الإثنين 29 ابريل 2024

الواقعية.. خيار السينما الأول

مقالات12-10-2022 | 20:54

لا شك أن الواقعية هي خيار السينما الأول الذي انطلقت منه وتوجهت به لجمهور المشاهدين في كل مكان، ولا شك أن هناك اختلافا كبيرا في طبيعة المشكلات التي يمر بها الإنسان في مستهل الألفية الثالثة، نتيجة لتغير نمط الحياة على مختلف الأصعدة، وتأثر العلاقات الاجتماعية بالواقع الجديد، حيث انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي بسلبياتها وإيجابياتها، وزادت إمكانيات التواصل وحرية التعبير عبر مواقع وصفحات الإنترنت بشكل غير مسبوق بفضل ثورة الاتصال، وترسخت فكرة الفضاء المفتوح وتأكد مفهوم العالم قرية صغيرة وأصبح واقعا حقيقيا وليس مجازًا. والسينما هي الفن الأكثر شعبية والأكثر توجها للفئات الاجتماعية المختلفة، خاصة أنها تنزع منذ ظهورها أواخر القرن التاسع عشر إلى التعبير عن واقع الحياة اليومية، وتصوّر مختلف أشكال هذا الواقع، من خلال تحويل كل ما يحدث حولنا من مواقف وحكايات عن الحب، والقهر، والحرب، والسلام، والمحبة، والصداقة، والعداوة، والألفة، والجنس، والدعارة، والسرقة، والفساد، والخيانة، والوفاء، والغدر، إلخ، إلى قصص مثيرة ومدهشة في أفلام متنوعة، ساهمت في إمتاع الجماهير، وعملت من أجل قضية الإنسان ورفاهيته، فحرضت على التمرد ضد مظاهر الزيف والفساد والقهر، وبثّت رسائل وحِكم ومقولات لصالح الإنسان، ودفعت إلى التغيير، وأدت دورا مهما في حثّ المشرع على سن وتعديل بعض القوانين، كما وثقت، في جزء منها، أمكنة وشخصيات ووقائع، بما يجعلها الديوان البصري المعبر عن قضايا الإنسان وحياته اليومية وطموحه وأزماته وسجل أحداثه خلال مراحل تاريخية فاصلة في حياة الشعوب.

ولا غرو في ذلك، فالسينما بدأت إخبارية وتسجيلية، وكان الجمهور في مصر يذهب ويدفع ثمن تذكرة لمشاهدة مجموعة من الصور المتحركة من الواقع مثل مشاهدة القناطر الخيرية، ووصول القطار إلى المحطة، ومشاهدة جنازة مصطفى كامل باشا، وعودة سعد زغلول من الخارج، وغيرها من الأحداث والمناسبات اليومية. لقد تم إنتاج وعرض عشرات المناظر لوقائع حقيقية، وكان الجمهور يذهب فرحا للتمتع بمشاهدة صور متحركة على شاشة ساحرة تأخذه إلى فضاءات أخرى غير معتادة. حتى أن أول فيلم روائي طويل في مصر "في بلاد توت عنخ آمون" عام 1923، اعتبره البعض تسجيليا، حيث جنح إلى توثيق صور الآثار المصرية، وتمحور حول اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وعمل على تصوير الآثار الفرعونية.

ظهرت السينما لأول مرة في شهر ديسمبر من عام 1895 عندما أقيم أول عرض سينماتوغرافي في قبو مقهى جراند بباريس بعد أن  استطاع الأخوان لوميير اختراع جهاز يتيح عرض الصور المتحركة على الشاشة، وكانت مصر ثاني دولة في العالم تدخل إليها السينما وكان أول عرض في مصر في فبراير 1896.

جاء الأخوان لوميير (أوجست ولويس) إلى السينما من عالم التصوير الفوتوغرافي، ووجدا في الاختراع الجديد فرصة جيدة لنسخ الواقع، ومعظم أفلامهما كانت عبارة عن تصوير لأحداث: قطار يصل إلى محطة سيوتا، وعمال يخرجون من مصنع لوميير للفوتوغرافيا...، وهكذا. لقد كانت أفلاما بدائية مذهلة، ولم تكن تحكي قصصا، لكنها كانت تنسخ مكانا، وزمانا، وأجواءً، بدرجة ناجحة حتى أن الجمهور كان شغوفًا لرؤية هذه الظواهر. وكانت السينما المصرية هي التعبير السينمائي العربي الوحيد حتى بعد منتصف القرن العشرين. ومع قدوم الستينيات وتحرير البلاد العربية من الاستعمار، بدأ تدفق الإنتاج السينمائي في سوريا والعراق شرقا وتونس والجزائر والمغرب غربا. وخلال العقود التالية ظهرت في مصر والبلاد العربية أفلام هامة ومخرجون جدد حظيت أعمالهم بالتقدير العالمي، إلى جانب المخرجين المخضرمين. وارتبطت السينما بالواقع منذ بداياتها الأولى، وقدمت أفلامًا عن المرأة، واالمدينة، والمجتمع، والصحراء، والبدو، والعلاقات الاجتماعية، وناقشت المهن والوظائف والعلاقات الرومانسية، إلخ.  

لم يكن التطور الذي لحق بالسينما مختصا بالسينما المصرية فحسب؛ إنما لحق أيضًا بالسينما العربية، حيث برزت بعض السمات الجديدة في أفلام من لبنان، والمغرب، وتونس، والإمارات، والسعودية، والسودان...، وغيرها من الدول العربية. 

Dr.Randa
Dr.Radwa