انتقدت العديد من الأحزاب والهيئات والحركات التونسية بشدة البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن المسار السياسي في تونس، كما أدانت بشدة أيضا التصريحات التي أدلى بها السفير المعين بتونس أمام الكونجرس الأمريكي، خلال تقديمه لبرنامج عمله.
وأكدت العديد من القوى السياسة في تونس أن التصريحات الواردة بالبيان الأمريكي تعد تدخلًا سافرًا في الشأن الداخلي التونسي، حيث أكد مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس أن ما ورد في البيان الأمريكي يعد انتهاكا لأحكام المادة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، واعتبره حزب البعث العربي الاشتراكي التونسي بأنه تنمر على البلاد، فيما رأت حركة "تونس إلى الأمام" أنه تعامل مع الشعب التونسي من منطق الوصاية.
فتحت عنوان "تونس دولة ذات سيادة لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية"، أصدر حزب البعث العربي الاشتراكي التونسي بيانا ذكر فيه "تابعنا مثل كل التونسيين تصريحات بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وزير الخارجية وخاصة المسؤول المرشح لشغل منصب سفير لبلادها بتونس، ونسجل عنجهية هؤلاء المسؤولون وتنمرهم على بلادنا".
وأكد الحزب استقلالية القرار الوطني لتونس، كما كرسه الدستور الجديد، وأن دعمه لمسار 25 يوليو إنما كان لعدة اعتبارات أهمها الحس الوطني، مطالبًا السلطات التونسية بعدم الموافقة على تعيين الأمريكي جوي هود كسفير جديد لبلاده واعتباره شخصا غير مرحب به.
من جهته، أكد مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس أن بيان وزارة الخارجية الأمريكية وتصريحات السفير الأمريكي بتونس تمثل تدخلًا سافرًا وفجًا في الشأن الوطني الداخلي التونسي وتعديًا على السيادة الوطنية، يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية وينتهك أحكام المادة 3 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي تنظم مهام البعثات الدبلوماسية والمادة 41 التي تحجر على الممثل الدبلوماسي التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
واستهجن المجلس، في بيان له الإشارات المبطنة للجيش الوطني التونسي، محذرًا من أي تدخل في تكوين عقيدته أو تحديد أدواره ومهامه باعتباره درع البلاد وسندها والحامي لوحدتها وسلامتها من أي اعتداء على مصالحها أو تدخل أجنبي في قرارها.
وأكد رفضه أسلوب التهديد المبطن والمساومة الذي يقرن مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لتونس في تخطي الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بشرط اندماجها في مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والالتزام بالأولويات الأمنية الأمريكية، مؤكدا دعمه لحق الشعب العربي في فلسطين في تقرير مصيره وتحرير بلاده، مشددا على أن الشعب التونسي له من الموارد والطاقات والقدرات الكفيلة بضمان استقلالية قراره وسيادته على موارده متى توفرت العزيمة الوطنية الحرة والإرادة الصادقة.
وأعرب مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بتونس، في ختام بيانه، عن إدانته الشديدة للتدخل الأمريكي في الشأن الوطني التونسي القائم على منهج المساومة واستغلال الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد لفرض خيارات معينة تخدم مصالحه، مجددا تأكيده دعم إجراءات 25 يوليو 2021 الرامية لتصحيح مسار الثورة التونسية بما يتناسب وتطلعات الشعب التونسي في تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية واستقلالية القرار الوطني.
فيما أكد مجلس أمانة حركة "تونس إلى الأمام"، في بيان، أن تقرير الخارجية الأمريكية تدخّل سافر في الشأن الدّاخلي وفيه احتقار لإرادة من اختار من الشعب التونسي في التّصويت بـ"نعم" في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، مدينا بشدة التدخّلات السّافرة للخارجية الأمريكية، والتّعامل مع الشعب التونسي بمنطق الوصاية.
واعتبر المجلس أنّ حملات التّشكيك والتّخوين التي ما انفكّت تروّج لها أطراف داخلية ولجوءها المتكرّر للقوى الأجنبية والاستقواء بها كانت من الأسباب الرئيسية التي شرّعت التّطاول على استقلالية قرارنا وسيادة خياراتنا.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتدّعي الدّفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي التي قادت وتقود كل السياسات التي دمّرت الشّعوب في العراق وفلسطين وأفغانستان وسوريا وهي التي دعّمت قوى الإرهاب في محاولة لبسط نفوذها على خيرات الشّعوب والأمم المضطهدة ومقدّراتها.
وأكد مجلس حركة "تونس إلى الأمام"، في ختام بيانه، انخراط مناضلات ومناضلي الحركـة، مع الشعب التونسي وقواه الوطنية، في الدّفاع عن تونس المستقلة، تونس السّيادة الوطنية وتونس العدالة الاجتماعية.
وتحت عنوان " دفاعا عن السيادة الوطنية، لا للتدخلات الأجنبية" جدد حزب العمال التونسي التأكيد على مناهضته لكافة أشكال التدخل الإمبريالي والخارجي في تونس، العلني منه والسري.
وقال الحزب في بيان له، إن الحزب إذ يذكّر بأنّ الإمبريالية عموما والأمريكية تحديدا التي ما فتئت تزرع الخراب والدمار أينما حلّت والتي مثّلت سندا لكل الأنظمة الدكتاتورية في تاريخ بلادنا وحتى لحكم حركة النهضة وحلفائها خلال عشرية الفشل والفساد، ليست مؤهلة لتقديم دروس الديموقراطية وحقوق الإنسان لأيّ كان.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، قد أكد خلال لقائه أمس مع وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، على استقلال القرار الوطني ورفضه لأي شكل من أشكال التدخل في الشأن الوطني، مشددًا على أنه لا صوت يعلو في تونس فوق صوت الشعب.
وقال سعيد "إن الدولة التونسية تتساوى في السيادة مع كل الدول كما تنص على ذلك مبادئ القانون الدولي، وإن السيادة داخل الدولة هي للشعب التونسي الذي قدّم آلاف الشهداء من أجل الاستقلال والكرامة الوطنية".
وأضاف أن "تونس دولة حرّة مستقلّة ذات سيادة، وسيادتنا واستقلالنا فوق كل اعتبار"، مشيرًا إلى أن من بين المبادئ التي يقوم عليها القانون الدّولي مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.