الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

بلاغة الزمن فى خطابات التنصيب الرئاسى.. من السادات إلى السيسى (4)

  • 19-9-2022 | 20:10
طباعة

قامت الباحثة د. حنان عبد الوهاب عبد الحميد القاضى الأستاذ المساعد بالمعهد العالى للإعلام وفنون الاتصال بالسادس من اكتوبر بتحديد إشكاليتها البحثية من خلال الكشف عن التنافر أو التقارب الخطابى فيما يتصل بثلاثية الزمن وفقا للتقارب أو التنافر الأيديولوجى بين (خطابات الافتتاحية الأربع (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) فيما يتصل بالخطاب النقدي، والكشف عن البنى المعرفية والخلفية والخبرة السياسية لمنتج الخطابات الأربع (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) وأثرها فى تقديم المنتج الخطابي، ورصد الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) والآخر(هم)، وأثرها فى بناء الدلالات الخطابية، والكشف عن الخطاب الارتدادي، ورصد كيفية توظيف الخطابات الأربعة (السادات ومبارك ومرسى والسيسي) النزعة البراجماتية فى استقطاب الجماهير لخطابها السياسي.

 

ثالثًا: خطاب الرئيس مرسى فى ميدان التحرير 29 يونيو 2012

يشمل البناء الأيديولوجى والمعرفى للخطاب التأكيد على لماذا أُلقى خطاب مرسى فى ميدان التحرير (النسق المكاني) والظروف التاريخية المقدِّمة له، يردفها البحث فى الأنساق الزمنية وبلاغة توظيفها فى الخطاب، ثم الذات والآخر بوصفهما القوى الفاعلة فى الخطاب (المؤثر فى / والمتأثر بـ) ويتمثل ذلك فيما يلي:

1-البنى الأيديولوجية والمعرفية فى خطاب مرسى

عقب سقوط نظام مبارك وتفويضه للمجلس العسكرى بإدارة شئون البلاد، حدث توجس من جانب جماعة "الإخوان" تجاه المجلس العسكري، وفى البداية على حد قول الجماعة إنهم سيكتفون بتمثيلهم فى مجلس النواب، الذى استحوذوا فيه على أغلبية المقاعد وتحالف حزب النور معهم، ولكنهم تم تهديدهم (على حد قولهم) بحل مجلس الشعب، وهذا ما ألمح به مرسى فى خطابه "وأتعهد أمامكم بشهادة ربنا والعالم بالوفاء بذلك أعاهدكم أن أعمل معكم فى كل لحظة لتوحيد قوتنا ورفضى أى محاولة لانتزاع سلطة الشعب أو نوابه"، مما يشير إلى التوجس من قبل جماعة الإخوان من المجلس العسكري.

فضلًا عما سبق، جاء خطاب مرسى فى ميدان التحرير يحمل توترًا مزدوجًا لدى الشعب، إذ انقسم الشعب عقب تنحى الرئيس مبارك بين مؤيد لحكمٍ مخالفٍ لنظام مبارك، ولم يكن ثمة بديل أمام هذا الاتجاه سوى جماعة الإخوان وأنصارها من السلفيين، وعلى الجانب الآخر يوجد تيار مناظر يتوجس من التيار الإسلامى (الأقباط والليبراليين المؤيدين لنظام مبارك)، ومن ثم بدأ الاستقطاب ما بين التيارين يصل إلى حد المشاحنات.

عقب فوز مرسى فى الانتخابات كان عليه أن يستقطب مزيدًا من القوى الشعبية خاصةً أن الفارق بينه وبين غريمه السياسى (الفريق أحمد شفيق) فارقٌ طفيف، دفع البعض للتشكيك فى نتائج الانتخابات، كما أن مرسى وجماعته بصفةٍ عامة كان لديهما تخوفٌ من المجلس العسكري، وعقب فوز مرسى فى الانتخابات ذهب ليؤدى اليمين الدستورية أمام جموع المتظاهرين فى ميدان التحرير ليؤكد الشرعية الثورية للميدان من ناحية، وليوجه ضربه خلفية استباقية للمجلس العسكرى من ناحية أخري، فحواها الاحتماء بالشعب والرجوع إليه، فهو الأصل إذا ما غاب النائب أو الوكيل على حد قول مرسي. وأكد ذلك التوتر أنه كان مقررًا أن يؤدى مرسى اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية، إلا أنه آثر الناحية الشعبية أولًا مما أثار جدلًا قانونيًا وأخلاقيًا حول شرعية هذه الخطوة كونها بديل عن الخطوة الرسمية، مما دفعه إلى القول بهذه المقولة استتبعها نطق القسم على النحو التالي:

يامن تقفون الآن هنا وفى كل محافظات مصر ومدينة وقرية أنتم الأصل وغيركم عندكم وكيل وإذا غاب الوكيل أو النائب أعود إلى الأصل أعاهد الله وأعاهدكم:

أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى وأن احترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. أقسم أمامكم ".

