الأربعاء 26 يونيو 2024

تأميم..اعتقال ..اعتزال .. جرحي الثورة

28-7-2017 | 13:12

كتب : حاتم جمال

هتافات الصامتين.. آهات وأنين .. سجلوها علي جدران المعتقلات والسجون أو كتبوها في الصدور 65 عاماً بعد أن ضاع كل ما يملكون.. هذا أدق وصف يمكن أن نعبر به عن حال بعض نجوم الفن والإبداع الذين انكووا بنار ثورة 23 يوليو.. وتغير مسار حياتهم..

هم يرون في الثورة، التي غيرت وحررت المنطقة وامتد تأثيرها إلي العالم كله، أنها جارت عليهم ونقلتهم من العز للذل.. في السطور التالية نستعرض المسكوت عنه من أحد الجوانب المظلمة من الثورة لدي فئة محدودة.. البداية كانت من قرارات التأميم في 1961.

يعد النجم الراحل محمد فوزي أحد أبرز المتضررين من قرارات التأميم التي أعقبت الثورة وكانت سبباً في مرضه النادر، فقد ظلم بتأميم شركته لإنتاج الأسطوانات «مصر فون» عام 1961 بعد أن جعل إنتاجها المتفرد ينافس الشركات الأجنبية فلم يكن التأميم وحده سبباً في مرضه ووفاته بل تحويله لموظف بالشركة أيضا ومتابعته حركة التأميم التي أفلتت منها شركات تربطها علاقة صداقة مع الضباط الأحرار مثل شركة «صوت الفن» لعبد الحليم حافظ وعبدالوهاب مما جعله يشعر بالخزى للكيل بأكثر من مكيال.

تفاصيل الواقعة كتبها المصور الصحفي الشهير فاروق إبراهيم في مذكراته حيث كتب «فوزي ذهب لشركته ففوجئ بجلوس رجل كفيف في مكتبه وتخصيص مكتب صغير له كان في السابق غرفة للساعي الذي يخدمه.. رفض فوزي الجلوس في المكتب وعاد إلي بيته ليفاجأ بآلام شديدة في بطنه استمرت تأتيه من حين لآخر ليذهب في رحلة مع مرض استعصي علي الأطباء تشخيصه فسافر للعلاج في بريطانيا وألمانيا وأعلن المستشفي الألماني اصابته بمرض نادر لم يصب به في العالم إلا خمسة أشخاص وعرف وقتها بمرض «فوزي» لندرته.. واكتشف بعد ذلك أنه تليف في الغشاء البريتوني الداخلي للبطن» ليتوفي عن عمر 48 عاماً بعد خمس سنوات من قرار التأميم.

ما كتبه فاروق إبراهيم يتوافق مع ما ذكره عدد من المؤرخين للفن عندما قالوا إن فوزي رضخ لقرارات التأميم وعين في شركته مقابل راتب مائة جنيه شهرياً الأمر الذي أصابه بالاكتئاب ودخل علي أثره رحلة من المرض النادر.

مديحة يسري والعمل بالخليج

ما حدث مع الفنان محمد فوزي طال الفنانة مديحة يسري عندما صرحت في أكثر من حديث صحفي بعد سنوات من الثورة بأن ناصر قام بتأميم ممتلكات عائلتها وقالت: «عندما أمم عبدالناصر جميع أملاكنا وهي فيللا علي طريق المنصورية وأرض مساحتها شاسعة ومصنع الاسطوانات فغير حالنا إلي الأسوأ فرهنت مجوهراتي وقلبت مكتبي إلي سكن وتعاملت مع الأمر كأن شيئاً لم يحدث».

وأضافت: «بعدها بأشهر قليلة بدأت العمل فطلب مني أحد رجال الأعمال بالكويت أن أقدم برنامجاً خاصاً بالأطفال في الإذاعة الكويتية كل يوم لمدة نصف ساعة وقبلت، بعدها كررت الأمر في العديد من الدول الأخري وبدأت الدنيا تتحرك من جديد فمع احتياجي للمال في هذه الفترة إلا أنني لم أهن كرامتي».

حسين فهمي.. مولانا

عائلة آل فهمي كانت من أبرز المتضررين أيضاً بقرارات التأميم سواء كان حسين أو مصطفي إلا أن النجم حسين فهمي هو الذي تكلم أكثر من مرة في تأثير الثورة علي عائلته، وفي حكم مبارك طالب وزير الثقافة ساعتها فاروق حسني بأن يعيد إليه جزءاً من ممتلكات أسرته منها قصر المانسترلي..

