نبدأ مقالنا بكلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح الجلسة رفيعة المستوى لحوار "بيترسبرج" للمناخ، قائلاً: "سارعت مصر منذ وقت مبكر باتخاذ خطوات فعالة في سبيل التحول إلى نموذج تنموي مستدام يتسق مع جهود الحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ، ليس فقط إيماناً منها بحق أبنائها وأجيالها القادمة في مستقبل أفضل، وإنما أيضاً لوعيها بما يمثله التحول الأخضر من فرصة واعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية في العديد من القطاعات الحيوية، وفي قطاع النقل، تنفذ مصر خططاً واسعة النطاق لزيادة الاعتماد على وسائل النقل النظيفة من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات وتوطين صناعة السيارات الكهربائية، وبالتوازي مع ذلك، عززت مصر من خطواتها الرامية إلى التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بما في ذلك من خلال مشروعات ترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وآليات الإنذار المبكر وغيرها".
من خلال هذه الكلمات يتضح لنا مدى رؤية بلادنا للوضع البيئي الراهن، ومدى انعكاس هذا الوضع في المستقبل على كافة الأصعدة.
والسؤال الآن، ما هي الجهود المبذولة في تحسين الوضع البيئي، سواء على المستوى المحلي المصري أو العالمي؟
ولكننا قبل الإجابة عن السؤال السابق، سنستعرض معاً الجهود العالمية التي يبذُلها العالم لمحاولة ‘صلاح الوضع البيئي الآن، وبدأت هذه الجهود بمؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغيير المناخ، وهو قمة سنوية تحضرها 197 دولة من أجل مناقشة تغير المناخ، وما الذي تفعله هذه البلدان، والعالم أجمع، من أجل مواجهة هذه المشكلة ومعالجتها. وفي تجمع باريس - مؤتمر الأطراف المشاركة في الاتفاقية الإطارية 21 - تم تحديد الأهداف الرئيسية للجميع تفادياً لكارثة تغير المناخ، وتعهد جميع الموقعين بما يلي: تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة، زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى "أقل بكثير" من 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) مع وضع هدف إيصالها إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت)، الالتزام بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع تأثير تغير المناخ.
وبعد ذلك، تم الاتفاق على إجراء مراجعة للتقدم المحرز كل خمس سنوات. وكانت المراجعة الأولى لمؤتمر الأطراف مقررة في عام 2020، ولكن بسبب تفشي فيروس كورونا، أُجلت إلى عام 2021. إلا أن هذا المؤتمر لم يحدث من سنة أو اثنين أو ثلاثة، ولكنه حدث من حوالي 10 سنوات، كان أولى جلسات مؤتمر المناخ في عام 2010، أي كما ذكرنا آنفاً منذُ حوالي 10 سنوات، والسؤال الآن، ما هي جدوى هذه المؤتمرات المُنعقدة على مر 10 سنوات؟ أو التساؤل بمعنى أدق، هل أحدثت توصيات هذه المؤتمرات تغيراً ملموساً في قضيته المنشودة أم لا؟
الإجابة عن السؤال السابق تشمل جانبين، الجانب الأول، هو الجهود التي بذلتها الدول للحد من التلوث البيئي الناجم من الاستخدامات المختلفة على المستويين المدني أو العسكري.
أما الجانب الثاني، وهو الأهم شكلاً موضوعاً، وهو اتفاق الدول مع بعضها البعض في وضع الحلول مع الالتزام بالسير على هذا الاتفاق دون أي تباطء أو تكاسل، أي الوصول إلى معاهدة تدخل في إطار المعاهدات العسكرية تلتزم بها دول العام للحد من تفاقم الوضع السيء للبيئة.
أما عن الجانب الأول وهو الجانب الأهم لدينا هنا، وسنُفصل حديثنا هنا عن الجهود التي قامت بها بلادنا، في اتخاذ خطوات فعالة في سبيل الحد من التلوث البيئي الناجم. وتنقسم هذه الجهود إلى الطاقة الكهرومائية، والخلايا الشمسية، وطاقة الرياح، ومشروع الوقود الحيوي.
وأسهمت هذه الجهود إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهواء، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، اتجهت الدولة إلى استخدام وسائل نقل ذات الطاقة النظيفة لتُساهم في تحسن المناج والحد من ارتفاع درجات الحرارة الملموسة في هذه الأيام.
