الأحد 12 مايو 2024

مصر وفلسطين في رحلة العائلة المقدسة


أحمد عبد الفتاح

مقالات8-8-2022 | 20:15

أحمد عبد الفتاح

تعد رحلة العائلة المقدسة من أرض فلسطين إلى مصر من أحداث العالم العظمى، والتي غيرت تاريخ العالم، وأصبحت تتويجاً أبدياً لعلاقة فلسطين بمصر ذلك أن السيد المسيح لم يغادر فلسطين إلا طفلاً في حجر أمه البتول إلا لمصر ولم يذهب لأي من أقطار المعمورة قط كما أنه قد ولد في أرض فلسطين حيث ذكريات مملكة داوود الأرضية التي استغرقت لحظة من عمر التاريخ الطويل لفلسطين، ثم ذهب إلى أرض مصر وهي في ظل روما الثقيل، وذلك حيث ظهر ملاك الرب ليوسف في الحلم قائلاً خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك، وذلك هرباً من هيرودس ملك اليهودية الذي أراد قتل الطفل العجيب عندما علم من حكماء المجوس الذين أتوا من الشرق لتقديم هداياهم إليه أن ملكا عظيما قد ولد في أرضه ففسر الأمر بعقله السياسي أن هذا الملك سوف يسلبه ملكه الدنيوي، ولم يدرك أنه ملكا روحيا أتى ليطهر العالم من أدرانه التي لحقت به، وعندما سئلهم عن المزيد عن هذا الملك أخبروه أن النبؤات تذكر أن المسيح سوف يولد في بيت لحم وقد ذكر هذه النبؤات النبي أشعياء وقبل مولد المسيح بثمانية قرون، فقرر هيرودس أن يقوم بقتل كل الأطفال بيت لحم للحفاظ على ملكه وهنا ظهر الملاك ليوسف وطلب منه الهرب بالطفل وأمه إلى مصر.

 

ويثير أمر توجه المسيح طفلاً إلى مصر الرغبة في التأمل والتمعن في جوهر مصر ومغزى لجوء المسيح إليها من فسلطين طفلاً وعدم زيارة أي من أقطار العالم بعد ذلك قط بالرغم أن أقطار العالم التي لم يزرها قد شهدت انتشار المسيحية على نطاق واسع (أوروبا –

الأمريكيتين – أستراليا – آسيا – إفريقيا).

 

 وتتخلل هذه الزيارة تاريخياً عهد الإمبراطور أوغسطس (30 ق.م – 14 م) مؤسس الإمبراطورية الرومانية والإمبريالية العالمية، وقد كان مجيء العائلة المقدسة لمصر في هذا العصر تضميداً لجراح مصر الواقعة تحت احتلال روما الثقيل، وتحليقاً بمصر وأديمها الطيب من عالم الإمبراطورية الأرضي الحافل بالآثام والشرور، والتذكير بجوهرها الكوني الفريد حيث سبق تلك الزيارة المقدسة في (العهد القديم) أن تكلم الرب سبحانه وتعالى على أرضها في سيناء، ومما يستغلق على الألباب أن تختص مصر من بين أقطار الدنيا بهذا الجود الإلهي الفياض.

 

وقد تنبأ فرچيل شاعر عصر أوغسطس في الأنشودة الرابعة من أناشيده بميلاد طفل سوف يكون إعلاناً عن قدوم عصر ذهبي سيعم الأرض، واعتقد كهنة الكنيسة في العصور الوسطى أن هذه الأنشودة هي نبؤة بمجيء السيد المسيح.

