الجمعة 22 نوفمبر 2024

مقالات

راحة البال فى معرفة الحقيقة

  • 16-9-2022 | 15:48
طباعة

كلما تقدم بنا العمر زاد رشدنا، وأدركنا أن المعانى أفضل وأغلى بكثير من المظاهر!!، والرشد هو الوصول إلى الحقيقة والسير فى الاتجاه الصحيح 

وتدور كل معانى القرآن الكريم والسنة المطهرة حول كيفية الوصول إلى حالة الرشد.

قال تعالى: "قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَى" البقرة: 256

وقال تعالى على لسان أهل الكهف: "إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا" الكهف: 10

فلو لبست ساعة بمائة جنيه ستعطيك التوقيت السليم شأنها كشأن الساعة المقدر ثمنها بمائة ألف دولار، وإذا امتلكت "محفظة نقود" سعرها ثلاثون جنيها لن يختلف ما فى داخلها من أموال عن المحفظة المقدر ثمنها بآلاف الجنيهات..

وسواء عشت فى مسكن مساحته ثلاثون متراً أو فى قصر مساحته ثلاثة آلاف متر، فإن مستوى الشعور بالوحدة واحد..

وسواء ركبت مقعد الدرجة الأولى أو الدرجة السياحية، فإنك ستصل لوجهتك فى الوقت المحدد..

إن فقر الحب والسعادة  لا يرتبط بالمال.. فقد يكون الإنسان ثرياً ويملك مال قارون ولكنه صعلوك فى الحب والسعادة وراحة البال..

وقد يملك قوت يومه ويعيش فى كهف، ولكنه دافيء المشاعر ويتمتع بما يريد الأثرياء شراءه ويعجزون.

حيث يمكن للبعض شراء سرير نومه من ذهب، ولكنه لا يستطع شراء نومه العميق!.. يستطيع البعض تملك كل الرفاهيات ولكنه ربما يعجز عن شراء راحة البال وحب الله وحب الناس ودفيء عزوة العائلة والأصدقاء والإنسانية!

لقد خرج قارون على قومه فى زينته فخراً وتكبراً على الناس وجحوداً بفضل الله عليه، فقال بعض قومه مقالاً هو فى مضمونه مثل ما يستحضره الكثير فى نفسه ويحزنون به، ولا يعلمون أنهم فى الأصل أكثر حظاً من قارون.

 

وقصة قارون فى سورة القصص والآيات واضحة المعنى لكل قارئ.. قال تعالى: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِى الْقُوَّةِ إِذْ قَالَلَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴿76﴾ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَاللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴿77﴾ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنقَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴿78﴾ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَيُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِى قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴿79﴾ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا مَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴿80﴾ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَمِنَ المُنتَصِرِينَ ﴿81﴾ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنمَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴿82﴾ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًاوَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿83﴾. القصص.

 

لقد ذكر الله هذه القصة فى سياق تعليم الناس القوانين الإلهية فى هذه الحياة، ومن أبرزها " أن الجحود والغرورمهلك للإنسان حتى وإن تملك الدنيا كلها، وأن فقر الفكر وفقر الحب أقسى بكثير من فقر المال.. وختمها بقوله "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين  

فالمعادلة فى الحقيقة لا تقوم على المال!! إنما تقوم على التقوى والعمل الصالح، قد يكون الغنى صالحاً وهذا حسن، وقد رغب الإسلام الناس فى السعى لدرجة الاغتناء بالحلال، فقال عليه الصلاة والسلام "نعم المال الصالح فى يد الرجل الصالح"، وقد يكون العكس.

وقد يكون الفقير طاغية يكابد الفقر وفى نفس الوقت يفسد فى الأرض! وقد يكون العكس.

وورد فى السنة أن سيدنا عمر بن الخطاب دخل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده نائماً على حصير وقد أثّر الحصير فى جسده الشريف فبكى عمر شفقة على النبى وقال: يا رسول الله ، كسرى وقيصر يتنعمون فى الحريروالحلل وانت تنام على حصير؟

فابتسم النبى صلى الله عليه وسلم ابتسامة من يعرف الحقيقة، وقال: يا عمر لهم الدنيا ولنا الآخرة.

يعنى لا تفصل الحياة فى الدنيا عن الحياة فى الآخرة، هما كتاب واحد، الدنيا فيه عدة صفحات وبقيته سنعيشه بين يدى الله سبحانه وتعالى.

وللأسف فهم بعض أصحاب التدين المشوه أن الحديث يرمى إلى الخصومة مع الغنى أو الاستزادة من العمل وتحسين حياة الإنسان المالية.. وهذا منافٍ تماماً لمقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقصود رسول الله، هو أن كل فرد له ظروفه وقدره، ينبغى أن يعيش برضا وسلام وصلاح، وهذا يعنى أن فقر المال هو أهون أنواع الفقر فى هذه الحياة.

وأشد أنواع الفقر هو فقر الحب الذى يعيش صاحبه فى الحياة بأزمات نفسية بينه وبين الله وبينه وبين الناس وحتى بينه وبين نفسه، يعيش كارهاً للناس وهم له كارهون، لا يعرف معنى الحب ولا يعرف معنى الثقة.

وأشد أنواع الفقر أيضاً، فقر الإنسانية الذى يعيش فيه كثير من الناس وقد نزع الله من قلوبهم الرحمة والرأفة وحُرموا متعة السعادة ومتعة العطاء ومتعة الحب!

وقد عبّر النبى صلى الله عليه وسلم عن هذه المعانى كلها فى أحاديث شريفة:

قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: "مَنْ أَصبح مِنكُمْ آمِنًا فى سِرْبِهِ، مُعَافًى فى جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها" رواه الترمذى وقال: حديثٌ حسنٌ.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» رواه البخارى

قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: انْظُرُوا إلى منْ أَسفَل منْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إلى مَنْ هَوَ فَوقَكُم فهُوَ أَجْدرُ أَن لاَ تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَليْكُمْ" متفقٌعَلَيْهِ

 

جميعنا يرى الأحداث تتسارع من حوله، والناس يتساقطون موتى أمامنا يسبقوننا إلى الله، وفى لحظة من اللحظات سيأتى الأجل وننتقل إلى الدار الآخرة بدون مقدمات، لذلك اعملوا صالحا - ادعمو الفقراء والضعفاء - خالقو الناس بخلق حسن -حافظوا على الصلوات - حصنوا أنفسكم بفعل الخيرات -ابتسموا للناس - اقرأو شيئاً مِن القرآن - تصدقوا - سبّحوا - استغفروا وكبروا - صلوا على النبى عليه الصلاة والسلام - علقوا قلوبكم بحب الله فالدنيا لا تدوم على حال ولن يخلد فيها أحد.

وعلموا أولادكم كيف ينظرون إلى قيمة الأشياء لا إلى ثمنها….

وأخلصو فى أعمالكم وحافظوا على وطنكم. فالحفاظ على الوطن من الإيمان. والتضحية فى سبيله دفاعاً عنه جهاد فى سبيل الله.

والله أعلم.

الاكثر قراءة