الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

التعليم الفنى.. الطريق إلى التقدم

  • 30-9-2022 | 23:26
طباعة

يمكننا أن نقدم تجربة مهمة فى التعليم تدشن لمستقبل أفضل بشرط الجدية والانضباط.. والمتابعة والتقييم المستمر وتحويل المدارس إلى بيوت بديلة للتلاميذ.. يحبون الذهاب إليها لا يخشون من أى شىء.. سخرية معلم أو تنمره أو خشونته وغلظته فى التعامل.. يتعلمون ويلعبون ويبدعون.. نكتشف المواهب والمهارات والمتفوقين والمبدعين.. نحدد أهدافها بدقة ونجرى وراء تحقيقها لأن مصر تستحق من الجميع بذل أقصى الجهود.. تطوير التعليم شراكة بين الجميع المدرسة والمعلم وولى الأمر والتلميذ.. لا بد أن تكون هناك حلقات اتصال وتواصل بين الأسرة والمدرسة قوامها المصلحة والاحترام وتحقيق الأهداف.
 
عام دراسى جديد.. بين التحديات والوعود والتطلعات.. الجدية والانضباط والمتابعة والتقييم وفعالية آليات التنفيذ أساس النجاح

مع بداية عام دراسى جديد.. خاصة أن الأعوام الماضية شهدت جدلاً كبيراً.. وتحديات نالت من جودة ورسالة العملية التعليمية ودور المدرسة بسبب جائحة «كورونا» التى فرضت نظاماً مختلفاً حال دون التواصل المباشر بين المعلم والتلاميذ داخل المدارس وتمت الاستعانة بـ«التعليم عن بعد» منعاً لحدوث تداعيات لـ«كوفيد ــ 19».. الغريب أن أباطرة الدروس الخصوصية اختطفوا هذا النظام وسخروه لتحقيق أهدافهم وإشراك عدد أكبر دون أن يتحرك المعلم والتلميذ أو يبارحا المنزل وبالتالى حقق تجار التعليم من وراء ذلك عشرات الأضعاف من المكاسب المالية مع انخفاض المجهود المبذول.

الحقيقة أن أحاديث المسئولين عن التعليم فى مصر سواء قبل الجامعى أو الجامعى.. واعد وجميل لكن المحك الحقيقى هو التنفيذ على أرض الواقع لذلك مطلوب مع بداية العام الدراسى مضاعفة الجهود والمتابعة والمراقبة والتقييم أولاً بأول.. والأهم أيضا هو الاطمئنان على سلامة وواقعية آليات التنفيذ ليس فى التعليم فقط.. ولكن فى أى تخطيط أو رؤية وهو ما أوصى به وأكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى للوزراء وكافة المسئولين فى الدولة وهو أهمية وضرورة الاطمئنان على سلامة وواقعية آليات التنفيذ خاصة أن هناك معضلة تتمثل أحياناً فى وجود فجوة بين ما تم الاتفاق عليه على طاولة كبار المسئولين وبين ما يتم تنفيذه على أرض الواقع.. وربما يكون التعليم خلال الفترة الماضية عانى هذا البعد الأمر الذى فرض آليات تنفيذ جديدة مع الإيمان بحتمية التطوير وهو أمر وجودى.

لا أدرى هل أفرط المسئولون فى إطلاق العنان للوعود البراقة ولم ينتظروا أو يتمهلوا فى اختبار رؤاهم على أرض الواقع.. والتأكد من نجاحها أم أنها ثقة فى النجاح خاصة أن المسئولين الجدد عن التعليم من أهل الدار أبناء نجباء من المؤسسة التعليمية فى مصر بالمعنى الشعبى أو البلدى «جابوها من تحت» فأهل مكة أدرى بشعابها لكن دعونا ننتظر ولا نتعجل ولا نحكم على العملية التعليمية منذ اليوم الأول للدراسة ولا يكفى حتى الشهر الأول لكن نعطى الفرصة أمام الجميع ونقيس مرحليا مبادئ أولية أبرزها الجدية والمواظبة والانتظام والانضباط.

