الأحد 12 مايو 2024

المسارات الخلاقة.. والمحاور المتوازية «13/13»

مقالات4-11-2022 | 22:05

بعد العرض لأسباب التحديات والأزمة العميقة التى واجهت مصر وعانت منها على مدار 50 عامًا باتت الحلول فى ظل هذه المعطيات مستحيلة فى ظل تداخل وتشابك الأولويات.. وهو ما يجعل أى صانع قرار فى حيرة من أمره.. لكن جاءت تجربة الرئيس السيسى فى الإصلاح والبناء والتنمية مرتكزة على الوضوح والثقة والجرأة والشجاعة على اقتحام التحديات والأزمات وخوض تجربة الإصلاح وإنفاذ هذا المسار اعتمادًا على رصيد وافر من ثقة المصريين وهو ما حقق القبول الشعبى للتجربة والمسار الإصلاحى.

فلم تغل هذه التحديات والأزمات وتشابكها يد رؤية الإصلاح والبناء.. ولم تفزعها أو تربكها.. ولكن جاءت وفق خطوات واضحة وواثقة ومحددة ومتوازنة ليكون الإصلاح فى كافة المجالاتوالقطاعات فى تزامن وتوقيت واحد فى كل ربوع البلاد.

الأفكار الخلاقة.. واستراتيجية المحاور المتوازية حلت إشكالية الموارد المحدودة للإنفاق على عملية البناء والتنمية.. خاصة بعد أن تولد لدى الأشقاء والأصدقاء انطباع أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى وأن الدعم عبر سنوات شكل ثقافة للاعتماد عليها لحل الأزمات والمشكلات وهو ما استدعى أهمية الاعتماد على أنفسنا.
 
بعد أن باتت الحلول مستحيلة فى ظل معطيات التحديات والأزمات المتشابكة وانطباع الدول الشقيقة والصديقة أن مصر غير قادرة على الوقوف مرة أخرى.. من هنا استلزم الاعتماد على أنفسنا

المسارات الخلاقة.. والمحاور المتوازية «13/13»
 
 
وصلت المعاناة والأزمة العميقة فى مصر إلى ذروتها خاصة بعد نشوب أحداث يناير 2011.. والتى جاءت لتقضى على ما تبقي من قدرات الدولة وتزيد من تحديات وتعقد وتشابك الأزمة وتفاقمها.. والتى كادت تقضى تمامًا على حاضر ومستقبل الأمة.. فلم تكن الدولة المصرية وما تعيشه من أزمات عميقة على استعداد لتلقى ضربات أكثر قسوة وألمًا تزيد من طين الأزمة بلة.. وجاءت خسائر يناير 2011 لتحدث زلزالاً مدويًا على مختلف الأصعدة سواء على المستوى الاقتصادى والسياسى والأمنى أو على المستوى الإقليمى والدولى.. وخلقت حالة من الفوضى وغياب الأمن والاستقرار والثقة وهو الأمر الذى أدى إلى هروب وانسحاب الاستثمارات والشركاء الأجانب العاملين فى بعض المجالات والقطاعات ثم تراجع السياحة كمورد إلى أدنى مستوياتها.

ربما كان هدف البعض من المصريين هو الخلاص من تلال الأزمات والمعاناة ولكن تحول هذا الهدف إلى كابوس.. وأدى إلى تعقيد الأمور.. ليس فقط فى زيادة تفاقم الأمور ولكن أيضًا فى إفساح المجال أمام تنظيم الإخوان الإرهابى للسيطرة على المشهد نتيجة الخداع والتدليس الذى مارسته الجماعة على مدار العقود التى سبقت يناير 2011.. وأيضًا من خلال المتاجرة بالدين.. حتى نجحوا فى خلق وعى مزيف عن قدرة الجماعة على قيادة المشهد والزعم بأنها جماعة وسطية معتدلة لديها كوادر قادرة على التغيير.. وهو ما لم يتحقق تمامًا.. وظهر الإخوان على حقيقتهم يعانون من حالة الإفلاس والتصحر فى الرؤية والقدرة على قيادة دولة فى حجم مصر أو امتلاك مشروع البناء الحقيقى لإنهاء الأزمات والتحديات.. واكتشف المصريون هذه الحقائق بعد أقل من 100 يوم من تولى الرئيس المعزول محمد مرسى الحكم.. حيث فشل برنامجهم المزعوم و«الفشنك».. فى تحقيق الوعود التى التزموا بها أمام الشعب بل زادت أوجاع المصريين ومعاناتهم من فرط فشل الإخوان.