وكانت أولى هذه الجهود على مستوى وسائل النقل، المشروع الوطني المصري لإنتاج السيارات الكهربائية والذي أُذيع عنه عبر القنوات الفضائية ومواقع التواصل المختلفة في شهر يونيو الماضي سنة 2021م، وتزامناً مع هذا المشروع العظيم، أطلقت وزارة الشباب والرياضة مبادرة "دراجتك صحتك" في شهر أغسطس الماضي لنفس العام.
وتشمل مبادرة الشباب والرياضة تصنيع دراجات بسعر مدعم من قبل الدولة، إلا أن الأمر تطور بشكل ملحوظ وانقسمت هذه المبادرة إلى ثلاثة مراحل لكي تغطي العدد الكبير المُتفاعل والمستفيد من هذه المبادرة.
أضف إلى ذلك عزيزي القارئ إلى أن هذه المبادرة شهدت تطوراً ملحوظاً لتشمل مبادرة أوسع وهي إطلاق أول مشروع لتأجير الدراجات بشوارع القاهرة تحت رعاية اللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، مشروع (كايرو بايك) هو نتاج شراكة بين محافظة القاهرة وشركاء التنمية منذ بداية مراحل التخطيط وبدعم برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية UNHABITAT وتمويل من مؤسسة دروسوس السويسرية drosos ودعم فني وإشراف من قبل معهد سياسة النقل والتنمية ITDP.
وقد انتهت محافظة القاهرة في مايو الماضي من التصميم النهائي لمحطات انتظار الدراجات وتطبيق الموبايل (الأبليكيشن) الخاص بها حيث تعتمد فكرة منظومة مشاركة الدراجات على وجود شبكة كبيرة من النقاط التي تتوافر بها دراجات للاستخدام العام تدار بتطبيق على الموبايل وبأسعار منخفضة تبدأ من جنيه للساعة الواحدة أو من خلال كارت شحن مسبق الدفع وهو ما سيتم تنفيذه بمناطق وسط البلد وجاردن سيتي والزمالك كبداية بأسطول من 500 دراجة يتم تتبعها بالـ GPS موزعين على 45 محطة في أماكن استراتيجية تتكامل مع محطات المترو وخطوط النقل العام، كما سيتم دراسة نشره في أماكن أخرى.
والمُدقق لهذا المشروع يجد انه مشروع لموجهة التلوث البيئي الناجم عن عوادم السيارات، والسمنة، وتحسين صحة المصريين.
كما أنها تجربة رائعة لمواجهة الاحتباس الحراري المتزايد. أضف إلى ذلك أنها وسيلة انتقال زهيدة الثمن، ويختلف أسعار دراجات (كايرو بايك) واستئجار الدراجات بحسب الوقت، وتتراوح ما بين الأسعار التالية: الساعة: جنيه واحد، اليوم: 12 ساعة بسعر 8 جنيهات، في الشهر: 42 جنيه، في السنة: 500 جنيه. وفيما يتعلق بـأماكن المحطات، نجد أنها موزعة في جميع أنحاء القاهرة وضواحيها.
أرى في تقديري، أن مشروع (كايرو بايك) جاء في وقت مناسب تزامناً مع مؤتمر المناخ الذي سيُعقد للمرة الأولى بشمال أفريقيا منذ 10 أعوام في مدينة شرم الشيخ من 6 إلى 18 نوفمبر 2022م، ويضم 197 حكومة من دول العالم، ويُعقد أكثر من 2000 اجتماع، وتدور محاور المؤتمر على: الوفاء بالتعهدات الدولية في قضايا المناخ، مواجهة التغير المناخي، مساعدة الحكومات في مواجهة تغير المناخ، تقليل انبعاثات الكربون لتكون مجتمعات حيادية.
وأخيراً، أهي بداية النهاية؟ أن نطاق التدمير هائل، وقد شمل العالم كله، وتحضرني في هذا المجال نصيحة ألبرت انشتين الحكيمة، حيث كان يحب تكرار "انه ينقص البشرية المعاصرة العدد الكافي من المقاعد، فنحن نطير ونسرع ونتأخر دوماً في بلوغ مكان ما، ولا بأس علينا في التوقف أحياناً، والجلوس، والتطلع حولنا بانتباه، وتأمل".
ولكن هل هناك أداة تستطيع أن تمنحنا فرصة للتطلع والتأمل، للوقوف على مشكلتنا ومواجهتها أم لا؟ وإن وجدت هذه الأداة، ما هي آلية العمل بها داخل المجتمع؟ لذا سيكون هذا هو موضوع مقالنا القادم.