الخميس 25 ابريل 2024

اللغة اللاتينية.. هل هي لغة مُندثرة؟

مقالات21-7-2022 | 14:03

انتهينا في مقالنا السابق الذي حمل عنوان "سينيكا والمسائل الطبيعية.. قراءة في كتاب "مسائل طبيعية لسينيكا"، عن أهمية الأصل اللغوي للمؤلفات والمصادر العلمية لما تحمله من دلالات واهمية باللغة. وكان مقصدنا في هذا ان نُسلط الضوء في هذا المقال عن اللغة اللاتينية على وجه الخصوص. 
سنبدأ من حيث ما أنتهى إليه الدكتور طه حسين – عميد الآدب العربي – قائلاً: "إن مصر الحديثة، التي تريد أن تتبوأ بين دول العالم مكانة علمية عالية، لن تفلح في اتقان بعض فروع الثقافة إلا إذا عُنيت بالدراسات اليونانية واللاتينية؛ فالأديب والفيلسوف والمؤرخ لابد لهم من أن يعرفوا هذه الثقافة وأن يقرؤوها في الأصول لأن القشور التي يكتفون بقراءتها في الكتب الحديثة لا تفي بالغرض المقصود". لذلك علينا الآن أن نُبين نبذة موجزة وكافية لأهمية اللغة اللاتينية، وهل هي حقاً كما يدعى البعض انها لغة ميتة لا تمت بالواقع بصلة؟ ومُرادهم في ذلك انها ليست كاللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغة المتداولة تحدثاً وكتابةً. وستكون كلمتنا هذه ليست كلمات مُرسله، بل إنها ستكون مدعومة بالمراجع اللازمة التي خطها أساتذة افاضل من اهل اللغات، لتكون خير معين لنا للوقوف على فهم سليم وصحيح لا يشوبه أي خلل أو خطأ معرفي وفكري. 
كانت اللغة اللاتينية في الأصل هي لهجة روما الوحيدة ولم تنتشر فيما وراء الشاطئ الشمالي لنهر التيبر، واسم روما طبقاً للأبحاث اللغوية الحديثة لم يصل إلى نتائج قاطعة، إذا إنه ليس فقط غير لاتيني. (حاتم ربيع، قواعد اللغة اللاتينية، ص3). وقد اشتق اسم اللغة اللاتينية من لاتيوم "Latium" ذلك السهل الذي تقع روما على حدوده الشمالية. (ساطع الحصري، اللغة العربية واللغة اللاتينية: مقارنة تاريخية، ص4). وكانت هذه اللغة في الأصل تمثل إحداي اللهجات المحلية الإيطالية المنتمية إلى أسرة اللغات الهند الأوربية. (حاتم ربيع، مرجع سابق، ص3). 
ولقد ازدهرت اللغة اللاتينية مع اتساع الإمبراطورية الرومانية، حتى سادت القارة الأوروبية. (ساطع الحصري، مرجع سابق، ص4). وعبر العصور الوسطى ظلت هذه اللغة كلغة دولية يستخدمها المثقفون في كل دول أوربا الغربية وخصوصاً في مجالات القانون واللاهوت والفلسفة الرياضية والطب وغيرها من العلوم. (على عبد التواب على، قواعد اللغة اللاتينية، ص 5). واستمرت اللغة اللاتينية إلى الآن كلغة رسمية للكنسية الكاثوليكية. (حاتم ربيع، مرجع سابق، ص3).
ولقد مرت اللغة اللاتينية أثناء تطورها بعدة مراحل وتتمثل أولى هذه المراحل في بعض النقوش القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرنيين السادس والسابع ق.م. (على عبد التواب على، قواعد اللغة اللاتينية، ص5). أما الأدب اللاتيني، وهو من أهم نتاج لهذه اللغة، فلم يبدأ تاريخه إلا في منتصف القرن الثالث ق.م ويمكن تقسيم الأدب اللاتيني إلى العصور الأتية: (عصر ما قبل الأدب اللاتيني حوالي 700ق.م -240ق.م)، (عصر النشأة 240ق.م -82ق.م)، (العصر الذهبى81ق.