جاءت فقرة أهداف الثورة فى الخطاب مقتضبة، فهى لم تمثل سوى سطرًا واحدًا فقط، انتقل من خلاله إلى الشهداء مباشرةً، ومن المفترض فى الخطاب أن يفصّل هنا أهداف الثورة وطريقة تحقيقها، وكيفية تنفيذها، أو على أدنى تقدير تحديد أهدافها، إلا أنه عاد وكررها فى موضع آخر غير موضعها وهو موضع المحافظة على النسيج الوطنى ومواضع أخرى كرر من خلال المتواجدين فى ميدان التحرير عليها مثل هتافه بقوله وقولهم: "ثوار أحرار هنكمل المشوار"، علمًا بأن جماعة الإخوان لم تلحق بقطار الثورة إلا بعد انهيار النظام مساء جمعة الغضب، كما أن جماعة الإخوان ليس فى أدبياتها ومفرداته مصطلح "ثورة"، ولكنها آثرت ركوب الموجة ببرجماتيتها المعهودة، وسرقة الثورة من الميدان وتأميمها لمصلحة الجماعة.

 

2-الأنساق الزمنية فى خطاب مرسى

ويُقصد بها البنى الزمانية فى الخطاب من حيث ذكر الأحداث التاريخية والاستشهاد بالأزمنة، سواء أكانت هذه الأزمنة ماضية أو حاضرة أو مستقبلية، وجاءت البنى الزمنية فى الخطاب قليلة إلى حد ما؛ فكلمة "مستقبل" لم يرد ذكرها فى الخطاب مطلقًا، أما كلمة "الماضي" فقد كان لها حضورٌ، حيث وردت خمس مرات، ثلاثٌ منها اقترنت بـ "يوم الأحد الماضي" وهو يوم نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية لتقديم التحية إلى من نسيهم مرسى فى كلمته يوم إعلان النتيجة.

"فى يوم الأحد الماضى فى المساء عندما أُعلنت نتيجة الانتخابات ".... إلى جانب من ذكرت فى يوم الأحد الماضي." أما المرتان الآُخريان فقد ذكرهما فى سياق الأيديولوجية الدينية؛ حيث ركز فيها على انتمائه إلى جماعة الإخوان والظلم الذى عانوا منه فى الفترة الملكية، ثم الفترة الناصرية، وكذلك حكم السادات ومبارك.   

     أما الحاضر فكان له نصيب وذلك من خلال ذكر كلمة اليوم التى تعنى يوم وقوفه فى ميدان التحرير، فقد تكررت كلمة اليوم لتعنى نفس المعنى سبع مرات، وهى لم تأت بجديد سوى التأكيد على وقوف مرسى فى ميدان التحرير، ومن الأحرى للخطاب الاكتفاء بسرد كلمة اليوم مرتان أو ثلاث لأن ذكرها سبع مرات عصف بمعنى الكلمة وحولها من الواقع إلى المن، كأن مرسى يمن على الموجودين فى التحرير بوجوده، فنحن هنا لا نقف أمام النوايا ولكننا نقف وراء قراءة المعني، فالتكرار على الرغم من تأكيده للمعنى إلا أن التكرر المبالغ فيه يفقد المعنى التأكيد ويحوله للمبالغة: والأمثلة الدالة على كلمة اليوم اقترنت بكلمة "الوقوف" أربع مرات، واقترنت ثلاث مرات بالفعل "أتيت".

 

وكان تاريخ جماعة الإخوان متواجدًا فى خطاب مرسي، وعزّز ذلك من خلال التلميحات التاريخية التى حوتها فقرة من الخطاب يمكن أن نطرح كثيرًا من التلميحات، فقد ذكر فيها جهاد الإخوان وإسهاماتهم على حد زعمه فقد بدأت فى فترة العشرينيات على يد حسن البنا مؤسس الجماعة، ثم كرر جهودهم خلال حقب الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات الخاصة بالنظام الملكي، ثم توقف عند فترة الستينيات ذاكرًا عبارة "وما أدراك ما الستينيات" فى إشارة استنكارية إلى فترة عبد الناصر وما فعله بالجماعة ورموزها الذين أرادوا الخراب لمصر وخططوا لذلك.