ضاعت على مصر 18 شهرًا منذ نشوب أحداث يناير 2011 وحتى وصول الإخوان المجرمين إلى الحكم بسبب توقف العمل والإنتاج فى البلاد وانتشار الفوضى وغياب الأمن والاستقرار والمظاهرات الفئوية والشغب والمزايدات التى قادها الإخوان والمرتزقة ثم عام آخر أسود خلال حكم الجماعة أضاع على مصر فرصة للعمل والبناء.. بعد فشل الرئيس المعزول محمد مرسى فى حل ومواجهة الأزمات والتحديات وبسبب ممارساته وسياساته التى لم تخدم سوى الجماعة.. ولم تركز سوى على السيطرة والتمكين وعدم امتلاك الرؤية أو الكوادر التى تستطيع أن تجابه التحديات التى تواجه مصر.. وشكل عام الفشل تحت حكم الإخوان عبئًا جديدًا وتفاقمًا لأزمتها العميقة بل والانهيار السياسى والاقتصادى والأمنى والاجتماعى نستطيع طبقًا لتشخيص الرئيس عبدالفتاح السيسى للحالة المصرية والأزمة العميقة التى عاشتها البلاد على مدار 50 عامًا أن نرصد الأسباب الحقيقية التى أدت إلى تفاقم الأزمات والتحديات التى واجهت مصر وأخرت مسيرتها نحو الإصلاح والبناء فى مجموعة من النقاط للتذكير بها قبل الدخول فى تفاصيل البند الأخير من رؤية وتشخيص الرئيس السيسى لأسباب الأزمة العميقة فى مصر على مدار خمسة عقود.

غياب الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية والمسارات الإصلاحية تسبب فى تفاقم أزمة مصر العميقة.

غياب المساندة والدعم السياسى والفكرى والثقافى والإعلامى والدينى لمسارات الإصلاح.. ولم تشكل هذه النخب رؤية للإصلاح أو الإدراك لأهميتها.. ولم تعمل على تشكيل وقيادة الرأى العام لقبول الإصلاح والحلول الجذرية.

شكلت محصلة الضغوط الخارجية والداخلية تحديًا كبيرًا خاصة أنها كانت تتطلب دعمًا شعبيًا.. ولم يكن الرأى العام مستعدًا لتحمل تبعات الحلول الجذرية والإجراءات الإصلاحية فى ظل حالة العوز والفقر على مدار سنوات.

الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية والرؤى والمسارات الإصلاحية اصطدمت دائمًا بمحاذير الحفاظ على استقرار الدولة الهش.. وهو ما شكل فزاعة لدى صناع القرار والأجهزة الأمنية وجاءت تقديرات المواقف لتحذر من مغبة المضى فى المسارات الإصلاحية.

ممارسات الإسلام السياسى خاصة جماعة الإخوان الإرهابية من تشكيك وتشويه وهو ما انعكس على حجم الثقة فى قدرة الدولة على إيجاد مسار ناجح للحلول والإصلاح فى ظل الخيارات الصعبة وهو ما كان يستلزم عملاً شاقًا ومستمرًا لكنه لم يكن متوافرًا فى ظل أجواء التشكيك والتشويه والتسفيه التى قادتها جماعة الإخوان الإجرامية وأذنابها من باقى جماعات الإسلام السياسى المضلل.. رغم أن الجماعة الإرهابية فشلت على أرض الواقع خلال عام حكمها الأسود.. واتضح للمصريين أنها لم تكن لديها الرؤية أو مشروع حقيقى لإعادة بناء الدولة وجهلها وعدم إدراكها لحجم التحديات ورؤى وآليات المجابهة.

سوء حالة الجهاز الإدارى للدولة من ترهل وتكدس وتضخم وروتين وبيروقراطية وفساد وغياب الكفاءة فى جزء كبير منه لم يكن مواكبًا أو جاهزًا لتنفيذ المسارات الإصلاحية بل إن الجهاز الإدارى والمفترض أن ينفذ عملية الإصلاح يحتاج هو نفسه إلى إصلاح حقيقى.

