قال مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" الدكتور محمد ولد أعمر، إن مصر سباقة دائمًا في العمل العربي المشترك، ولدينا شراكة قوية جدًا مع اللجنة المصرية للتربية والثقافة والعلوم، التي تتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مثمنًا حضور مصر القوي والمتميز في كافة الملفات العربية المشتركة كشريك أساسي بها بالإضافة إلى تنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات في مصر مثل مؤتمر وزراء التعليم العالي في 2019 الذي خرج بتوصيات هامة جدًا.
جاء ذلك خلال حوار أجراه مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في تونس مع مدير عام منظمة "ألكسو"، والذي تم خلاله التطرق إلى وضع التعليم والبحث العلمي في العالم العربي، ودور المنظمة في الحد من أثار جائحة "كورونا" على منظومة التعليم في بعض الدول العربية، وجهودها في استرجاع الآثار العربية بالخارج، ومكافحة الفكر المتطرف، وأهم ما تضمنته خطة المنظمة "2023 -2028".
وأوضح ولد أعمر أن "ألكسو" منظمة عربية مختصة بكل ما هو تعليمي وبحث علمي وتكنولوجيا وثقافة وهذا يجعل منها منظمة تعمل في كل ما هو مشترك في دولنا العربية .. مشيرًا إلى أن مصر وبعض الدول العربية تعطي للمنظمة اهتمامًا كبيرًا جدًا بحكم الدور الهام لهذه الدول عربيًا وإقليميًا.
وأضاف مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، أن مصر دائمًا سباقة في العمل العربي المشترك، منوهًا بأن المنظمة أطلقت العام الماضي الدورة الأولى لأولمبياد "ألكسو" لتعزيز قدرات الطفل العربي في منهجيات البحث العلمي التي استضافتها مصر وشهدت مشاركة واسعة، وعقدت دورتها الثانية في سبتمبر الجاري بمدينة الحمامات في تونس بمشاركة 16 دولة عربية.
وأشار ولد أعمر إلى أن هناك عدة رسائل تهدف لها "الأولمبياد" فهي رسالة شراكة بين الأطفال العرب، فالطفل العربي عندما يتقابل مع الموريتاني والمصري والتونسي والسعودي والإماراتي والمغربي وغيرهم من أشقائه العرب تكون رسالة قوية تبقى بذاكرته، والرسالة الثانية أنها تهدف أيضًا إلى تعزيز القدرات الذاتية للطفل ليثق في نفسه وقدراته، والرسالة الثالثة هي خلق نوع من المنافسة الإيجابية بين فرق البحث العلمي خاصة عند الأطفال العرب.
وعن أثر جائحة "كورونا" على العملية التعليمية بالدول العربية، قال مدير عام "ألكسو" إن المؤسسات التعليمية والثقافية العربية اعتادت أن تعمل في مناخ طبيعي جدًا ولم تكن مستعدة وجاهزة لمواجهة هذا النوع من الأزمات وبهذا الحجم، ما كان له أثر سلبي على العملية التعليمية وانقطاع الطلاب عن الدراسة بالإضافة إلى الأثر النفسي على الطلاب وأسرهم، وكذلك عدد الأسابيع الدراسية، والمواد الدراسية والعلمية المقدمة، مؤكدًا أهمية العمل على أن تكون مؤسساتنا التربوية والثقافية قادرة على أن تعمل في ظل الاستثنائية والأزمات.
وأكد أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم كانت سباقة بالعمل على ترجمة العديد من الكتب عن جائحة "كورونا" بالشراكة مع شركاء صينيين، وتوفير بعض المنصات الرقمية لبعض الدول العربية التي كانت في حاجة لها مثل جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا ومدارس بلبنان وبعض الدول العربية.
وأوضح مدير عام "ألكسو" أن هذه المنصات الرقمية استفاد منها كل طلاب مرحلة البكالوريا "الثانوية العامة" في جيبوتي، و250 ألف طالب من جزر القمر، بالإضافة إلى أن المنظمة دخلت في مبادرات تمكنت من خلالها من توزيع أجهزة "لابتوب" على بعض الدول العربية منها 2040 جهازًا لجيبوتي وألف جهاز لموريتانيا ومثلهم لجزر القمر، وجاري الإعداد لدفعة جديدة تستفيد منها دول مثل لبنان وفلسطين واليمن، مؤكدا أن المنظمة تعد لمبادرة مع مجموعة من الشركاء لإيجاد منظومة قادرة على توفير جهاز كمبيوتر للطالب العربي بأقل تكلفة.
وأضاف أن قمة "تحويل التعليم" التي عقدت بنيويورك الشهر الجاري جاءت لتقول إنه حان الوقت للتحول المقبل لا محالة فالقمة هدفت إلى رفع الوعي في دول العالم تحت عنوان "حان الوقت" للتحول وقد بدأ بالفعل، لافتًا إلى أن جائحة "كورونا" أظهرت فجوات كبيرة في مجال التعليم بين دولنا العربية، وفجوة داخل الدولة نفسها، وعلينا أن نقضي على هذه الفجوات بإعطاء أولوية للمنظومة التربوية، والعمل على رفع المُنفق من ميزانيات الدول العربية على التعليم.