أعتقد أن أهم تحد أمام وزير التربية والتعليم وهو خبير.. هو عودة واستعادة المدرسة، ومقياسى للحكم فى هذا الأمر هو مدى اهتمام وشغف التلميذ وتعلقه بالذهاب إلى المدرسة فهناك من يجد أنها مهمة ثقيلة وهم بالليل والنهار باختصار لأنه لم يجد البيئة التى يتمناها أو المعلم الذى يعتبره صديقه قد يجده فظا غليظ القلب ناقماً على كل شىء لذلك فإن فاقد الشىء لا يعطيه وهو ما يؤكد أهمية أن يكون المعلم لديه القدرة على الفصل بين حياته الشخصية ومتطلبات عمله قادراً على التواصل الجيد والحوار المفتوح والاحتواء مع التلاميذ، بالاضافة إلى أن التلميذ يعزف أو يكره المدرسة إذا لم يجد فيها ما يروقه.. لذلك من المهم التركيز على الجانب النفسى والاجتماعى لدى التلميذ وهنا يبرز دور الاخصائى الاجتماعى المهم ولا يجب أن يكون مجرد ديكور مدرسى.. بل متخصصاً وليس من قبيل المجاملة ليستطيع رسم خريطة نفسية واجتماعية لكل تلميذ للتعرف على مشاكله وأزماته ومعاناته وأسباب عزوفه عن المدرسة.. واكتشاف قدراته ومهاراته ومواهبه أو أسباب تراجعه وضعف تحصيله أو حتى المدرسين الذين يسببون له ضيقا ومعاناة.. لذلك من المهم التأكيد على دور الاخصائى النفسى والاجتماعى وأيضا طبيب المدرسة المطالب بدوره فى فحص جميع التلاميذ على مدار العام الدراسى وليس مجرد وظيفة لينتظر التلميذ يطلب فحصه والكشف عليه فربما من المهم وجود خريطة طبية لجميع تلاميذ المدرسة للاطمئنان على صحتهم وتحديد أنسب الوسائل للعلاج أو الحفاظ عليها أو تحديد طريقة التعليم التى تناسب قدراته.

ربط التلاميذ بنشاط رياضى وفنى وثقافى محبب لديهم يقوى علاقتهم بالمدرسة.. الجانب المهم أيضا هو خلق الشخصية القيادية فى التلاميذ فمعظم مشاكل هذا الجيل تكون فى غياب هذا البعد، لابد أن تكون لديه رؤية ووجهة نظر وقرار ومسئولية وليس سهل الانقياد أو الخداع أو التغرير به، يجب أن يكون قادراً على الحوار والتحاور والتواصل والتسامح وقبول الآخر وعدم التطرف أو التشدد أو التعصب لرأى.

الدكتور رضا حجازى، وزير التربية والتعليم، أمامه تحديات هائلة ومشاكل معقدة وتراكمات من العقود الماضية.. لكنه وزير جاء من قلب المؤسسة التعليمية لديه خبرات وتفاصيل وعالم ببواطن الأمور التعليمية وملم بما يجرى فى دهاليز المدارس وما يدور فى عقل المعلم لكن ورغم أن التحديات كثيرة.. والمتربصين والانتهازيين أكثر وملفات كثيرة.. أهمها تجارة التعليم التى تدر أموالاً ضخمة سواء الدروس الخصوصية فى المراكز والبيوت وأباطرة الكتب الخارجية بالاضافة إلى فساد الفاسدين وما حدث من ترهل وتراخٍ وعدم الجدية.

كل مشاكل التعليم التى تحدثت عنها والتى تحدث عنها غيرى وأكثر أو ما رصده المسئولون فى كوم والتعليم الفنى فى كوم آخر وأنا شخصياً أعتبره أهم أهداف التعليم عموماً فنحن فى حاجة إلى تعليم فنى مختلف متطور، أنا لا أقول ذلك لمجرد كتابة سطور أشغل بها مقالى ولكن لأن التعليم الفنى بالفعل أصبح قاطرة مهمة لتحقيق التقدم والحصول على فرص عمل محلية وإقليمية ودولية وربما فى كثير من الأحوال يعد مصدراً للدخل القومى من العملات الصعبة إذا أُحسن تطويره وتأهيل وتدريب الآلاف من العمال والفنيين المهرة وتصديرهم للخارج.

الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث باهتمام فى أكثر من مناسبة عن أهمية التعليم الفنى ودوره فى تحقيق التقدم والتنمية والحصول على فرص عمل حقيقية فى أسواق العمل المحلية والدولية.. خاصة أن هناك دولاً لم تكن تذكر بدأت تغزو على سبيل المثال أسواق العمل فى دول الخليج وتنافسنا الآن فى كثير من المهن والحرف.. وهو الأمر الذى يستوجب إطلاق مشروع قومى مصرى للاستثمار فى هذا المجال وعلى الأقل يجب أن نخرج سنوياً 50 ألف عامل وفنى فى تخصصات مطلوبة فى أسواق العمل الدولية والإقليمية ويكونون على أعلى درجات المهارة والتمكن.

لا شك أن تطوير التعليم الفنى عموماً مكلف ويحتاج ميزانيات ضخمة لكن على الأقل لدينا الأساس الذى نبنى عليه وهو المدرسة الفنية أقصد المكان وبعض الامكانات على اختلاف درجاتها يمكننا أن نحدد عدداً من المدارس للحرف والمهن الأولى بالرعاية لتطويرها على أعلى مستوى وبما يناسب إمكاناتنا.

الأمر المهم أيضا إلى جانب التوسع فى المدارس والجامعات التكنولوجية لدعم خريجى هذه المدارس الفنية فى الحصول على مؤهل جامعى إلى جانب التوسع فى المدارس اليابانية وإحياء التعاون والتجربة التى جرت مع ألمانيا فى وقت سابق وإيجاد شراكات مع الدول المتقدمة صناعياً مثل كوريا الجنوبية للتعاون ودعم التعليم الفنى أو الصين أو الدول الأوروبية.. ومن المهم وهذا من قبيل الاقتراح أن هناك شركات عالمية عملاقة تعمل وتستثمر فى مصر ومشروعاتها وفى جميع المجالات والقطاعات لماذا لا تلتزم بتدريب وإعداد وتأهيل 5 آلاف من طلاب المدارس الفنية سنوياً ونترك للدولة تحديد واختيار المجالات والحرف والاحتياجات المحلية والإقليمية والدولية وإرسال الأوائل منهم إلى بعثات ودورات فى هذه الدول موطن الشركات العالمية العاملة فى مصر ويجب أن يكون مبدأ عاماً شأنه شأن تعظيم المكون المحلى وهو جزء مهم أيضا من توطين الصناعة وتصدير العمالة.

الرئيس السيسى فى اعتقادى مشغول جداً بهذا الأمر وحديثه مستمر لا ينقطع سواء عندما أشار إلى أن الدولة مستعدة لتحمل أى تكاليف لإعداد وتدريب وتأهيل آلاف الخريجين وتقديمهم إلى أسواق العمل وقال أيضا إن الدولة مستعدة لانفاق من 10 إلى 12 مليار جنيه لإعداد وتدريب وتأهيل 100 ألف خريج مصرى.. لكن المشكلة فى ضعف المخرجات التعليمية والخريج نفسه فعند فتح باب القبول وإجراء الاختبارات بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نجح عدد محدود وهو ما يستلزم أهمية تمازج وتعانق واتساق جودة التعليم مع جودة التأهيل وبالتالى مستوى العامل والفنى وأصحاب المهارات من المصريين فى سوق العمل.

الرئيس السيسى خلال افتتاحه عدداً من المشروعات القومية للهيئة العامة للاستثمار تحدث عن نقطتين فى بالغ الأهمية فى تطوير التعليم الفنى.. الأولى أن هناك رجال أعمال وصناعة أقاموا مدارس للتعليم الفنى ونجحوا فى توفير خريجين التحقوا بالعمل فى مصانعهم أو وجدوا فرص عمل حقيقية وبسرعة كبيرة فى أسواق العمل فى مصر أو خارجها، الثانية أن هناك رجال أعمال وصناعة استفادوا من بعض المدارس الفنية من خلال دعمها وتطويرها وتأهيل وتدريب طلابها وبالتالى استفادوا من هذه العمالة التى جرى إعدادها وتأهيلها على أعلى مستوى.. هنا ولأن تطوير التعليم الفنى يحتاج تكلفة كبيرة لابد أن تتكامل جهود الدولة مع القطاع الخاص رجال الأعمال والصناعة والقلاع الصناعية الكبرى والشركات العالمية العملاقة العاملة فى مصر فلا نفوت فرصة فى استغلال هذا الجانب لأنه مكسب كبير لمصر ويجب أن يكون أحد بنود اتفاق التعاون بالاضافة إلى التوسع وتعزيز الشراكات بين مصر والدول الصناعية الكبرى لتطوير التعليم الفنى وتوفير احتياجاتها أيضا وبالتالى تفوز مصر بخريج مؤهل بأعلى درجة للعمل فى السوق المحلية أو أن يعمل فى الدول الأخرى.