حسين تحدث في أكثر من برنامج عن تأثير الثورة عليه ففي لقاء مع الإعلامي وائل الإبراشي علي قناة دريم «العاشرة مساء» قال «احنا كل حاجة اتطبقت علينا من حراسات وما أطلق عليه إصلاح كل حاجة، فقد جردنا من الثروة والأرض.. كلها أخذها، ووالدي ساعتها أخذ 60 جنيهاً في الشهر هو وزوجته وأولاده عشان الوطن أنا وطنى وعائلتى وطنية وكنت ساعة التأميم في أمريكا عشنا الحياة بكل ما فيها وأبي كان يستمتع بحياته ويمارس رياضة التنس في نادى الجزيرة وعندما كنت أسأله قال: خدوا كل حاجة إلا هذا، وأشار إلي عقله وكان درساً هاماً في حياتي وعندما رجعت لمصر بدأت العمل واهتممت بنفسي وبعائلتي.

وقال النجم حسين فهمي في برنامج هالة سرحان «كنا قريبين من القصر الملكي والملك أطلق علي «مولانا» كلما يراني يقول مولانا».

كنت أراه في المناسبات فخالتي كانت وصيفة الملكة وخالي رئيس الحرس الملكي وكنت أفضل أن تظل مصر ملكية فمصر كانت دولة عظيمة والجنيه كان له قيمة والاقتصاد قوي فقد صنع محمد علي دولة هي منتهي التطور.. وأري أن ثورة يوليو هو انقلاب عسكري ورحل الملك مع أنه كان يملك الحرس الملكي».

يوسف شعبان والزواج الملكي

لم يخف النجم يوسف شعبان رفضه لثورة يوليو وأكد في أكثر من حوار صحفي أنها قامت بتدمير الفن وتسببت في هجرة النجوم إلي الخارج وكانت سبباً في موت الصناعة بعد أن أممت شركات إنتاج وكانت غالبيتها مملوكة لأجانب سواء لبنانيين «أو يهود» هربوا جميعاً للخارج وتولي إدارتها مجموعة من «الصبيان» بل وأعلن هذا في برنامج «واحد من الناس» مع الإعلامي عمرو الليثي عام 2010 في الجزء الثاني من الحلقة عندما قال «عبدالناصر قاد كل البلاد عدا مصر، غرقنا في حرب وكان مستلم مصر الجنيه فيها أغلي من الجنيه الذهب.. ليس حباً أو كرهاً في عبدالناصر لكن هذا رأيي وهذه الحرية والديمقراطية وعندما قامت الثورة كنت في منظمات الشباب وهو قفل كل السكك أمام الشباب».

شعبان كان من أسرة ميسورة الحال والده مصمم إعلانات مشهور في شركة «ايچيبشيان جازيت» التي أممتها الثورة وحولتها لدار التحرير وتزوج السيدة نادية إسماعيل «ابنة الأميرة فوزية أخت الملك فاروق».

عفاف شعيب.. وشارع ماسبيرو

قلما تتحدث النجمة عفاف شعيب عن الثورة ولكنها اكتفت بتصريح تناقلته كل المواقع الالكترونية حيث قالت «إن شارع ماسبيرو كان اسمه شعيب وعندما جاء التأميم عام 1961 تحولت حياتي من العز للانهيار. وقتها كان يتم بناء مبني التليفزيون وراح وقت العز وجاء الذل علي يد ثورة يوليو».

اعتقالات المبدعين

لم تكن قرارات التأميم هي الوحيدة التي انكوي بها نجوم الفن وتجرعوا مرارتها بل كان هناك أدباء ومثقفون وكتاب أثروا الحياة الفكرية المصرية زجوا بهم في غياهب السجون وإن كانت هذه السجون ضارة نافعة فقد خرجوا منها جميعاً نجوماً وأصبح لهم شأن في الحياة الثقافية المصرية ومن أهمهم الفنان علي الشريف الذي دخل المعتقل مناضلاً يسارياً وخرج منه فناناً قديراً.

علي الشريف وقلب نظام الحكم

علي مدي حوارات الفنان الراحل علي الشريف لم يتعرض لما حدث معه في فترة الشباب مع اندلاع الثورة خاصة وأنه كان من اليسار وأحب العمل السياسي لدرجة جعلته يحول من كلية الهندسة إلي كلية التجارة، ومع هذا من تحدث عن مرحلة اعتقاله زوجته السيدة خضرة محمد إمام التي قالت «قضي علي الشريف ست سنوات من عمره في المعتقل بتهمة الانضمام لتنظيم شيوعي ومحاولة قلب نظام الحكم وتم ايداعه في معتقل الواحات ولم يكن ساعتها ممثلاً وأثناء وجوده بالمعتقل لم تكن هناك وسائل ترفيهية فبدأ المعتقلون بعمل مسرحيات للتسلية وقاموا بعمل عرض لصلاح عبدالصبور مثّل فيه دور سيدة وكان بالمعتقل كل من السيناريست حسن فؤاد ورأي علي وهو يمثل، بعدها كتب سيناريو فيلم «الأرض» وبعد خروجهما اختاره يوسف شاهين لتجسيد دور دياب في الفيلم وكان أول أفلامه وسر شهرته فبدأ التمثيل وهو في منتصف الثلاثينيات».