 

وقد كان لمسار العائلة المقدسة في مصر جغرافية خاصة، ربما كان القصد منها مباركة أماكن بعينها في مصر أو الإشارة إلى مغزى خاص بها ترك تفسيره للأجيال، حيث أنها قد زارت مدنا وبقاعا عريقة في مصر في كل من الدلتا وتخومها، ومصر العليا بعد اجتياز سيناء وهي أماكن وبقاع تحتاج للكاتب والناقد الإيطالي أمبرتو إيلو للكتابة عنها لتمرسه من بين نقاد العالم في الكتابة عن المناطق الأسطورية كمناطق الكتاب المقدس، وإلياذة هوميروس، وجزر سليمان ذلك أن العائلة المقدسة قد سارت من بيت لحم إلى غزة في فلسطين، ثم دخلت العريش وسارو من الفرما إلى تل بسطة الأثري، ثم إلى مسطرد، ثم اتجهت إلى سمنود (حيث معبد إيزيس الهائل من الجرانيت الوردي بأكمله، وحيث مقر حكم آخر الأسرات المصرية القديمة مسقط رأس المؤرخ المصري مانيتو الذي وضع مرجعاً تاريخياً لمصر يعد أساس دراسة تاريخ مصر القديم في جامعات العالم في عصرنا ثم توجهت إلى سخا بمحافظة كفر الشيخ ثم اتجهت إلى وادي النطرون الذي أصبح أحد أعظم معاقل الرهبنة المصرية بالوجه البحري بعد زمن العائلة المقدسة بقرون عدة. ثم اتجهت بعد ذلك إلى المطرية حيث مدينة أون القديمة (عين شمس) ومقر أقدم جامعات العالم والتي تعلم فيها موسى وأفلاطون، ثم اتجهوا إلى مصر القديمة والتي كانت تدعي بابليون، وحيث شيد بها حصن بابليون في عهد الإمبراطور الروماني تراجان (98 – 117 م) وهنا أقامت العائلة المقدسة في المغارة التي أقيمت أعلاها كنيسة تعرف بكنسية المغارة والشهيدين سرجيوس وواخس وحيث أقامت العائلة بها حوالي ثلاثة أشهر، وقد أصبحت هذه الكنيسة أول وأصغر كنيسة في العالم خارج فلسطين ثم عبرت العائلة النيل وذهبت إلى المعادي وحيث بوركت مياه النيل بعبور العائلة المقدسة إلى المعادي، ومن الغريب أنه بعد قرون طوال أنه في عام 1976، عثر على الكتاب المقدس طافياً على مياه النيل أمام كنيسة المعادي وكان الكتاب مفتوحاً على آية "مبارك شعبي مصر" وبعد أن أقامت العائلة بمنطقة المعادي ثلاثة أيام توجهوا إلى الصعيد وزارو بعض البلاد ومن بينها قرية دير الجرنوس في مغاغة، ثم البهنسا عاصمة الثقافة والفكر خلال العصرين البطلمي والروماني بمصر، ثم جبل الطير الذي تذكر المصادر أنه توجد آثار يد السيد المسيح على حجر كاد يسقط من الجبل على العائلة فرفع السيد المسيح يده الصغيرة، ودعم الحجر فثبت الحجر في مكانه وطبعت آثار يده الطاهرة على الحجر وظل حتى اليوم، وفي هذا المكان أقيم بعد زمن دير جبل الطير وكنيسة العذراء، ثم توجهت العائلة بعد ذلك إلى جبل قسقام بأسيوط وهنا أقامت العائلة لمدى طويل من الزمن نسبياً في رحلتها حيث مكثت حوالي ستة شهور إلى أن ظهر ملاك الرب ليوسف وطلب منه أن يعود بالعائلة لفلسطين وقد استغرقت رحلة العائلة المقدسة في مصر طبقاً للمصادر الكنسية ثلاثة أعوام و 10 أيام زارت خلالها وباركت 25 مدينة وبقعه من مدن وبقاع مصر.