ردود الأفعال الشعبية والجماهيرية كانت تشكل دائمًا حجر عثرة أمام مسارات الإصلاح وشكلت فزاعة لدى صناع القرار وتقديرات الأجهزة الأمنية خاصة عقب تجربة 1977 والتى جاءت تكلفتها أعلي من عوائدها.. وقوبلت بالشغب والاحتجاج وهو ما شكل خطورة على استقرار الدولة الهش.. فتراجعت دائمًا إلى نوايا للإصلاح.. وهو ما نجح الرئيس السيسى فى تجاوزه من خلال رصيده الوافر لدى المصريين فى تمرير مسار الإصلاح والذى قوبل بالتفاف ودعم شعبى.. وقبول فحقق نجاحات وإنجازات كبيرة رغم تحفظات مؤسسات وأجهزة الدولة ورفضها لتنفيذ مسار الإصلاح بحسابات الحفاظ على الاستقرار.

رصيد القيادة السياسية خلال الـ 50 عامًا لم يكن كافيًا لتمرير مسارات الإصلاح ولم يكن بالقوة اللازمة ليشكل قاعدة لانطلاق خارطة طريق صعبة ومريرة تحتاج لسنوات عمل شاقة وطويلة.. لكن رصيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لدى المصريين.. وشعبيته المرتكزة على الثقة والاطمئنان والمواقف المضيئة فهو البطل والمنقذ.. لذلك نجح فى تمرير مسارات الإصلاح انطلاقًا من أدبيات البطل أو المواطن الذى أوكلت إليه أمانة قيادة مصر باستدعاء شعبى منقطع النظير وهو ما أدى إلى نجاح مسار الإصلاح.

تسببت الحروب والصراعات التى خاضتها مصر وفرضت عليها فى إنهاك قدرات الدولة.. وأدت إلى تفريغ والقضاء على هذه القدرات وهو ما أدى أيضًا إلى تفاقم الأزمات والتحديات.. واستفحال الأزمة العميقة التى تعانى منها مصر فى الأصل.

جاءت عقبات الإصلاح كثيرة ومتعددة لكن تبقى نقطة مهمة وهى غياب الوعى والفهم لدى النخبة المسئولة المنوطة بتنفيذ مسار الإصلاح وتشخيص ما نحن فيه.. ومتطلباته وإدراك آليات العبور من الفجوة التى تعانى منها البلاد.

 تفاقم الأزمات والتحديات نظرًا لتجمد مسارات الإصلاح والإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية أدى إلى ارتفاع تكلفة الإصلاح نفسه وهو ما أدى أيضًا وفى ذات الوقت إلى تعاظم وتعقد وتشابك الأزمات والتحديات والأخطر أنه رسخ حالة من الإحباط لدى الأغلبية مع تصدير مقولة «مفيش فايدة» وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.

 أيضًا لم تستطع الدولة أو صناع القرار أو القيادات السياسية السابقة بناء سياق فكرى للإصلاح وعدم امتلاك لرؤى الإصلاح الشاملة.. واختزلتها فى رفع أسعار بعض السلع دون وجود مسار واضح للإصلاح.. وهو ما يجسد عمق الرؤية وعبقريتها فى تجربة مصر السيسى والتى امتلكت الرؤية الشاملة والإمساك بها وقيادتها بحيث تشمل كافة المجالات والقطاعات فى توقيت واحد.. وفى كل ربوع البلاد.. والاعتماد على المصارحة والمكاشفة فى كل خطواتها.. وتميزت التجربة المصرية فى عهد السيسى بالطابع الإنسانى فى الانحياز للفئات الأكثر احتياجًا من خلال تحصنها ووضع مظلة حماية اجتماعية لحمايتها من تبعات الإصلاح وأن تعود عليها عوائد وحصاد الإصلاح نفسه.. وهو ما ترسخ فى القضاء على فيروس سى.. وقوائم الانتظار و100 مليون صحة والقضاء على العشوائيات والمشروع الأعظم فى تاريخ مصر حياة كريمة لتطوير وتنمية الريف المصرى والذى يستهدف توفير الحماية الاجتماعية لقرابة 60 مليون مواطن مصرى بتكلفة تقترب من تريليون جنيه.. إذن كانت ومازالت فلسفة الإصلاح وسياقه حاضرة فى تجربة الـ ٨ سنوات سواء فى تخليص المصريين من تلال المعاناة والأزمات واتخاذ القرارات التى تحمى الأمة المصرية وليس مقصودًا بها حماية النظام.. أى حماية الوطن وليس شخصًا بعينه وهو ما أدركه المصريون بصدق التوجه والإصلاح.. وهناك أيضًا بعد آخر.. وعيب خطير.. هو قياس الرضا الشعبى وفقًا لما يتحصل عليه المواطن مباشرة على حساب بناء الوطن وتعظيم قدرات الدولة.. وهذا الإفراط فى إرضاء المواطن يؤدى إلى تهاوى القدرات واستفحال الأزمات والمعاناة وما جعل تجربة الـ ٨ سنوات الأكثر نجاحًا هو التوازن بين تلبية احتياجات الموطن.. وبناء الدولة فى مسارين مهمين لتوظف الناتج المحلى بشكل مثالى فى خدمة المواطن والوطن دون إفراط أو تفريط.
لكن السؤال المهم.. كيف تداركت تجربة «مصر - السيسى».. أسباب المعاناة للأزمة العميقة التى عاشتها مصر على مدار 50 عامًا؟