ومن الملاحظ على هذه الفقرة أنها لم تذكر أسماء شخصيات سياسية معينة، ولكنها اكتفت بالتضمين التاريخى الدال على الشخصيات، وهنا يتوجب علينا رصد موقف الخطاب من حكم السادات، فموقفه يتضح من السياق المعطوف على فترة مبارك "وبعد ذلك عقدًا بعد عقد إلى أن وصلنا بعد ظلم طـويل وليلا دام طــويلا إلى 25 يناير 2011"، فهذه العبارة توحى بالتشارك بين فترة مبارك وفترة السادات.

فقد انتقدهم السادات صراحةً فى أحد خطبه أثناء شرحه لموقفه من الجماعات الإسلامية "أخطر ما فى هذا والذى بذرها الإخوان: وجوب مبايعة أمير الجماعة والالتزام بمبدأ السمع والطاعة له فى جميع الأمور" فى مقارنة بين السمع والطاعة للإخوان وبين السمع والطاعة لله. ومن ثم فإن هذا القول لا يلقى قبولًا من لدى الإخوان مما يبين نقطة الصدام بين الإخوان والسادات. أما فيما يتصل بفترة حكم مبارك فهى معطوف على فترة حكم السادات. ومن ثم فهو يؤكد على الثمرة التى وصلت إليها جماعة الإخوان بعد ظلم طويل، فهو يؤكد للكل ومنهم الإخوان، أنه ذو توجه إخواني، وإن كان بشكل ضمني، وادعاء "المظلومية" هو ادعاء كلاسيكى ضمن اداعاءات الجماعة لجلب واستدرار التعاطف معها.

 

3-الأنساق اللغوية الخاصة بالذات (أنا/نحن) فى خطاب مرسى

تؤدى الضمائر دورًا مفصليا يتحكم فى المشهد السياقى للنص، والملموس أن لها أثرٌ بالغ فى بنيته، إذ تقوم بترجمة الدلالات الغائبة فى الخطاب.

جدول يوضح دلالة الذات الفردية والجماعية( أنا ونحن)

المدلول

الدال

التكرار

الضمير

السبب فى التواجد المشاركة فى الفعل

البناء يحتاج للعمل المشترك

رفض الظلم

نحن اليوم نقف لنقول للعالم أجمع

نحن نمضى إلى البناء

نحن نرى أخذ الله للظالمين

3

نحن

التأكيد على التواجد المكانى

المساواة بين المسلمين والأقباط

التأكيد على التواجد المكانى (مرة أخري)

الاستقواء بالشعب ضد المجلس العسكري

التأكيد على الإنتاج

التأكيد على احساسه بالشعب

التأكيد على الوازع الديني

التأكيد على الوازع الديني

أنا أقف أمامكم أيها الشعب المصري

أنا لكم جميعاً

أنا أقف أمامكم أيها الشعب المصري

وأنا صاحب القرار بتوكيلكم وأرادتكم امضي

وأنا لا أنسى العاملين فى أى مكان

وأنا منكم

أنا مطمئن بفضل الله ثم بكم

 أنا لا أخاف إلا الله

8

أنا

انقسم سياق حديث مرسى عن ذاته بالذات المفردة والذات الجماعية، حيث أشار إلى الذات الجماعية ثلاث مرات ليجمع بين ذاته وذوات المجتمعين معه فى الميدان، للتشارك والتقارب، والثانية تشاركية فى البناء لعدم قدرته على فعل ذلك منفردًا، أما الثالث فجاءت فى سياق رفض الظلم، بيد أنه أشار هنا إشارة ضمنية إلى مبارك ونظامه، فعبارة نحن نرى أخذ الله للظالمين تدل على المعاينة والمشاهدة للحدث، ولم يكن مرسى يعلم أن الله سيأخذه هو وجماعته أخذ عزيز مقتدر بعد عام واحد من هذا المشهد، الذى لم يقدم بعده للمصريين شيئًا ذا قيمة سوى الأزمات والكوارث وطمس هوية الدولة والعمل على أخونتها، ليستبدله الله وجماعته بقومٍ آخرين يحبهم ويحبونه.

وفى الأسبوع المقبل نواصل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة

أخبار الساعة

الاكثر قراءة