 

وحقيقة فإن كل من المدن والبقاع التي زارتها العائلة المقدسة بمصر تحتاج لدراسات وتحليلات علمية وأثرية مطولة وعميقة وذلك بالرجوع إلى كل من طبيعة تفردها وخصائصها الطبيعية والتراثية، والديموجرافية، وملابسات ذلك على ضوء ما تطورت إليه الأمور في تلك الأماكن بعد عصر العائلة المقدسة بقرون، وذلك لمحاولة الوقوف على حكمة مرور العائلة المقدسة بها والأثر الميتافيزيقي الذي لحق بها عقب تلك الزيارة ودلالته ومغزاه، وذلك لتحقيق الاستفادة الروحية والقومية من ذلك.

 

وبعد هذه الزيارة المباركة ببضع عقود ظهر القديس مرقس آتيا من ليبيا ليبشر بالمسيحية على أرض مصر وليسقط شهيداً على أرضها بعد أداء رسالته، ولتصبح مصر قاعدة انتشار المسيحية في العالم في وجه الوثنية العتيدة.

 

 ونعرض لأمثلة من ذلك في كل من الوجه البحري والقبلي ضمن الوجه البحري حيث نجد أن سمنود كانت موطناً للأسرة الثلاثون آخر أسرات عصر السيادة القومية وقد حكمت هذه الأسرة حوالي 37 عاماً (380 – 343 ق.م) وهم كل من الملوك نخطانبو الأول (380 – 362 ق.م) وتاخوس (362 – 360 ق.م) ونخطانبو الثاني (360 – 343 ق.م) وبالرغم من النزاعات الداخلية، فقد استطاع هؤلاء الملوك أن يقيموا أعظم منشآت في عواصمها الكبرى من أسوار وصروح، وطرق للكباش ونواويس وأعمدة ضخمة ذات كتلة واحدة، مما أدى إلى إحياء الفن الصاوي القديم والثقافة الوطنية، كذلك قاموا بالعناية بمعابد الآلهة، ومقابر الحيوانات المقدسة، كما أنهم قد واجهوا طوفان الغزو الفارسي وجاهدوا ما أمكنهم لحماية مصر من هذا الطوفان.

 

وقد وصلت العائلة المقدسة إلى سمنود واستقبلهم شعبها بحفاوة بالغة، وباركهم السيد المسيح ويوجد بكنيسة سمنود ماجور كبير من حجر الجرانيت يتردد أن السيدة العذراء قد عجنت به أثناء زيارتها للمكان كما أنه يوجد بها بئر شرب للماء باركه السيد المسيح وقد زارت العائلة المقدسة منطقة وادي النطرون وهي أقصى نقطة وصلت إليها في مسارها للغرب بالوجه البحري، ولم تكن بها بالطبع الأديرة الموجودة الآن والتي شيدت في المكان بعد قرون من زيارة العائلة لوادي النطرون وهي كل من أديرة السيريان، وبشوي، والبراموس، وأبو مقار.

 

 وتتميز منطقة وادي النطرون بعزلتها وببحيراتها السحرية، وبتراثها الطبيعي من ملح النطرون الذي استخدمه الفراعنة في معجزة التحنيط وحفظ أجساد ملايين المصريين لآلاف السنين، وقد أطلق العرب على وادي النطرون ونيتريا اسم "برية الأسقيط" و "برية شيهات" أي ميزان القلوب، و(وادي الرهبان) و (وادي حبيب).

 

وقد ذكر المقريزي (1441م) في الجزء الأول من خططه طبعة بولاق عن هذا الوادي التالي 

 

وادي هبيب بالجانب الغربي من أرض مصر فيما بين مريوط والفيوم، ثم يذكر أنه كثير الفوائد فيه النطرون ويتحصل منه مال كثير وفيه الملح الأندراني والملح السلطاني وهو على هيئة ألواح الرخام وفيه الوكت والكحل الأسود ومعمل الزجاج وفيه الماسكة وهو طين أصفر في داخل حجر أسود يحك في الماء ويشرب لوجع المعدة وفيه البردي لعمل الحصر وفيه عين الغراب وهو ماء في هيئة البركة وطولها نحو خمسة عشر ذراعاً في عرض خمسة أذرع في مغار بالجبل لا يعلم من أين يأتي ولا إلى أين يذهب وهو حلو رائق.