حضور الرؤية الشاملة والسياق الفكرى لدى القيادة السياسية.. والإدراك الحقيقى لحتمية الإصلاح فى ظل هذا التوقيت بعد تفاقم التحديات والأزمات والتى شكلت خطورة على حاضر ومستقبل الأمة.

امتلاك القدرة على تمرير مسار الإصلاح اعتمادًا على الرصيد الوافر لدى الشعب والشعبية منقطعة النظير.. وتحقيق القبول والالتفاف الجماهيرى حولها.

 الصدق والوضوح فى الطرح.. والجدية فى تحقيق الأهداف.. وبناء السياق الفكرى والإصلاح والجرأة والشجاعة فى اتخاذ القرار الذى يستند على تحقيق مصلحة الوطن وحمايته.

التواصل المستمر مع المواطنين.. وعرض الحقائق والبيانات والمعلومات وشرح التحديات بلا تجميل أو مواربة أو دغدغة المشاعر والحرص على الصدق والمصداقية وهو ما خلق وعيًا حقيقيًا وفهمًا صحيحًا لحتمية وأهداف الإصلاح وهو ما جعل الشعب يتقبل مسار الإصلاح.

الوعى بأهمية الحفاظ وحماية الفئات الأكثر احتياجًا غير القادرة على تحمل أعباء وتبعات المسارات الإصلاحية ودعمها بأشكال مختلفة للحماية الاجتماعية مباشرة وغير مباشرة.. والتوسع فيها وتوافر الاحتياجات والسلع الأساسية وكافة سبل الدعم بأسعار مناسبة وجودة عالية.

الاحتشاد الوطنى خلف دعم الإصلاح.. سواءً إعلاميًا وفكريًا وثقافيًا.. ومجابهة حملات التشكيك والتشويه للإعلام المعادى الذى تديره قوى الشر وجماعة الإخوان الإرهابية على مدار 8 سنوات من ترويج الأكاذيب والشائعات والتحريض.

الاستسلام وحتمية تنفيذ مسارات الإصلاح واتخاذ الإجراءات الحاسمة والحلول الجذرية.. فلم يعد هناك سبيل غير الإصلاح فى ظل المعطيات الكارثية.. والأوضاع المأساوية التى يعانى منها الاقتصاد.. والخدمات والأزمات التى تحاصر الناس.. فالحلول فى ظل المعطيات باتت مستحيلة خاصة مع تداخل الأولويات.. «فمن أين تبدأ».. لكن الله سلم وقد يسر أمرًا آخر.. وهو المضى فى طريق الإصلاح والبناء والتنمية.. فالرئيس السيسى قرر أن يمضي فى مسار الإصلاح ليشمل كافة المجالات والقطاعات وفى جميع ربوع البلاد بوضوح وإرادة وإنجاز سريع.. يسابق الزمن وطبقًا لأعلى المعايير والمواصفات ومستشرفًا المستقبل فى البناء لخلق حاضر ومستقبل أفضل للأجيال القادمة متسلحًا بالشرف والإخلاص والوطنية وإعلاء مصلحة الوطن.. وبالالتفاف الشعبى.. والحرص على ترجمة عوائد الإصلاح فى تغيير حياة المواطن للأفضل.

