الثلاثاء 14 مايو 2024

أول مصريّة تحصد جائزة دولية عن البحث الموسيقي .. د.ياسمين فرّاج : أتنفس الفن .. ما دمتُ حيّة

21-7-2017 | 15:08

محمد السيد

رغم مركزيّة دور الموسيقى فى حياة الناس والأمم، إلا أننا في مصر بتنا نعاني تصحّراً في شئونها. نعاني فقراً في عدد الباحثين المتخصصين فى هذا المجال. الصورة ليست قاتمة جدًا، لأن هناك عددا من هؤلاء الذين وهبوا حياتهم وجهدهم للنقد الموسيقى والبحث فى عالم الموسيقى والغناء ومن بين هؤلاء الدكتورة ياسمين فراج الناقدة الموسيقية والباحثة المتخصصة فى مجال الموسيقى والغناء العربى. 

درست ياسمين الموسيقى دراسة علمية متخصصة  ومارست النقد الفنى فى هذا المجال ،وأصبحت واحدة من أهم نقاد الموسيقى في مصر والوطن العربي،صدر لها ثلاثة كتب وعشرات الدراسات العلمية المنشورة في الدوريات العلمية المُحكمة في مصر والوطن العربي، هذا بخلاف أكثر من مائتي مقال في كبريات الجرائد والمجلات مثل جريدة الأهرام ، القاهرة ، مجلة الهلال ، جريدة الفنون الكويتية وغيرهما ، مثلت مصر في العديد من المؤتمرات العلمية في مصر والوطن العربي وبعض الدول الأوروبية. التقينا  د. ياسمين فراج الأستاذ بأكاديمية الفنون والحائزة على الجائزة الشرفية في مسابقة الجائزة الدولية للعلوم الموسيقية التي تحمل اسم الباحث الموسيقي التونسي "محمود قطاط" ضمن فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان أيام قرطاج الموسيقية الأخير. إلى سطور المقابلة.

- كيف تقدمت لهذه المسابقة ، وماهو الكتاب الذي نلت عنه هذه الجائزة؟

قرأت عن هذه المسابقة في موقع إحدى الصحف اليومية، ثم تواصلت مع موقع المهرجان ورئيسه وأرسلت آخر كتبي وهو "المناهج النقدية في الموسيقى العربية " إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016 وفوجئت برسالة على الإيميل بأنني مرشحة لنيل جائزة في هذه المسابقة وتم دعوتي لحضور حفل توزيع الجوائز في تونس الشقيقة في زيارة سريعة لها ، وشرفت بأنني حصلت على إحدى الجائزتين الشرفيتين مع مجموعة من زملائي في مجال البحث العلمي الموسيقي حيث فاز بالجائزة الأولى التونسي د. محمد المصمودي عن كتابه "أنثروبولوجيا الإيقاع في المجال الواحي" ، وفاز بالجائزة الثانية الأمريكي جوناثان جلاسر عن كتابه "الجنة المفقودة الموسيقى الأندلسية في شمال إفريقيا المدني" الصادر عن منشورات جامعة شيكاجو ، وفاز بالجائزتين الشرفيتين عبد الله مختار السباعي من ليبيا عن ترجمته لكتاب "حقائق تاريخية عن التأثير الموسيقي العربي" لمؤلفه البريطاني هنري جورج فارمر ، وأنا.

- ماهو موضوع كتابك الذي حصل على الجائزة الشرفية في مسابقة الجائزة الدولية لعلوم الموسيقى؟

هو كتاب تضمن ثلاث دراسات بينية وتحديدا في مجال السوسيوميوزيك وهي الموضوعات التي تجمع بين علم الاجتماع وعلوم الموسيقى مستخدمة في ذلك المنهج البنيوي بإجراءات جديدة تماما تتناسب مع طبيعة الموسيقى العربية ووضعتها في منهج بعنوان "منهج الألفية لنقد الموسيقى الغنائية" والموسيقى الغنائية هنا هي التي تتضمن نصاً شعرياً ، وقد سبق وتم إشهار هذا المنهج بالإدارة المركزية للشئون الأدبية والمسابقات إدارة حقوق المؤلف بالمجلس الأعلى للثقافة عام 2011 كما هو موثق له في هذا الكتاب. الثلاث دراسات التي يتضمنها الكتاب تم تحكيمها جميعاً وكانت عناوينها : الأول بعنوان " البنية الموسيقية للدور الغنائي وعلاقتها بالبنية الثقافية في مصر إبان القرن ال 19" ، والثاني بعنوان "سيميولوجيا الأغنيات الدعائية لمرشحي رئاسة الجمهورية" ، والثالث بعنوان " أثر الموسيقى الأوروبية على الأغنية المصرية المعاصرة في الألفية الثالثة" ، وكل له نتائجه الخاصة به التي أعتبرها غير مسبوقة في هذا المجال.  