 

 وبعد قرون من زيارة العائلة للوادي أقيمت الأديرة بالمكان وقد أثبتت الأحداث المسيحية بالمكان بعض من مغزى زيارة العائلة المقدسة فلقد أصبح المكان هو أول مكان للرهبنة في الوجه البحري وأن الرهبان قد لجأوا إليه لمقاومة مكان بيزنطة الذين انحرفوا في تفسير العقيدة وأذاقوا مسيحيي مصر الأمرين لثباتهم على عقيدتهم.

 

ومن بين هذه الأديرة دير السريان، ويذكر المؤرخ أبو المكارم أنه قد أقام به رهبان سريان (سوريون) وأن ذلك قد لاقى رضى الرهبان الأقباط وقد عمل الرهبان السريان في كنيسة الدير واستخدموا لغتهم الخاصة حيث يوجد بهذه الكنيسة العديد من الكتابات السيريانية.

 

وتذكر المؤرخة الأثرية إيڤلين هوايت أن أعمال البناء الأولى للدير ترجع للقرن التاسع الميلادي ويرجع تاريخ أبراج الحصن إلى الفترة ما بين 840 – 850م، وأن مبنى الكنيسة يرجع للقرن السادس الميلادي وأنه قد أعيد بناؤها في القرن السابع تحت رعاية الأنبا بنيامين، وقد أعيد ترميمه مرة أخرى حوالي عام 850م.

 

ويوجد بالكنيسة ثلاثة هياكل ذات سواتر من خشب الجوز النادر الفاخر المشغول والمطعم بالعاج.

 

وتصف الأثرية إيڤلين هوانيت هذه السواتر بأنها أجمل ما شاهدته من أعمال فنية بوادي النطرون وتوجد أماكن المرتلين إمام المذبح ويعلوها من الجانبين قبتان ونصف قباب وعلى غرار الكنائس القديمة وكذلك يوجد بها ثلاثة أبواب من خشب الأرز (Ceder) المشغول [ وقد استخدم الفراعنة هذا الخشب في بناء مراكب الشمس وبداخل هرم سنفرو (2613 – 2589 ق.م) والد خوفو بدهشور] ويعد الأسلوب المعماري في هذه الأماكن بالكنيسة فريداً من نوعه بأديرة وادي النطرون وتتميز الكنيسة الأثرية بثرائها الفني الديني حيث صور على طبقة الحصى مناظر حياة السيدة العذراء وهي "البشارة"، "ميلاد السيد المسيح"، "الصلب"، "الصعود" وتحيط بهذه المناظر كتابات سيريانية، وقد زخرفت الجدران بزخارف بالنقش الغائر Bas Relief يحيط بها إفريز طويل. 

 

وبعض أعمدة الكنيسة ذات تيجان نخيلية (استلهام عمارة أعمدة معابدة الأسرة الخامسة بأبو صير) والأخرى مزينة بالزهور.

 

وقد زين كل من جانبي محراب الصلاة Niche بوحدات نباتية تشبه تلك المشيدة من الجص بجامع أحمد بن طولون بالقاهرة والتي ترجع لعام 879م وبذا تتأخر عن عناصر كنيسة دير السريان، ومن المعروف أن الذي شيد مسجد ابن طولون هو المهندس القبطي سعيد.

وبرج حصن الدير هو أعلى أبراج أديرة وادي النطرون فهو مكون من أربع طوابق بينما تتكون أبراج الأديرة الأخرى من ثلاثة طوابق.

 

وقد حاز دير السوريان شهرة خاصة تجذب إليه العديد من الزوار والحجاج على مر العصور، حيث أنه يذكر الناس بالأحداث التاريخية الدينية الكبرى وشخوص الإيمان المسيحي.

