بنظرات غلفها الشرود جلس الطفل الصغير يتابع المشاهد المتلاحقة التى تمر أمامه من النافذة الخلفية للسيارة.. فلم يكد ينفك من تجميع شتات بصره عن تطورات روسيا وأوكرانيا وما صاحبها من وقائع نقص فى الغذاء والطاقة.. وأنين المتضررين من تداعيات الأزمة الاقتصادية الذى ما زال يثقل أذنيه.. ليجذب انتباهه سيدة عجوز تلوح بيدها فى مشهد مسرحى وهى على سلم الطائرة وكأنها تعلن إشارة بداية حرب لا يعلم أحد مداها.. فيلتفت بنظره ليجد بوادر صراع تاريخى فى البلقان على وشك أن يتجدد.. ثم تشده الضوضاء الناجمة عن الاشتباكات المسلحة بين أذربيجان وأرمينيا.
يتنهد الطفل محاولًا التقاط أنفاسه التى أعياها تلاحق الأحداث وتزامنها.. فإذا به يستفيق على واقع يؤكد أنه بات أمام عالم أصبح على وشك الانفجار بعد أن فقد قوة المنطق وتحكم فيه الغرور وسيطرت عليه محاولات فرض النفوذ والهيمنة من جانب تيار يسعى لفرض رؤيته بمنطق القوة.. رافضا حلول التهدئة ونزع فتيل الأزمات.. بل يتمعن فى إشعالها دائمًا ظنًا منه أنه سيحكم العالم منفردًا.
يقرر الطفل الصغير العودة لمقعده شارد الذهن مجددًا.. متمسكًا بالصبر والأمل.. هاربًا إلى خياله عله يجد الملاذ لعالم أكثر هدوءًا.. محاولًا رسم سيناريوهات لاستشراف المستقبل الذى ينتظره وسط ما يموج به العالم من تغيرات جذرية.