- هل توقعت فوزك بهذه الجائزة ، ومن هم أعضاء لجنة التحكيم؟

على الإطلاق خاصة وأن عدد المتقدمين في هذه المسابقة كان كما كبيرا من دول عربية وغربية متعددة لأنها جائزة دولية وأعلن عنها في مجمع الموسيقى العربية واليونسكو وكليات ومعاهد الموسيقى في مصر والوطن العربي ، كما أن خبراتي في التقدم للجوائز في مصر ومعلوماتي عنها محبطة لأن أغلبها يخضع للمجاملات والعلاقات العامة والقليل منها يُمنح للكفاءات ذرا للرماد في العيون.

أعضاء لجنة التحكيم هم شخصيات إقليمية ودولية في مجال علوم الموسيقى المختلفة وهم: د. سمير بشة من تونس ، د.أمين بايهم من لبنان ، دوايت راينولدز من الولايات المتحدة الأمريكية ، وأحمد الله على هذه الجائزة لأنها اعتراف دولي بأهمية الجهد الذي أقوم به في مجال البحث العلمي ومن ناحية أخرى اعتراف دولي بأن هناك باحثين مصريين في مجال علوم الموسيقى التي تنتمي لفرع العلوم الإنسانية الذي يهتم بها العالم بشكل كبير خاصة في النصف قرن الأخير ، ولكن للأسف لا أحد يهتم بالباحثين في مصر وخاصة في مجال العلوم الإنسانية ، ولأن العمل في مجال البحث العلمي غير مربح على الإطلاق فإن تقديم الجوائز للباحثين في جميع التخصصات يحفزهم معنوياً على الاستمرار في هذا المجال.

- مالذي يميز أبحاثك عن أبحاث الآخرين في مجال علوم الموسيقى والذي جعلك تحصلين على جائزة دولية تضع اسمك ضمن قائمة الباحثين الدوليين ؟

أعتقد أن أهم مايميز أبحاثي العلمية هي كونها دراسات بينية ، أي تجمع بين علوم الموسيقى والمسرح أو الموسيقى وعلم الاجتماع ، أو الموسيقى والسياسة ، ولعل آخر كتابين شاهدين على ذلك وهما "الغناء والسياسة في تاريخ مصر " والذي أحدث ضجة كبيرة عند نزوله الأسواق منذ ثلاث سنوات ، وكذلك كتابي الثالث "المناهج النقدية في الموسيقى العربية" الذي نلت عنه الجائزة. هذا بخلاف استخدامي لمناهج النقد المتنوعة في هذه الأبحاث مثل البنيوية ، ونظرية النقد الثقافي ، والنقد القصدي ، وغيرها ، فعلى سبيل المثال لم يلتفت أحد لمصطلح الماكارونيك الذي استخدمته في تطبيقات موسيقية في دراستي "الموسيقى الماكارونية دراسة في النقد الثقافي" ، فأنا أحاول دائما البحث عن كل ماهو جديد لعمل أبحاث خارج الصندوق ويمكن للمجتمعات خاصة المصري الاستفادة منها في حال تطبيقها ، فالهدف من الأبحاث والدراسات في العالم هو خدمة المجتمع أولاً وفي المرحلة الثانية الترقي أو الحصول على الدرجات العلمية.

-  وهل هذا مايحدث في مصر؟

للأسف لا ، ومصر ليست الوحيدة في هذا الشأن ولكن أغلب الدول العربية تقدم فيها الدراسات العلمية في مجالات الفنون وقد يكون غيرها من مجالات العلوم الإنسانية لحصول الأشخاص على درجات علمية وألقاب فقط ، فالغالبية أصبحت مهمومة بلقب دكتور من دون أن يكون مهتما بالإنتاج العلمي، وهذا لا ينفي أن هذا لا يحدث في الدول المتقدمة. في أي بقعة أخرى من الأرض ولكن النِسب هي التي تختلف بالتأكيد. 

- لماذا لا ينجح الناقد الدارس المتمكن في مادته شعبياً ، على عكس الناقد محدود القدرات أو الصحفي المتذوق للفنون مثلاً ، هل لأن لغتهم متحذلقة أو متعالية على القارئ العادي؟

أولا: عدد النقاد المتمكنين من تخصصاتهم والذي يطلق عليهم كبار النقاد في العالم قليل جدا وهنا أيضاً ، وفي مجال الموسيقى الناقد الموسيقي له تخصص دقيق بمعنى أن يكون متخصصا في نقد الموسيقى الكلاسيكية أو الغنائية أو الشعبية أو الروك أو أي نوع آخر ويكون له مساحة محددة في جريدة بعينها يكتب فيها على أن توفر له جريدته ثمن تذاكر الحفلات التي يحضرها ليكتب عنها ، وهو مايختلف تماما عن مايحدث في مصر، فالناقد هنا يمكن أن يكون ملما بجميع أنواع الموسيقى وأنا واحدة من هؤلاء ، وليس كل من يطلق على نفسه ناقد بناقد لأن الألقاب توزع على الأشخاص بالمحبة وليس بقدر الجهد أو العلم الذي يحصله الفرد .