الشريف تجرع من آرائه السياسية حتي بعد خروجه من المعتقل فقال نجله عنه «والدي ظلم وكان ممنوعاً من أشياء كثيرة بسبب ميوله السياسية حتي البطولة منع منها لأسباب سلطوية».

في المعتقل تعرف علي الشريف علي كل من محمود أمين العالم وعبدالرحمن الشرقاوي وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وغيرهم ممن كانوا سنداً له في حياته الفنية.

عبدالرحمن الخميسي من المعتقل للاضطهاد

كان أول اعتقال للكاتب الكبير عبدالرحمن الخميسي عام 1953 وقضي في المعتقل ثلاث سنوات بسبب مشاكساته السياسية وآرائه الجريئة فكان يؤمن بالتمسك بالحياة السياسية والحزبية بطابعها الليبرالي الديمقراطي، وسجل ضرورة عودة الجيش لثكناته ووحداته بعيداً عن مضمار العمل العام وكان هذا كفيلاً بأن يدخل المعتقل مع بداية الثورة حتي عندما خرج منه والتحق بالإذاعة وصحيفة الجمهورية ظل مشاكساً لدرجة نقله تعسفياً إلي وزارة التموين.

الأبنودي والمعتقل وحب ناصر

مع أن الأبنودي ناصري حتي النخاع وكان يحبه بشكل كبير خاصة بعد أن رآه وسلم عليه وهو طفل، فيذكر الأبنودي في أحد حواراته التليفزيونية أن ناصر وصل إلي قنا بعد أن دمرتها السيول وكان الأبنودي ضمن أهل القرية وسأل: هل هذا عبدالناصر؟ فلم يجب عليه أحد فتوجه إليه وقال له أنت جمال فرد ناصر «أيوه» فقال الخال: ممكن أسلم عليك فرد «أيوه» ونظر إليه نظرة لم ينسها في حياته هذا الموقف الذي ظل عالقاً في ذهنه حتي عندما دخل المعتقل عام 1966 فقد اعتقل بسبب انضمامه إلي تنظيم «وحدة الشيوعية» وهو الذي قال عنه الأبنودي «كان مجرد تعليم للماركسية وكان معي جمال الغيطاني وبعدها قررت ألا أنضم لأحد».

وفي المعتقل قال «انه تم ضربه بالشلوت» وجلس فيه لمدة 4 شهور ولم يفرج عنه إلا بعد أن وجه الرئيس عبدالناصر دعوة للمفكر سارتر الذي اشترط الإفراج عن كافة المثقفين وهو ما وافق عليه عبدالناصر.

إجبار علي الاعتزال

ربما يظن الكثير أن النجمة ليلي مراد اعتزلت الفن من تلقاء نفسها أو أنها فضلت الاحتفاظ بالصورة التي رسمها لها جمهورها في أيام مجدها بالأربعينيات والخمسينيات لكن الكاتب الصحفي أشرف غريب نفي هذا الظن في كتابه «الوثائق الخاصة لليلي مراد» حيث دحض ما روج له بعض الصحف في الخمسينيات من أنها سافرت سراً لإسرائيل وتبرعت لها بخمسة آلاف جنيه ولأنها كانت في فرنسا قامت بإرسال خطاب طويل للرئيس محمد نجيب تشتكي له من ظلم الشائعة وتبارك حكمه وتروى تفاصيل الزيارة والشهود عليها وعلي رأسهم محمد عبدالوهاب، والتحقيق معها علي أنها تتعاون مع اليهود..

وبعد الخطاب وتغير الحكم وبالتحديد بعد فيلمها الأخير «الحبيب المجهول» اختفت ليلي عن متابعيها وانقطعت الأخبار الصحفية عنها مع أن عدداً كبيراً من نجوم الإنتاج والتمثيل كانوا يرشحونها إلي أدوار وبطولات وكانت تبدي موافقة مثلما حدث في فيلم «طريق الدموع» عام 1961 لكن شيئاً ما يحدث لها يجعلها تتراجع عن العودة للأضواء الأمر الذي فسره الكاتب علي أنه إجبار علي الاعتزال لموقفها السياسي المؤيد للرئيس محمد نجيب هذا بجانب توقفها عن الغناء بالإذاعة.. فقد فند الكاتب الكثير من الأفلام التي اعتذرت عنها وبرر هذا بأنه إجبار علي الاعتزال من سلطة لا يمكن الوقوف أمامها.