الحقيقة وبمنتهى الموضوعية أن أى رئيس جمهورية غير الرئيس السيسى.. عندما تولى المسئولية كان ينظر إلى الأوضاع وتلال الأزمات والتحديات والتى أصبحت الحلول فى ظلها مستحيلة مع تداخل الأولويات كان سيقف عاجزًا مستسلمًا أمام طوفان التحديات التى واجهت الدولة المصرية عقب أحداث يناير 2011.. وثورة 30 يونيو العظيمة وبينهما عام الإخوان الأسود والفاشل.. ناهيك عن عقود طويلة من تفاقم التحديات والأزمات.. لكن الرئيس السيسى.. كان واضحًا فى رؤيته وعزمه وإرادته فى تغيير هذا الواقع وإنهاء عقود الأزمات والتحديات ووضع مصر على طريق الإصلاح من خلال إجراءات وحلول جذرية ترتكز على وضوح الرؤية.. وإدراك محدودية القدرات والموارد مع وجود أفكار خلاقة أدت إلى حل هذه الإشكاليات لكنه استطاع تحقيق النجاح.. والعبور بمصر من بحر الأزمات والتحديات الهائج.. ومازال يحقق نجاحات وإنجازات.. ولديه إصرار وعزيمة على مواصلة طريق البناء والتنمية والتقدم فرغم ما تحقق إلا أن الرئيس السيسى يعتبره مجرد خطوة من ألف خطوة.. وأن مواصلة طريق البناء والإصلاح يرتكز كما تساءل الرئيس السيسى عن مدى إدراكنا للحلول المتاحة ودرجة كفاءتها.. ومدى استعدادنا لتحمل التكلفة شعبًا وحكومة وقيادة.. فالحقيقة التى لا لبس فيها أن بناء الأمم والأوطان وطبقًا للتجارب الحاضرة أمامنا لا يتحقق إلا بالعمل والصبر والتضحية والقدرة على التحمل لجنى ثمار الإصلاح والبناء المتواصل.. وهو ما يقطع الطريق على تفاقم التحديات والأزمات وتحقيق الاستقرار الفعلى الراسخ.. حتى الأمم المتقدمة تواجه أيضًا تحديات فهى لا تنتهى أبدًا لكن باستمرار العمل ورفع جودة التعليم وامتلاك الرؤى والأفكار الخلاقة تتجاوز الأوطان تحدياتها.. وتمتلك دومًا القوة والقدرة الشاملة والمؤثرة التى تحقق غايات الأوطان فى الحماية والحفاظ على أمنها واستقرارها وتلبى آمال وتطلعات الشعوب.

الحقيقة نحن أمام نقطة مهمة تحدث فيها الرئيس السيسى فى ختام كلمته فى افتتاح المؤتمر الاقتصادى فى 23 أكتوبر الماضى وهى الخاصة بدعم الأشقاء والأصدقاء.. وحرص الرئيس السيسى دومًا على توجيه الشكر والتحية والامتنان لمواقف مضيئة  لدول «السعودية والإمارات والكويت».. والتى قدمت دعمًا وفيرًا.. ومساندة صادقة للدولة المصرية فى أوج أزماتها.
الحقيقة أن حديث الرئيس السيسى فى افتتاح المؤتمر الاقتصادى كان واضحًا وشفافًا عن هذا البعد المتعلق بمساعدات الأشقاء والأصدقاء.. خاصة أن الأشقاء والأصدقاء تولد لديهم انطباع أن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى وأن الدعم والمساعدة عبر سنوات شكل ثقافة للاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل وهو ما استدعى أهمية الالتفات للاعتماد على أنفسنا خاصة من خلال مسارات خلاقة بتجاوز محدودية القدرات وعن طريق استراتيجية المحاور المتوازنة.

والحقيقة أن هذا الحديث الواضح تجسد تمامًا فى تجربة «مصر - السيسى» على مدار ٨ سنوات التى من أهم ركائزها الاعتماد على الذات والتخلص من فكرة الاعتماد فى حل الأزمات والمشاكل على الشقيق والصديق.. وشكل هذا الأمر تحديًا كبيرًا.. وهو أمر لم يكن مناسبًا لدولة كبيرة فى حجم مصر.. ولكن بما لدى الرئيس السيسى من شموخ مصرى ووطنى وقدرة على التحدى كان الطريق الأمثل هو البحث عن بدائل وحلول أخرى من خلال أفكار خلاقة من خارج صندوق المسارات التقليدية والنمطية.. وفى ذات الوقت بناء البيئة المناسبة لزيادة موارد الدولة المصرية وتوظيف واستغلال مواردها وموقعها الجغرافى وزيادة ناتجها المحلى وجذب الاستثمارات فى ظل وجود بنية تحتية عصرية ومتطورة.

الأفكار الخلاقة.. والرؤى الاستثنائية واجهت محدودية الموارد والقدرات المصرية لتمويل المشروعات العملاقة سواء في إنشاء قناة السويس الجديدة.. والمنطقة الاقتصادية للقناة أو بإقامة 40 مدينة مصرية جديدة ذكية على أحدث النظم العالمية.. أبرزها العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة جميعها أضافت لأصول الدولة المصرية 10 تريليونات جديدة.. ولم تدفع ميزانية الدولة منها مليمًا واحدًا أيضًا ووضوح الرؤية وقوة الإرادة مكن مصر من إدخال حقل «ظهر» للخدمة فى وقت وزمن قياسى.. وهو ما حقق لمصر اكتفاءً ذاتيًا من الغاز فى وقت هى أحوج ما يكون له خاصة فى هذا التوقيت الذى يواجه فيه العالم تحديات وتداعيات أزمة اقتصادية عنيفة.. أبرز انعكاساتها على مجال وأسعار الطاقة فى العالم بل وحقق حقل ظهر عوائد مهمة من التصدير للدول.
لم تكن أزمة الكهرباء فى مصر خفية على أحد إلا أن الدولة المصرية أبدعت فى هذا المجال وحققت ملحمة وإنجازًا كبيرًا سواء فى الاكتفاء أو التصدير للدول المجاورة والصديقة وأوروبا.. بما يعود على الاقتصاد المصرى بعوائد مهمة خاصة وأن لدينا فائضًا يزيد على 13 ألف ميجاوات.

لم تكن الدولة المصرية تتعامل مع ثرواتها التعدينية كما تعاملت «مصر - السيسى» فاستغلال المواد الخام وتحويلها إلى قيمة مضافة بالتصنيع ثم التصدير سواء الرخام والجرانيت والرمال السوداء.. هو إضافة قوية للاقتصاد المصرى.. ولم تكن الدولة المصرية غائبة عن أهمية النهوض والتوسع الزراعى الذى حقق الاكتفاء الذاتى فى الكثير من المحاصيل الزراعية وتصدير لما يقرب من ٦ ملايين طن.. أيضًا تحويل مصر لمركز إقليمى ودولى لتجارة وتداول الطاقة.. حقق عوائد اقتصادية مهمة.. كما أن توفير البنية التحتية والتشريعية والتيسيرات لجذب الاستثمارات كان عاملاً مهمًا فى عبور إشكالية محدودية الموارد.. لذلك الآن ما تطلبه مصر من الأصدقاء والأشقاء هو استغلال الفرص الوفيرة فى مصر للاستثمار فيها.. فى ظل المعطيات والقدرات العصرية التى لدى الدولة المصرية.. سواء فى موانئ عصرية ومطارات متقدمة.. وطرق تواكب التطور العالمى.. وتقدم فى مجال الاتصال والرقمنة.. كل ذلك يجذب الاستثمارات فى ظل الفرص الغزيرة التى رسختها رؤية البناء والتنمية التى قادها الرئيس السيسى على مدار ٨ سنوات.. وحرصه على استعراضها وطرحها فى زياراته ولقاءاته مع كبار رجال المال والأعمال والصناعة والمستثمرين وكبريات الشركات العالمية فى مختلف الدول سواء الغربية أو العربية.. وأيضًا حرصه على استقبال الوفود العربية من كبار المستثمرين العرب لعرض هذه الفرص وإشرافه شخصيًا على هذا الملف لإزالة أية معوقات واتخاذ القرارات بشجاعة وجرأة وطنية.