م -14م)، (العصر الفضي 14 – 180م)، (عصر التدهور180- 600م). (المرجع السابق، الموضع نفسه). وظهرت اللاتينية وأخطلت من لغات أخرى وبدأ نوع من التنازع والتفاعل والاختلاف بين الدول بسبب اللغة. (هشام إسماعيل عدرة، اللغة العربية واللاتينية الكلاسيكية، مجلة فكر، العدد21، مركز العبيكان للأبحاث والنشر، السعودية، 2018م، ص3). وتوصلوا أن يوحدوا لغات في لغة واحدة على أسس اللغة اللاتينية لغة الرقي العلمي ولجمع شتات شعب وتوحيد لسان أمة. (المرجع السابق، الموضع نفسه). نظراً لخصوبة هذه اللغة وما تمثله كركن من أركان الثقافة الغربية، مازالت حية كمصادر مؤلفيها في شتى ألوان المعرفة. لذلك يتحتم علينا دراسة وبيان بعض مفردات وقواعد اللغة اللاتينية ونبدأ بأسماء النوع الأول.
تكمن أهمية اللغة اللاتينية في عدة نقاط: كانت مصدراً اشتقت منه لغات ولهجات أوربية عدة منها: الإسبانية والرومانية، الفرنسية، البرتغالية، الإيطالية أضف إلى ذلك اللغة الإنجليزية التي اشتقت منها كلمات كثيرة وبهذه اللغات تم نقل أغلب التأثير اللاتيني إلى أوروبا الحديثة والمعاصرة وكذلك إلى أمريكا الجنوبية والشمالية، بل وإلى العالم كله. وأيضاً تكمن أهمية اللغة اللاتينية عندما أنتشر بين أوساط الشباب كتابة الحروف العربية باللغة اللاتينية. (حنين بنت عبد الله الشنقيطي، كتابة العربية بحروف لاتينية: بحث في الأسباب والأثار والحلول، مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، العدد3 -4، السعودية، 2014م، ص9). 
نجد أيضاً أنها أداة مهمة من أدوات البحث العلمي، لكثير من الباحثين في مجال اقسام الدراسات اللاتينية واليونانية والدراسات الفلسفية، يستطيعون بها الكشف عما تركه المفكرين السابقين من تراثهم والإتيان بأفكار مبتكرة في تخصصهم الدقيق من خلال كشف النقاب عن المصادر الأصلية المكتوبة بلغة اللاتينية وترجمتها إلى العربية وبهذا يمثل تعلم اللغة اللاتينية تقدم كبير في مجال العلم والمعرفة.
كما تمثل اللغة اللاتينية في نظر العوام من الناس، وأيضاً بعض الدارسين والباحثين أنها لغة ميتة، وحُجتهم في ذلك أنه لا يوجد شعب من شعوب العالم يتحدثها. إلا انني لا أتفق مع الرأي السابق ذكره، إن اللغة اللاتينية لغة حية وفى غاية الأهمية لكل فرع من فروع المعرفة، فنجد الكثير مم كتب قبل القرن الأول الميلادي وخلال القرون الثالثة الميلادي الأولى كُتب باللغة اللاتينية وأخص بالذكر العصر الهللينستي وما قدمه لنا الفيلسوف لوكيوس أنايوس سينيكا (Lucius annaeus Seneca) (4ق.م – 65م) من أعمال مدونة باللغة اللاتينية. فترك لنا أعمالاً نثرية ومسرحية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: 
1- عن العناية الإلهية (De Providentia).
2- عن الإحسان (De Clementia).
3- الطرواديات (Troudes).
4- هيركوليس مجنوناً (Hercules Furens).
4- ميديا (Medea).
وهنا يأتي الهدف من تعلم هذه اللغة، لكي نترجم وننبش في هذا التراث الخصب والضخم الذي تركه لنا الفيلسوف سينيكا وغيره من المفكرين هذا العصر – العصر الهللينستي – وغيره من العصور في جميع فروع المعرفة.
واخيراً، ادعو مؤسسات وهيئات التعليم العالي بالاهتمام بهذه اللغات القديمة، عن طريق تدرسها للطلاب – على ان يكون القائم بالعملية التعليمة متمكن من اللغة التي يقوم بتدريسها ولديه الفنون والأداء التعليمي اللازم لأصال المعلومات للطلاب – وإعطاء فكرة واضحة عن أهمية وتاريخ هذه اللغات لما تحمله لنا من نهضة فكرية وثقافية قادرة على التطوير في كافة الجوانب العلمية. 

 

Dr.Randa
Dr.Radwa