 

  وتوجد بالدير قلاية الأنبا بيشوي المعتزل عن الناس للصلاة ويتردد أنه قد سمع بها صوت الرب، كما توجد بجوار هذه القلاية شجرة القديس إفرايم السورياني، وركن الشهداء التسع والأربعون. 

 

كذلك يوجد بالدير مكتبة تحوي مخطوطات مهمة، وذلك بالإضافة إلى المطبخ وقاعة المائدة الجماعية، والتافوس (جبانة رهبان الدير). 

 

عين شمس وهي إحدى المدن العريقة التي زارتها العائلة المقدسة، وقد عرفت في القدم بلفظ إيونو الهيروغليفي والذي يعني المرصد أو المرقب وكانت مقر جامعة عريقة تعلم فيها الأنبياء والفلاسفة، غير أنها قد تعرضت للتخريب، وقد كانت تعج في زمن الفراعنة بالأبنية

العظيمة والمسلات الشاهقة والتي نزع اثنان منها لتزيين معبد القيصريون بالإسكندرية وهما يرجعان لعصر الدولة الحديثة، وبقي في الموقع الآن مسلة واحدة فقط أقامها سنوسرت الأول (1965 – 1920 ق.م).

 

وقد زارها الجغرافي ابن الوردي في كتابه (خريدة العجائب وفريدة الغرائب) ووصفها بعد كل هذا التخريب قائلاً "عين شمس وهي شرق القاهرة، وكانت في القديم دار مملكة لهذا الإقليم وبها من الأعمال والأعلام الهائلة والآثار العظيمة وبها البستان الذي لا ينبت شيئاً من الأرض إلا وهو فيه بستان طوله ميل في ميل والسر في بئره الآن لأن السيد المسيح عليه السلام اغتسل فيه".

 

وبالإضافة إلى هذا البئر المبارك توجد بمنطقة المطرية شجرة مريم وقد ورد في دليل بيديكر أنها شجرة جميز تم غرسها في عام 1672 في موضع شجرة أقدم وطبقاً للاعتقاد فإن السيدة مريم قد استظلت في هذا المكان بشجرة هي وابنها الطفل السيد المسيح ويتم ري البستان الموجود به الشجرة من نبع ماء أوجده السيد المسيح في الحديقة وهو ذو مذاق طازج عذب ويختلف عن ينابيع المياه الأخرى في المنطقة والتي يشوب مذاقها ملوحة خفيفة. 

 

وفي مركز سمالوط يوجد دير جبل الطير الشائق والذي توجد به كنيسة العذراء الأثرية وبمساحة 450 متر مربع وهي منحوتة داخل الجبل وقد أنشأتها الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين الكبير عام 328، في موضع المغارة التي أقامت بها السيدة العذراء والسيد المسيح والتي ترجع للقرن الأول الميلادي وحيث أقامت بها العائلة المقدسة مدة ثلاثة أيام، وبالرغم من ضآلة مساحة المغارة ( ثلاثة أمتار مربعة ) إلا أنها قد رحبت بالعائلة المقدسة، وتزخر الكنيسة بالأيقونات الأثرية التي تصور الحواريون ورموزا دينية، ويوجد بصحن الكنيسة "لقان" يرجع للقرن السادس عشر الميلادي وهو عبارة عن حوض حجري كان يستخدم لأداء طقس غسل الأقدام قبل القداس لغرس سمة التواضع في النفوس طاعه لتعليم السيد المسيح "من أراد أن يصير عظيماً فليكن خادماً للكل"، ويعلو هذا الصحن قبة يتخلل رقبتها نوافذ ملونة لإضاءة المكان وتزويده بالهواء وهي تعبر عن العمارة القبطية القومية التي تحقق الملائمة بين مناخ والتعبير بخطوط تحقق الجمال وتبعث الراحة والهدوء في أعماق النفس ويطل الدير على حقول المنيا الخضراء ونهر النيل الذي ينساب في حياة وكبرياء ويتردد أن تسمية هذا الجبل بجبل الطير إلى مرور أسراب طيور تدعى البوقيرس المهاجرة بالجبل.

