السبت 25 مايو 2024

قمر بني هاشم


يحيى أيوب

مقالات5-10-2022 | 15:42

(مِن أينَ أبدَأُ وَاللِّسانُ عاجِزٌ
عَن وَصفِ طه المُصطفى المُتَنَوِّرِ
لَو كُلُّ مافي الكَونِ مِن قَلَمٍ جَرى
يُدَوِّنُ في وَصفِكَ مِن أسطُرِ
لَتَوَقَّفَ القَلَمُ بِوَصفِك حائِراً
مَهما تَكونُ حِبارُهُ مِن أبحُرِ
وَيَقُولُ عُذرَاً سَيِّدِي خَيرَ الوَرى
فَلَقَد تَحَيَّرَ كُلُّ ما في دَفتري
في وَصفِكُم قرآنُ فِيكم يُجهَرا
يُتلى لِيَومِ الدِّينِ يِومِ المَحشَرِ
خُلُقٌ عَظِيمٌ آيُهُ مُتَيَسِّراً
في حَقِّكُم طه الحَبيبِ الأَنوَرِ
صَلَّى عَلَيكَ اللهُ ما قَلَمٌ جَرى
ما خَطَّ في الأَوراقِ مِن مُتَسَطِّرِ)

خلال أيام قلائل يفوح علينا الدهر بنفحة من نفحاته، وهي ذكرى ميلاد القمر الهاشمي، والكوكب الدرى خير خلق الله وأزكاهم من الأولين والآخرين، وتحتفل أمتنا الإسلامية جمعاء بيوم مولده صلى الله عليه وسلم وهو يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من شهر ربيع الأول، ففيه أخمدت نيران كسرى، وتكسرت الأصنام.

وفى ذكرى مولده كيف يكون الاحتفال؟

الاحتفال بذكرى مولده لا يكفى فيه هذه المظاهر التى يتم بها إحياء هذه الذكرى الكريمة وإنما يكون الاحتفال الحقيقي بأن يلزم كل مسلم نفسه بتطبيق أوامر الله قولا وعملا والانتهاء عما نهى الله عنه فيصل الانسان رحمه ويحب لإخوانه ما يحب لنفسه يقوم بمشاركة الناس فى آلامهم وآمالهم يفرح لفرح أخيه ويتألم لألمه تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

أية قيمة لاحتفالات تملأ الأرجاء دويا واتباع النبي صلى الله عليه وسلم متنافرون وقلوبهم شتى حتى طمع فيهم أعدائهم بسبب أنهم فى غفلة من أمرهم أصواتهم جوفاء وأعمالهم هباء غلبت عليهم أهوائهم الشخصية فهانوا على أنفسهم وعلى الآخرين والله يدعوهم ألا يهونوا.. قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران: 139.

نحن لا ننكر أن يجعل الناس من هذا اليوم الأغر مناسبة دينية يفرحون بها ويشعرون أبنائهم ببهائها وما كان لها من فضل عظيم على الدنيا بأسرها، ولكننا نريد أن يواكب ذلك وقفة نراجع فيها حساباتنا لنبين موقفنا مما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم لنصحح مسارنا ونتبع الطريق الذي يصل بنا إلى مرفأ الأمان ويحقق العزة التى تقوى بها أمة الإسلام ويعلو شأنها فيتحقق الخير لها وترد العدوان الذي يتكالب عليها من كل جانب وتعود المهابة التى يلقيها الله فى قلوب أعدائها.

ينبغي أن تبعث هذه الذكرى فى نفوس المسلمين العودة الى المؤاخاة التى وجهنا إليها الرسول فى قوله (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
ينبغي أن تبعث فينا الذكرى المباركة الصفاء مع النفس ومع الآخرين والأمانة لكل الناس والوفاء بالعهود وتحاشي الإيذاء والإضرار بالمسلمين، فالله تعالى يقول (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) سورة الأحزاب: 58.

وبذلك يكون للذكرى ثمرها الجني وحصادها العظيم.


*واجبنا فى ذكرى مولده:


- أن نطيل التأمل فى أخلاقه صلى الله عليه وسلم لنأخذ الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة بخير الأنام الذي أنقذ البشرية من ظلمات الجهالة والبغي والظلم وأقام موازين الحق والعدل، فارتفعت قيمة الإنسان وأصبح مكرماً عزيزا لا يحط من شأنه لون أو جنس، فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ سورة الحجرات : 13.
ولقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، كان قرآنًا يمشي على الأرض (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، سورة القلم : 4.
أرسله ربه رحمة للعالمين (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، المائدة: 16، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، سورة التوبة : 128، فهو الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير.

- يجب على كل مسلم أن يجعل من هذه الذكرى المباركة دافعاً ليتبين الطريق الصحيح الذي رسمه الإسلام ليسلكه من غير تخبط، حتى يتحقق للمجتمع الإسلامي الخيرية التى لا هوان فيها والعزة التى تعلى شأنه فلا يتخاذل أفراده ولا يتقاعسون عن نصرة بعضهم بعضا، فالمسلمون تتكافئ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم والتناصح بينهم يعصمهم من الخسران، فالله تعالى يقول «وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)».
 -على الأمة أن تتخذ من ذكرى مولده حافزًا لها ليجمع أمرها على كلمة الحق ليواجهوا عدوًا غاشمًا يتربص بهم الدوائر، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ) التوبة : (55).

- فى ذكرى مولده يجب أن نعرف أن مبادئ الإسلام التى جاءت بها دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تثبت القلوب على الحق وتسمو بالنفوس وتحفظها من الزيف والضلال وتحميها من السقوط أمام مغريات الدنيا مهما كانت وتحفظ المجتمع من فساد الضمائر وانحراف الذمم وتقيه من الغش والخداع فيرقى وينهض فلنجرب فى أيامنا هذه السير على الطريق الصحيح الذي أوضحه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم.

** إن الاحتفال بأيام الأمم وذكرياتها لا تؤتي ثمارها إلا بالعمل بمقتضاها والاستفادة من آثارها العظيمة التى أضاءت الزمن بمحامدها وبقيت على طول الزمان مجدا مؤثلا، والله تعالى يقول (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، سورة إبراهيم: 5.

*فى ذكرى مولده، ما أحوجنا إلى أن نوضح أن رسول الإسلام جاء خاتما للرسالات، فلم يكن بدعا من الرسل وإنما جاء متمما لمن سبقه من الرسل ولهذا قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة، فقال (إن مثلى ومثل الأنبياء قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زواية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) رواه الشيخان.
فالبيت فى الحديث هو الإسلام وأما بُناته فهم الرسل عليهم السلام، وأما اللبنة فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبدالله رسول الوحدة والختام والكمال والرحمة الشاملة.

الاكثر قراءة