الحقيقة أن ثمة مشاكل ومعوقات تواجه التعليم الفنى ربما تخرج بعضها من الوزارة ذاتها مثل التهاون فى تطوير ومتابعة وتقييم مدارس التعليم الفنى والنظر إليها نظرة أقل من التعليم العام وهو أيضا مشكلة مجتمعية ولها حل أولها خلق وعى وصورة ذهنية مختلفة عن التعليم الفنى وأيضا التوسع فى إقامة الجامعات التطبيقية والتكنولوجية وفرص التحاق خريجى التعليم الفنى بالجامعات لتمكينهم علمياً واجتماعياً وتغيير النظرة إلى التعليم الفنى.

أيضا من المهم القضاء على ظاهرة التوك توك الذى خسرت مصر بسببه أيادى «تتلف فى حرير».. فالصنايعى الآن السباك والنجار والكهربائى والمبيض وغيرهم يقولك على إيه الهم والتعب ده من الصبحية لآخر الليل طالما أقدر أشترى توك توك وأصحى على راحتى وأشتغل 3 أو 4 ساعات أجيب فلوس أكتر.. إذن هناك تأثير خطير وسلبى على العمالة الفنية.. أضف إلى ذلك إن التوك توك يساعد على التسرب من التعليم فنجد أن كثيراً من سائقى التوك توك أطفال. بالاضافة إلى أنه وكر وبؤرة للجرائم والمخدرات والسرقة وغيرها لذلك نحتاج مواجهة حاسمة لهذه الظاهرة القبيحة التى غزت شوارع وميادين ومحافظات مصر.. ومنه لله اللى كان السبب فهذه جريمة حقيقية فى تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وربما سيأتى اليوم المناسب بعد انتهاء الأزمة العالمية وتداعياتها على الجميع للتخلص من هذه الكارثة المسماة توك توك.

نحن أمام تحديات كبيرة فى مجال التعليم.. يجب على الأقل أن يكون هذا العام هو الانطلاق الحقيقى والصحيح نحو تحقيق الأهداف.. ولا نلتفت للمحبطين والمثبطين والمرتجفين وأصحاب المصالح.. لذلك فالتقييم المرحلى أولاً بأول مهم لاستكمال أو تصحيح أو تعديل أو إضافة حتى نضمن أعلى درجات الفعالية لآليات التنفيذ.

فى الجامعات لا يختلف الأمر.. نعانى من المظهرية فى الأداء ومقولة «كله تمام» وتكون المخرجات والنتائج غير متوازنة أو متسقة مع الوعود والتصريحات وبيانات ومعلومات ودراسات عليا مكررة وتقليدية ومنقولة لا تلبى ولا تواكب احتياجات العصر الذى نعيشه ولا تضيف جديداً.. هذا هو حال بعض الجامعات منها العامة والخاصة لذلك الرئيس السيسى يريد إصلاحاً حقيقياً يركز على المضمون والجوهر.. لم يتأخر فى توفير أى دعم وميزانيات ومتابعات أكد أهمية تأسيس الجامعات الجديدة على أسس موضوعية منها توقيع توأمة مع أفضل 10 جامعات فى العالم، الرئيس يريد مصر الأفضل فى كل شىء وعلى رأسها التعليم والجامعات.. لذلك المسئولون عن التعليم لابد أن تكون لديهم موضوعية وأمانة شديدة وعدم التركيز على المظهر بل الجوهر.. نريد خريجاً حقيقياً قادراً على المواكبة والمنافسة وليس خريجا ذهب للجامعة لقضاء أوقات سعيدة للتسلية والترفيه وعلاقات الحب التى تنتهى بكوارث مأساوية.. نريد اعتبار أن التعليم أمراً مقدساً وساحة الجامعة مكاناً للعلم والتعلم والاحترام وليس للحب والرومانسية والتقاليع والملابس الغريبة والشاذة.. وهنا أنا لا أقتحم حياة أحد أو خصوصيته ولكن طالما هدفنا الحفاظ على الهوية والشخصية المصرية يجب ألا نتناقض ولا نحول الأبناء إلى مسخ أو أسرى ثقافات وأفكار مستوردة يعانون التغريب والتزييف.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة