الجمعة 3 مايو 2024

أكتوبر .. بذاكرة صبي مُهَجَّر

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

تحقيقات5-10-2022 | 21:00

لواء / إيهاب عطية

 

رأسى يحمل القليل مما كان قبل خروجنا من مدينتنا الإسماعيلية فور اندلاع حرب 1967، بالكاد أتذكر .. الطفولة الشجية، الأسرة الدافئة، المدينة البديعة، الحوائط الخرسانية التى أحاطت مداخل بنايتنا كإجراء احترازى بالحروب، الهجمات الجوية الإسرائيلية، صافرات الإنذار، الاختباء بمخابئ تحت الأرض.

 

وبليلة اشتدت فيها الهجمات أصاب صاروخ إسرائيلي أكثر من طابق ببنايتنا، فغادرنا بعدها أرضنا بسيارة جارنا الذى  ظل يردد طوال سيرنا عبارات فهمت منها أنه يشعر أحياناً  أنه يسير فوق أشلاء جثث من استُشهدوا بالقصف الجوي.

 

كانت رحلة سفرنا صعبة للغاية ليس لأجواء الحرب المخيفة وإنما أيضا للحزن الذى كان ممسكاً بنا، عند وصولنا لمشارف الزقازيق وجدنا أناساً كثيرين مصطفين في الطرقات بعضهم بادر بتهنئتنا بسلامة الوصول وآخرين استفسروا عن تفصيلات ما جرى في حين قام  بعضهم بتوجيه اسئلة مبللة بالدموع عن أهلهم بالإسماعيلية.

 

آلام التهجير

 

نزلنا ضيوفا على بعض أقاربنا ممن سبقونا إلى الزقازيق لعدة أيام بدأنا بعدها رحلة التهجير المؤلمة، فعلى مدار سنوات سبع تنقلنا بين أكثر من بلد كحال غيرنا من أبناء مدن القناة وسيناء الذين عاشوا مواقف صعبة من يوم أن غادروا ديارهم تاركين كل ما ملكوا من حطام الدنيا، فكم من هؤلاء  تحول لبائس يعيش على إعانة الشئون الاجتماعية وكم من أبنائهم توقفوا عن دراستهم، وكم...، وكم...، مآسي كنا دوماً نحيا بظلالها.

أ

صر والدى على البقاء بالإسماعيلية  ضمن قليلين ممن رفضوا مغادرتها رغم ظروف الحرب لذا فقد امتلك تجربة ثرية كان أحياناً ما يسرب لنا بعض جوانبها الموجعة، فكان يحكى مثلاً عما رآه من جثث متناثرة بمحطة السكك الحديدية، وعن الشاب الذى أطاحه صاروخ من على دراجته فأرداه قتيلاً، وعن الرجل الذى ألصقت قذيفة جثمانه بحائط بميدان الممر، وعن السيدة التي أخرجت قذيفة كل أحشائها و..و..و.. .

 

كان يتردد على بيتنا بمدينة ههيا كلما عاودنا والدى بعض الأمهات لسؤاله عن ذويهم ممن أختفى أثرهم، وكان من بينهن سيدة حُفرت طلتها بذاكرتي بثيابها شديدة السواد وحزنها وبكائها على ولدها الذى غاب عنها دون أن تدرى ما إذا كان استشهد أم أصيب أم ماذا ؟!.

 

كل شيء كان قاتماً، أسر تيتمت، أمهات فقدوا أبناءهم، تجار ضاعت ثرواتهم، أصحاب أعمال صاروا عالة، عائلات تشتت، أنباء تدمى القلب من بحر البقر ونجع حمادى بعد قصفهما بالطيران الإسرائيلي, و...و....و.....

كراهية للأبد

 

كانت  تتلبسنى كل معان الكراهية والرغبة في الانتقام عندما أطالع وجه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل  أو وزير دفاعها موشى ديان بالتلفاز والصحف، لذا عندما وقع السادات معاهدة كامب ديفيد كنت رافضا لها فكيف لمن عاش تجربتي أن يقبل وئاما مع من تسببوا في خرابنا وأحزاننا  ولايريدون بنا خيراً أبداً.

لم يكن في الصحف ما يثير اهتمامي سوى  ما كان يطرح من أنباء حول حرب الاستنزاف  التي استعاد فيها جيشنا عافيته و أخبار النادي الإسماعيلي الذى تحول لرمز التففنا حوله لنؤكد إصرارنا على انتمائنا لأرضنا.

 

كان جمال عبد الناصر يمثل لنا أكثر من معنى فهو لم يكن مجرد رئيس، ففيه كانت تتجسد آمالنا في محو عار الهزيمة والعودة لديارنا فلم نكن ندرك وقتها مسئوليته عما صرنا إليه، فأثار هزيمة 1967 أكبر بكثير جدا من كل ما حاولت رسمه بكلماتي من خلال عرض بعض المآسي التي لحقت بأبناء مدن القناة من جرائها،  فمصر كلها نزفت دماً ليس فقط على مدار أيامها الستة وإنما لسنوات أحسبها لم تنتهى للآن.

 

فمعظم ما لحق بمجتمعنا من ظواهر سياسية واجتماعية وأخلاقية ونفسية سلبية يعود جذوره  لتلك الهزيمة  الموجعة،  كما  أن أثارها السلبية تلك لم تقتصر على المجتمع المصري وحده وإنما امتدت أيضا لغالبية الدول العربية.              

 

رحيل ناصر

 

وفى ليلة لم أنساها، فَجعنا والدي بنبأ وفاة عبد الناصر، كان نعى أنور السادات  له  مؤثر جد خاصة حينما أخذ يردد عبارة (فقدت مصر والأمة العربية والعالم أجمع رجلا من خيرة الرجال وأعظم الرجال)  على نحو لم يكن  يوحى أبداً بمواقفه اللاحقة منه.

 

كان مشهد تشييع ناصر فريداً وغير مكرر، فعواطف شعبنا وآماله بشخصه كانت أكبر من أن تسمح بالوقوف عند خطاياه، فلم تكن جنازته قاصرة على القاهرة وإنما شملت مصر كلها تقريباً فقد شاهدت بعيني جنازة رمزية أقيمت له بههيا  كان الكل فيها غارقاً بأحزانه ودموعه.

 

الإسماعيلية من تانى

 

كان ارتباطنا بالإسماعيلية يفوق كل تصور لدرجة  أننا كنا نحتفظ ببعض من رمالها لننعش ارتباطنا بها لذا فعندما أخبرني والدى أنه سيصحبني لها كانت فرحتي طاغية، كانت صدمتي من حجم دمارها موجعة، لكنني سرعان ما استرجعت  سعادتي بعودتي لها.

حاولت تلمس خبرات زملاء والدى في التعايش مع ظروف  الحرب الصعبة، فطلعات الطيران الإسرائيلى لا تتوقف ليل نهار، فوجدت لديهم مخزونا عميقا من التفاؤل يحول دون وقوعهم ببراثن الخوف والحزن  الممسكة بتلابيب حياتهم، فحتى حكاويهم عن العفاريت وما يصادفونه بمدينة خاوية إلا من الدمار ورائحة الموت كانت ممزوجة بالضحكات.

 

كانت مشاهدتى لجنود الاحتلال يلهون على ضفاف القناة الشرقية بنظارة مكبرة، مشهداً مستفزاً مازالت تفاصيله حاضرة بذهني حتى الآن، طوال طريق عودتنا لههيا  كنت أحاول ترتيب افكاري بشكل يمكنني من سردها بطريقة مشوقة، فها أنا الآخر صرت أملك تجربة مثيرة.

السادات .. رئيسا

 

لم تلتقط ذاكرتي وقتها كثيراً من أحداث الصراع على السلطة عندما شاءت الأقدار أن يصعد السادات لسدتها، لكني أتذكر لاحقاً عناوين الصحف حينما تولى أحمد إسماعيل وزارة الحربية أما ملابسات اختيار سعد الدين الشاذلي لمنصب رئيس الأركان فقد  خبرت بعض أطرافها فيما بعد، فالسادات ظل يبحث عن قيادة لا تعترف بالأمر المحال إلى أن وجد ضالته في الشاذلي الذى لعب دوراً فوق العادة في إعداد الجيش لمعركة التحرير، وإن كان قد لاقى جزاء سنمار من السادات آنفاً.

 

طال انتظارنا لعودتنا لأرضنا فالأحوال العامة تسوء ووعود السادات تتكرر دون فائدة، فعام الحسم الذي وعدنا به لم يأت رغم مرور الأيام، كانت تلك الأجواء غير المواتية سبباً في غرق قطاع كبير من شعبنا بظواهر عبرت عن علله المرضية، فالأغاني التافهة انتشرت والمسرحيات الفاسدة والأفلام السينمائية الغارقة  بالفحش والابتذال شاعت وتمكنت.

 

كانت أحلامنا تتفرق وتتجمع حول شيء واحد لم يكن من المتصور تجاوزه  هو حتمية  تصحيح جيشنا لمساره وتحريره لأرضنا بمعركة حربية وليس بمعاهدات أو اتفاقات سلمية على نحو ما كان يطرح على ناصر والسادات.

 

فما حدث بيونيو 1967 لم يكن مجرد هزيمة عسكرية وإنما كان نوعا من الهوان، فقواتنا المسلحة لم تتمكن بالأساس من القيام بدورها ومعظم أفرادها عادوا من سيناء بتشوهات نفسية عميقة ضاعف منها بعض ردود الفعل المجتمعية الصادمة، فنظرة الشعب عموما لضباطها وأفرادها كان يغلب عليها نوعاً من عدم التقدير ولعل فيما أطلقه حينها أحمد فؤاد نجم من أشعار ما يجسد هذا بوضوح.

 

 ضباب ونكات

كانت سماء مصر ملبدة بغيوم  عبر السادات  بنفسه عنها حينما وصف عام 72  (بعام الضباب ) وهو ما كان محلاً لنكته شهيرة عبر فيها الشعب عن استيائه مما أعتبره تراخيا من جانبه في اتخاذ قرار الحرب، فالضحك عند المصريين له فلسفة صنعوها عبر تاريخهم  الطويل فهو يمثل نوعاً من المقاومة والمعارضة والسخرية ليس من حكامهم فحسب بل ومن أنفسهم  ايضاً.

 

وهذا السلوك يمثل نوعا من الحيوية فى التعاطى مع صعاب الحياة لكنه تحول مع مرور الزمن لسلوك سلبى يدفع إلى الاكتفاء بالتنفيس عن شحنات الغضب دون العمل على تحويلها لطاقة إيجابية تدفع باتجاه التغيير نحو الأحسن.

 

وجاء أكتوبر

 

حينما أهل رمضان من عام  1393 هجرياً استقبلناه كالعادة بفرحة إيمانية موافقة لموروثاتنا الدينية والثقافية، وبصباح يومه العاشر وبينما كنت أبتاع بعض الخضروات  والفاكهة من سوق كفر الإشارة  بالزقازيق  شاهدت  طيفاً من البشر متحلقين حول مذياع أحد المقاهي بطريقة لافتة وأصوات بعضهم تعلوا بعبارة .. الحرب قامت .. الحرب قامت..

 

بالرغم من أننا كنا ننتظر المعركة بفارغ الصبر لكن عندما اندلعت شرارتها انتابتنا مشاعر جمعت ما بين الفرح والخوف، فالحرب شيء مخيف بكل الأحوال لا سيما أن تجاربنا الحديثة معها مريرة واحتمالية تعرض أقاربنا وأصدقائنا من الضباط والجنود وغيرهم ممن استمروا من أهلنا في البقاء بالإسماعيلية لمكروه قائم بقوة.

 

 

مشاعر إنسانية طبيعية  لكن  المبالغة فى الوقوع تحت تأثيرها  إلى الحد الذى يدفع بالبعض للتأكيد على أننا لن نحارب ثانية  أمر غير منطقي ويعبر عن سوء فهم لحقيقة دورنا في الحياة، فصراع  الحق والباطل لن ينتهى، والحق بحاجة دائمة لقوة تُقيمه وتَنصره.

 

الجميع ببيتنا كان متحلقاً حول المذياع في انتظار أنباء تشفى غليل السنين لا سيما أن محتوى أول بيان عسكري لم يكن مريحاً بقدر كاف، فثقافتنا القانونية حينها لم تمكنا من استيعاب خلفية صياغته على النحو  الذى أظهر أن القوات الإسرائيلية هي التي بادرت بالاعتداء على قواتنا على عكس الحقيقة تماماً.

 

كان قرار الحرب مفاجئاً لشعبنا على نحو فاق ما شكله لعدونا الإسرائيلي من مباغتة، فنحن لم نعلم به إلا حينما أعلن بيان بدئها بينما بوادره وصلت لحكومته قبلها بساعات على أقل تقدير وليس كما يختزن الكثير منا بأذهانهم عن أن مفاجأتهم ظلت  قائمة إلى أن تحركت قواتنا الجوية باتجاه سيناء، فجوهر المباغتة تركز في أن توقيت علمهم بعبور جيشنا  لم يكن يسمح لهم باحتوائه.

 

ليت الزمان توقف

 

عندما أستعرض ذكرياتي عن تلك اللحظة أتمنى لو أن الزمان توقف بنا عندها فالعظمة كلها تجلت فيها، فعلى المستوى العام كان قرار الحرب يعكس جسارة رائعة من جانب السادات، وأداء جيشنا جمع بين كل الشمائل، والحكومة هيأت مناخاً مناسباً صنع ظهيراً متماسكا لقواتنا، أما شعبنا فأظهر أحسن ما فيه من خصال وطبائع إنسانية.

إن معدن الشعوب الأصيل ينبغي أن يكون سمتاً طبيعياً لها سواء في أوقات الرخاء أو الشدة فهم يبنون حاضر ومستقبل أوطانهم بالعمل الدؤوب المستمر لذا فإنني أمقت كثيراً عبارة  (إن الشعب المصري يظهر معدنه الأصيل في أوقات الشدة) لأنه ليس هكذا تبنى الأوطان. 

 

تابعنا بشغف البيانات العسكرية رغم خبرتنا السلبية بها فقد ضللت  الشعب  في يونيو 1967، وهكذا خبرنا برفع علمنا على سيناء، وتابعنا معركة تحريرالقنطرة شرق، واشتباكات الدفرسوار التي انتهت بإجهاض محاولة نفاذ للإسماعيلية قامت بها سبعة دبابات إسرائيلية، وعملية استسلام الإسرائيلين بموقع تبة الشجرة بالضفة الشرقية.

 

فيضاً من السعادة  غطى سماء حياتنا فها هو جيشنا  انتفض وحطم خط بارليف وعبر قناة السويس وبدء يحرر أرضنا، وها هم الإسرائيليون يتجرعون مرارة الهزيمة التي ذقناها مراراً وتكراراً منذ عام 1948 وكسرت أنوفهم بشكل عكسه ما بثه  التليفزيون من مشاهد لأسراهم وتصريحات للعقيد عساف ياجوري قائد كتيبة المدرعات الذى استسلم لقواتنا.

حينما كنا نصادف مركبات جنودنا بشوارع الزقازيق نسارع بالهتاف لهم بعبارة  (محمد أفندي رفع العلم وطول رؤوسنا ما بين الأمم ) تعبيرا عن أمتناننا لجيشنا وتقديرنا لأول جندي تمكن من رفع العلم على سيناء .

 

         ثغرة فى قلوبنا

 

وسط هذا الزخم من البهجة، فوجئنا بأنباء إحداث الإسرائيليين لثغرة بين قوات جيشنا الثاني والثالث، وأن رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير زارت موقع قريب من السويس  لتؤكد نفاذ قواتها  لأرضنا، وتواكب مع  هذا أخبار عن تسيير أمريكا لخطوط إمداد لإسرائيل بالأسلحة والعتاد.

 

يا ربنا .. سنُهزم مرة أخرى؟ .. ولن تعود أرضنا .. كلمات كنا نرددها  بعفوية شديدة لتعبر عن  الشك الذى بدأ يتسرب لنفوسنا، فالوساوس والمخاوف تجددت من عدم مصداقية البيانات العسكرية، لكننا سرعان ما استعدنا توازننا، فهناك حقائق تؤكد عبور جيشنا حتى لو كان ما ينقله الإعلام  لنا يحتوى على نسبة من المبالغة والخداع.

 

لم ننشغل بالوقوف على أسباب الثغرة وحصار جيشنا الثالث بالسويس أو بالخلاف الذى نشب يومها بين السادات والشاذلي لكنني بالطبع قرأت لاحقا كثيراً مما كُتب عنها على نحو أقنعنى بالانتصار لرواية الشاذلى، فخبراته الحربية أعمق ودرايته بوقائع ما كان على الأرض أكبر وحدود السياسة عنده أنقى وأطهر.

 

بدأنا نسمع عن بطولات الشيخ  حافظ سلامة الذى قاد المقاومة الشعبية بالسويس وحال مع البسطاء من مواطنيها دون استسلامها بعد أن قاوموا الإسرائيليين وألحقوا بهم خسائر فادحة على الرغم من قلة التسليح وضعفه وظروف الحصار القاتلة.

 

عندما بدأت مفاوضات فض الاشتباك كان كل ما يهمنا أن يرحل الإسرائيليون، فلم ننشغل بما كان يدور فيها وقتها، لكننى أغرقت نفسي لاحقاً فى التعرف على ما صار، فأيقنت  أننا لم نحسن استغلال أوراقنا لتسرع السادات وانفراده بالرأى وتسليمه بامتلاك أمريكا لكل أوراق اللعبة كما كان يردد دائماً، فالاستبداد آفة كفيلة بمحق أعظم الإنجازات.

    أكتوبر .. المعنى والبطولة

 

كانت سعادتنا غامرة حينما سمح لنا بالعودة، أخذنا أثاثنا واتجهنا سريعا للإسماعيلية دون تفكير أو ترتيب فكل ما كان يهمنا أن نُلقى بأنفسنا بأحضانها ليندمل جرح السنيين وإن كانت آلامه أكبر من النسيان فقد عشنا منذ أُجبرنا على التهجير نبيت ونصحوا وشاغلنا الوحيد أن نرى لحظة عودتنا.

 

من هنا فأكتوبر 73 له وقع مختلف بداخلى مهما مضت الأيام، أكتوبر الذى يتصدر بطولته أجيال من المصريين ممن حاصرت أعمارهم سنينه، فهم من خرجوا بعــد هـزيمـة يـونـيو بـأربعــه أيـام يزأرون (هنحارب)، وبعدها تظــاهــروا ليــعبــروا عــن رفــضــهم لأحكام عسكرية طالت بعضاً من قادة الهزيمة، وهم من تحملوا الفقر والجوع وربطوا الحزام دون ضجر إيمانا بمعركتهم.

 

وهم من تحمـلوا مـن كان ينتمى منهم لمدن القناة مرارة الغربة والتهجير،  و لـم يثنيهم رحيل ناصر عن استكمال الطريق،  بل وزأر شبـابـهم بوجـه السادات عنـدما تصــوروا أنه غير جـاد، وشبابهم الذى قضى ما يقرب من سدس أعمارهم تحت السلاح بالجيش راضين حبا وإيمانا، وهم من استشهد من أبنائهم ما يزيد عن ثمانية آلاف وخمسمائة بالإضافة لعشرين ألف جريح، هؤلاء هم صناع أكتوبر الحقيقيون لأنهم من دفعوا الفاتورة كاملة.

 

فأكتوبر صنعه أولئك البسطاء الذين ضحوا بسنوات عمرهم وعرقهم ودمائهم فى سبيل نصر استفاد منه غيرهم ممن ركبوا الموجه واستغلوا مناخ السداح مداح الذى ساد بعده، فحصدوا الثروة والجاه والمكانة، المدهش أن السينما التى لم تخلد أكتوبر كما ينبغى سجلت ذهاب حصاده لغير من صنعوه بمشاهد كاوية كتلك التى احتواها فيلم (زمن حاتم زهران) ففيه ما يكشف كيف سرق أكتوبر؟ ومن الذى نشله من أصحابه ؟!

 

Dr.Randa
Dr.Radwa