 ثانياً: الجرائد والمجلات وحتى الإعلام المرئي والمسموع في مصر يفضلون العمل الصحفي على العمل النقدي بحجة أن لغة النقاد الأكفاء تتضمن مصطلحات تخصصية مما يصرف القارئ عنهم وهذا ما أجده مجافياً للواقع تماما والدليل على ذلك أن باب "نغم في حياتنا" الذي كان ينشر في  مجلة الهلال على مدار خمس سنوات بشكل ثابت ، قدمت خلاله تحليلا مبسطا لمجموعة من أشهر الأغنيات المصرية والعربية لاقى نجاحا كبيرا وكانت المجلة تتلقى العديد من الرسائل من الدول العربية للتواصل معي وطلب تحليل أغنيات بعينها لمعرفة مقاماتها وإيقاعاتها ، وبالمثل أذكر النجاح الكبير لبرنامج غواص في بحر النغم للموسيقار المصري الكبير عمار الشريعي بالرغم من أنه كان يتحدث بلغة علمية جادة، ومن قبلهما برنامج السندباد الإذاعي أيضا الذي كان يقدمه د. حسين فوزي ويقدم من خلاله مجموعة من الموسيقات الأوركسترالية شارحا لكل تفصيلة فيها بالمصطلحات العلمية لها، وهذا يدل على استهانة المتحكمين في الحركة الإعلامية بقدرات القارئ أو المشاهد أو المستمع غير المتخصص ، ولذلك في الكثير من الجرائد والمجلات التي يكتب فيها الناقد يطلب منه عدم الخوض في المصطلحات التخصصية ويضطر الناقد أحيانا للقبول بهذه الشروط للوجود ولكن يقع الوزر على المشرفين على الصفحات ورؤساء التحرير في الجرائد والبرامج ، وللأسف أن هذه السياسات الإعلامية لا تؤدي إلا إلى مزيد من تدهور الذوق العام والجهل الفني للمجتمع. 

ثالثا: الناقد المتمكن بالضرورة يكون أجره كبيراً وهو مايدفع المسؤولين عن وسائل الإعلام إلى الاستغناء عنهم لتقليص النفقات والاستعانة بغيرهم من غير المتخصصين ليقدموا آراءً انطباعية ليست مستندة على عِلم بل يمكن أن يكون تقييم العمل الموسيقي مبنياً على علاقات شخصية وهو مايضلل الرأي العام ويفسد حاسة التذوق عند أفراد المجتمع. 

ماذا قدمت د.ياسمين فراج للحركة النقدية الموسيقية في مصر والوطن العربي؟

بخلاف ماذكرته سابقا من خصوصية موضوعات الأبحاث التي أقوم بها ، ومجموعة الكتب التي قدمتها ، أجد أن لي دوراً أساسياً في تعريف الجمهور المصري والعربي بموسيقى تترات المسلسلات والموسيقى التصويرية بشكل عام ، فقد كنت الأولى التي ألقت الضوء على تترات المسلسلات منذ العام 2003 من خلال جريدة القاهرة التابعة لوزارة الثقافة المصرية ليس بشكل صحفي ولكن بالرصد والتحليل والنقد وهو ما أصبح يتابعه الجمهور في مصر والوطن العربي بشغف من خلال مقالاتي أو لقاءاتي التليفزيونية والإذاعية. وبالتأكيد الأمر لا يتوقف عند هذا الحد لأنني مازلت على قيد الحياة والعمل بالنسبة لي عبادة وما دمت أتنفس سوف أستمر في العمل بإذن الله ، وأنتظر كتابي الجديد بإذن الله عن الأغنية الشعبية في مصر فهو أيضاً سيكون مفاجأة.

عرفناك ممثلة مسرح قبل أن تتأكد خطواتك في المجال الأكاديمي وتصبحين واحدة من أهم نقاد الموسيقى والباحثين في مجال علوم الموسيقى ،ترى أيهما أقرب إلى قلبك عالم التمثيل والغناء المليء بالأضواء والشهرة والأموال أم العمل الأكاديمي والبحث ؟

الإجابة واضحة ، استقراري في المجال الأكاديمي والبحث العلمي تكمن فيه إجابتي بالرغم من أن العمل الأكاديمي والبحثي غير مربح وغير مقدر في بلادنا. والإنسان ماهو إلا مجموعة من الخبرات التي تتراص بجانب بعضها البعض لتكوِّن شخصية الفرد، وياسمين الممثلة أضافت لياسمين الأكاديمية الباحثة ، لأنني مارست الفن قبل أن أُنَظِر له وأحلله وأنقده وإذا كانت هناك حكمة شائعة تقول إن الممارس أقوى من الدارس فإننى بحمد الله وتوفيقه جمعت بين الاثنين.

    Dr.Radwa
    Egypt Air