 

وتعد أسيوط آخر ما انتهت إليه رحلة العائلة المقدسة بأرض مصر جنوباً، وحيث يوجد دير العذراء أو الدير المحرق بجبل درنكة حيث أقامت العائلة المقدسة بمغارة بأعماق الجبل لزمن طويل وهي أطول إقامة قضتها في رحلتها الطويلة من بيت لحم في فلسطين وحتى هذا المكان جبل أسيوط وتوجد به كنيسة يوجد بها بئر كانت تشرب منه العائلة المقدسة، وكذا الهيكل الذي يضم مذبحا حجرياً باركه السيد المسيح بيده اليمنى ويقع الدير على ارتفاع 100متر من مستوى الحقول الخضراء في السفح وتعد هذه الكنيسة أول كنيسة بعناصرها في مصر حيث يرجع كل من الهيكل والمذبح للقرن الأول الميلادي، ويعد الدير المحرق ذا مكانه خاصة بمصر بين كل الأديرة لطول إقامة العائلة المقدسة حيث ظهر ملاك الرب ليوسف النجار في الحلم ثانية قائلا له "قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل" (إنجيل متى 2: 20).

 

وتزخر أسيوط بالإضافة لمكانتها في استضافة العائلة المقدسة بالعديد من الكنائس والأديرة مثل كنيسة العذراء، ودير الأمير تادرس، ودير العذراء وكنيسة الملاك ميخائيل، وكنائس منفباد وكنيسة القديس أثناسيوس.

 

ولعل من مغزى هذه الرحلة العجائبية للأجيال القادمة هو علاقة خاصة لفلسطين بمصر وهو تطلع فلسطين الدائم وما يتهددها من أخطار منذ القدم إلى مصر لحمايتها مما يتهددها من أخطار من جانب، ومسئولية مصر تجاه فلسطين وشعبها في كل العصور وهو ما أثبته وقائع التاريخ المعاصر منذ نكبة 48 والتي ولأول مرة في التاريخ يُقتلع جانب من شعب لإقامة كيان مصطنع في موطنه حيث حلت الولايات المتحدة محل الإمبراطورية الرومانية وحلت الصهيونية العالمية محل هيرودس والذي انتهى وساد المسيح ورسالته أركان المعمورة من أجل سلام الإنسان.

 

وتقوم مصر في العصر الحديث بدورها الخالد في حماية فلسطين بما بذلته من دماء أبنائها منذ 48-73 وما تتحلى به الآن حكمه بالغة في التمسك بثوابت فلسطين ومقدساتها المسيحية والإسلامية والعربية ولعلنا نجد في نظرية هالفورد ماكيندر في التأويل السياسي لتاريخ العالم، وخاصة ما يتصل بما يعرف بالمحور الجغرافي للتاريخThe Geographic Pivot of history  ما يفسر قدرة مصر في العمل على خلاص فلسطين حيث يؤكد ماكيندر أن الوضع الجيوبوليتيكي الأفضل للدولة هو أن نكون في وضع متوسط مركزي ومصر في الشرق الأدنى تنطبق عليها نظرية ماكيندر ولذا فإن أعداء مصر على دراية بهذه السمة الجيوسياسية لمصر والتي تجعل موقعها مستهدفا على الدوام (باعتباره في رأيي الشخصي مصدر قوة صلبة وصمود أبدي).

 

ولعل في رحلة العائلة المقدسة لمصر إشارة خفية لمدى قوة مصر المركزية في العالم وبرسالتها التاريخية تجاه فلسطين. 

 

Dr.Radwa
Egypt Air