أيضًا لم تكن الأفكار الخلاقة هى السبيل فقط لتنفيذ رؤية الإصلاح والبناء والتنمية اعتمادًا على الذات المصرية وعبور إشكالية محدودية الموارد.. لكن أيضًا كان هناك مسار آخر لتجاوز هذه التحديات وترسيخ مبدأ الاعتماد على الذات وهو استراتيجية المحاور المتوازنة.. بمعنى أن تشمل عملية البناء والإصلاح كل القطاعات والمجالات وبشكل متوازن ومتزامن وليس بالتوالى.. فالكهرباء والبترول وبناء المدن الجديدة والإسكان والصحة والتعليم والطرق والبنية التحتية والزراعة والصناعة.. كل هذه المجالات وأكثر كان العمل والبناء يمضى فيها فى توقيت متزامن.. وشهدت طفرات هائلة وغير مسبوقة وشكلت فى الكثير منها شرايين جديدة للاقتصاد المصرى.. لجذب الموارد لتمويل عملية البناء والتنمية وهى رؤية ثاقبة حققت لمصر الكثير من الإنجازات غير المسبوقة.. بالإضافة إلى التوازى فى تغيير حياة المواطن المصرى إلى الأفضل تدريجيًا وبسرعة غير معهودة فاختفت الطوابير على البنزين والسولار والبوتاجاز والعيش.. ولم يعد التيار الكهربائى فى حالة انقطاع سواء على المواطن أو المصنع أو المتجر أو قلاع الإنتاج.. هذا هو الفكر الخلاق الذى أدارت به الدولة المصرية ملحمة الـ8 سنوات.

الحقيقة وفى نهاية هذه السلسلة والحلقات التى تناولت البنود التى وصفها الرئيس السيسى لتشخيص أسباب الأزمة العميقة التى عانت منها الدولة المصرية على مدار 50 عامًا.. تمنحنا القدرة على اكتشاف أسباب أزماتنا.. وتخلق لدينا العزم والإرادة لتجاوز تحدياتنا وتوفر وعيًا حقيقيًا وفهمًا صحيحًا حول أهمية وحتمية مسار الإصلاح وبالتالى إدراك قيمة العمل والصبر والتضحية لتغيير الواقع إلى الأفضل.. فإذا الشعب يومًا أراد التنمية والتقدم والخلاص من المعاناة والأزمات.. فعليه أن يدرك قيمة وأهمية مسارات الإصلاح بالوعى والفهم.. والصبر والعمل والتضحية حتى تتحقق آماله وتطلعاته وعلى النخب الفكرية والسياسية والثقافية والإعلامية والدينية أن تتحلى بالفهم والوعى أولاً.. ثم تدعم وتساهم فى بناء الوعى والفهم لأهمية الإصلاح.

الرئيس السيسى طرح مجموعة من التساؤلات المهمة فى مدى إدراكنا ووعينا للحلول المتاحة ودرجة كفاءتها.. ثم مدى استعدادنا لتحمل التكلفة شعبًا وحكومة وقيادة.. لذلك فالإصلاح والبناء قضية تشاركية ليست فقط مسئولية القيادة والحكومة.. ولكن الجزء الأكبر والمهم فى مدى وعى وقدرة الشعب نفسه على إنجاز البناء والإصلاح بفهم ووعى وإدراك واستعداد لتحمل تبعات هذا الإصلاح.
الحقيقة أن الرئيس السيسى كعادته يشيد بدور الشعب المصرى ويعتبره أنه بطل ما تحقق من إنجازات ونجاحات فى الـ ٨ سنوات.. والتى أثبتت المفاجأة بأنه على مدار 50 عامًا لم نقدر حقيقة وقدرة المصريين.. فالشعب خلال ملحمة البناء والإصلاح والتنمية على مدار ٨ سنوات قبل التحدى والتضحية وأبدى تجاوبًا والتفافًا وعملاً وتضحية مع مسار الإصلاح الذى اتخذه الرئيس السيسى لبناء الدولة.. وهذا يتواكب مع استعداد القيادة الدائم لاستثمار رصيدها وشعبيتها من أجل العبور والنجاح.. لذلك فالدولة مستمرة فى طريق الإصلاح الذى بدأته من أجل المسار الإصلاحى وهو الطريق الذى يرتكز على العمل والعلم.. فى جمهورية جديدة تتسع للجميع.. وشعارها الحوار بين أبناء الوطن الواحد.. من أجل تحقيق مصلحة الوطن والشعب.

تحيا مصر

Dr.Radwa
Egypt Air