أما بطل ترنيمة الحب القاتل هنا هو شخصية أنانية لم يفكر سوى في نفسه فقط، أما الفتاة المغدورة إما أن تكون له أو لن تكون لآخر، هكذا كان قراره غير مكترث بأحلامها وإرادتها وموقف أسرتها. 

لقد صدمني ما وصل إليه مجتمعنا من تفاقم لحالات العنف خاصة عندما يتعلق الأمر بالفتيات، فضلًا عن سفك الدماء والغدر بالآخرين في واضح النهار وعلى قارعة الطريق، لم أعد احتمل من يبرر جرائم القتل بالوقوع تحت تأثير المخدر، وفي تصوري أن المشرع (البرلمان) مدعو لتعديل التشريعات التي تضع في الاعتبار عند محاكمة مرتكبي الجرائم أنهم تحت تأثير تناول المخدرات، كونهم حصلوا عليها وتناولوها بإرادة حرة وهم يعلمون نتيجة تعاطيهم لها. 

من أكثر ما آلمني خلال متابعة قضية نيرة أشرف، فتاة جامعة المنصورة المغدورة، هو فيديو لأحد الشيوخ متحدثًا فيه عن قضية الحجاب رابطًا إياه بما حدث بشكل غير مباشر، عفوًا سيدي لقد كان حديثك في غير محله وسياقه، لقد تعلمنا أن للعمامة هيبة ولإطلالتها جلالة لما تحمل من علم، بينما ما حدث كان محض طرح فيديو لباحث عن "الترند" وليس لشيخ وعالم جليل لم يراعي آلم الأم الثاكلة والأب المكلوم. 

عفوًا سيدي لقد كان صمتك فضيلة، لقد أهلت التراب على عمامة يجب أن تظل ناصعة البياض، لا أحب المصادرة على الرأي، أو صمت من أخالفه الرأي، لكني أنقل هنا رأي العديد ممن شاهدك، دعك يا سيدي من هوس القضايا الجدلية والبحث عن المتابعين، عليك أن تدرك أن المجتمع أمام مشهد استثنائي أصبحنا نخشى فيه من جرائم قتل في واضح النهار وعنف مبالغ فيه. 

علموا أبناءكم قيمنا التي تربينا عليها، علموا أبناءكم أن ما يشاهدونه على منصات التواصل الاجتماعي هو عالم افتراضي غريب على مجتمعنا ونسقنا القيمي. 

علينا إدراك وجود مساحة في حياة شبابنا يغيب عنها الدور التربوي للمدرسة والجامعة، كما أصبح هناك بدائل أكثر تأثيرًا في العقل الجمعي للمجتمع، وهو خطر لو تعلمون عظيم، يؤثر في غايات وأحلام شبابنا وفي بعض الأحيان ومع حالات الإحباط وعدم القدرة على التحقق، سوف تتكرر ترنيمة الحب القاتل دون سابق إنذار. 

تذكروا دائمًا عبارة إليف شافاك في رواية قواعد العشق الأربعون: "الشيطان ليس قوة خارقة تهاجمك من الخارج، بل هو صوت عادي ينبعث من داخلك!".

Dr.Randa
Dr.Radwa