وأكد أن العالم اختلف بعد "كورونا" وأنه على الدول العربية أن تُقَيم أثر الجائحة على منظومتنا التربوية فكي نستشرف المستقبل يلزمنا كدول عربية أن نستشرف تحولًا في التعليم يستجيب لمتطلباتنا حتى لا نتخلف عن الغرب ونواكب الدول المتقدمة في ظل الحفاظ على هويتنا العربية.
وقال الدكتور محمد ولد أعمر إن "البحث العلمي في الدول العربي دون توقعاتنا كعرب، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد مبادرات جيدة في بعض الدول العربية استطاعت أن تصل إلى مستويات رائعة جدًا"، مشددًا على أهمية التنسيق بين الدول العربية التي تمكنت من الوصول لمستوى متميز والدول التي لازالت في طور التأخير ليحدث نوع من التكامل العربي في مجال البحث العلمي.
وأوضح أن الدول العربية لا تعطي البحث العلمي حجم الإنفاق الذي يستحقه، إلى جانب مشكلة البنية التحتية وعدم وجود تنسيق بين الدول، قائلا "على الدول العربية أن تعيد ترتيب أولوياتها فقد حان الوقت لأن نعلم أن الضامن الحقيقي للسلم الاجتماعي للدول العربية هو الثقافة والتعليم ونجاح المنظومة التربوية والعمل على تعزيز منظومتنا البحثية بكفاءات عربية وغير عربية والتنسيق بين الدول العربية مما يصل بنا إلى المستوى المأمول".
وأكد مدير عام "ألكسو" ضرورة أن تكون البيئة العربية جاذبة للمبدع وألا تكون طاردة له مثلما هو موجود في العديد من الدول العربية، ما سمح لهجرة العقول إلى الدول الغربية .. مشيرًا إلى أن هناك دولًا قامت بجهود كبيرة لجذب كفاءات عربية وغير عربية ولكن علينا أن نعمم هذه المبادرة ونعمل على توطين الكفاءات العربية أولًا ثم نعمل على جذب الكفاءات الأخرى.
وعن جهود منظمة "ألكسو" في استرداد الآثار العربية التي خرجت بطرق غير شرعية، قال ولد أعمر إن قضية الآثار قضية شائكة لها بعدين ثقافي وأخر سياسي، وللأسف هي أمر واقع ما زال يتجدد، فهناك أثار سرقت خلال السنوات الماضية ونهبت ونقلت إلى دول أخرى، وتعمل المنظمة من خلال التواصل مع اليونسكو على استرجاع بعض هذه الآثار، وذلك يتطلب جهودًا أممية كبيرة إلى جانب جهود سياسية من الدولة التي نُهبت أثارها والدولة المستضيفة لها.
وأضاف "للأسف كل المتاحف الغربية مليئة بأعداد كبيرة جدًا من مقتنيات المتاحف العربية سواء خلال المراحل الاستعمارية أو نهبت خلال السنوات الماضية من بعض الدول العربية التي عانت من الحروب والضعف السياسي ما سمح بنهب مقتنيات المتاحف وبيعها بأسعار زهيدة لأي شخص ونتفاجأ أنها توجد في متاحف غربية".
ولفت الدكتور محمد ولد أعمر إلى أن أحد أهم الأدوار المنوطة بمنظمة "ألكسو" العمل على حماية التراث العربي من خلال تنظيم الملتقيات ورفع مستوى الوعي به وتقديم الدعم الفني لدولنا العربية، ودعم المخطوط العربي من خلال "معهد المخطوطات العربية" بالقاهرة وصيانة المخطوط العربي والعمل على إعطاء هذه المخطوطات الرعاية التي تستحقها بالحفظ والصيانة والنشر، بالإضافة إلى دعم الدور المختصة في هذا المجال بالدول العربية لدعم هذا الكنز العربي الكبير، موضحًا أن الجهود العربية لم تقصر في هذا المجال فلدينا حضارة كبيرة تستحق أن يسلط عليها الضوء.
وعن مكافحة الفكر المتطرف، قال مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إن التطرف وليد الجهل وبالتالي لا يُكافح إلا من خلال مؤسسات تربوية ناجحة لأنها الضامن الحقيقي للسلم الأهلي والقادرة على مكافحة التطرف والجريمة والمخدرات التي أصبحت مكافحتها لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب لأنها إرهاب من نوع أخر، فكلما كانت المؤسسات التربوية ضعيفة يصبح الأبناء عرضة لهذا الفكر الذي أصبح متاحًا للجميع عبر شبكة الإنترنت.
وأضاف أن الدين هو الأساس ولكن الدين لا يُستوعب إلا بالتعليم، فالجاهل هو الذي يفسر الدين على هواه، لافتًا إلى أن المؤسسات التربوية كانت في مرحلة تهتم بتنمية الاستيعاب والتلقين ولكن الظروف الحالية تفرض على تلك المؤسسات أن لا تكون فقط ملقنة ولكن موجهة وقادرة على أن تنمي في أبنائنا القدرة على اختيار الأفضل.
وأوضح مدير عام "ألكسو" أن المنظمة أعدت خطة "2023 – 2028" التي حاولت فيها تقييم الخطط الماضية والعمل بتوصيات القمم العربية والمؤتمرات الوزارية كمؤتمر وزراء الثقافة، ومؤتمر وزراء التعليم العالي والبحث العلمي، ومؤتمر التربية والتعليم .. مشيرا إلى أنه سيتم العمل على تطبيق الشريحة الأولى من الخطة "2023 -2024".