التغيرات المناخية وما يحدث على الصعيد الدولي والمحلي بمثابة استغاثة الكرة الأرضية التي نعيش على سطحها, كوكب الأرض يضج أنين من ويلات الممارسات البشرية التي لم يلقي يوما لها بالا. إن الإنسان كلما زاد تقدما وأتيحت له الإمكانات والفرص ..كلما بحث عن الكمال والرفاهية, كلما بحث عن الجديد وحقق إنجازات إلكترونية وتكنولوجية لم تخطر على عقله البشري انها ستحدث يوما ما, بعدما كانت أهم الحضارات تعتمد على الزراعات ميا الانهار, والإضاءة تستمد نورها من الصباح المشرق, أصبحت المصابيح الكهربائية إضاءة منطقية ليلا نهارا بالمولات والمحال الفخمة الضخمة, أصبح التكييف هو مصدر الحياة صيفا لتلطيف الاجواء وشتاءا للتدفئة وتحولت الحضارات الزراعية والتجارية إلى حضارات صناعية كبرى فإذا بالتغيرات المناخية التي حدثت تدريجيا حتى أصبح المتوقع ليس بعيد, وأصبحت الإنذارات حقيقية منتظرة.
إن تغير المناخ يعبر عن التحول طويل المدى في درجات الحرارة وطبيعة الطقس. وقد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث على سبيل المثال كوارث طبيعية من فيضانات وظاهرة تصحر وجفاف أنهار بسبب التغيرات في الدورة الشمسية. حيث أن منذ أواخر القرن الثامن عشر ومع بداية القرن التاسع عشر ومع بداية الثورة الصناعية، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع حرق الوقود الأحفوري (مثل الفحم والنفط والغاز) هو السبب العلمي والاساسي وراء ذلك. حيث يمثل أكثر من 75 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون طبقا لتقارير الأمم المتحدة. وتكمن خطورة الغازات الدفيئة في كونها تحبس حرارة الشمس داخل الكوكب. مما يؤدي إلى الاحتباس الحراري والذي بدوره يؤدي إلى تغير المناخ. حيث ترتفع درجة حرارة الأرض ولكن ما حدث أن الارتفاع فاق التوقع وأصبح بشكل أسرع من أي وقت سابق ولم يسير على وتيرة واحدة كما بالدراسات النظرية, فسجلت درجة حرارة الكرة الأرضية ارتفاع ملحوظ بشكل أوشك على خطر حتمي. حيث بمرور الوقت، تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تَغيُّرات في شكل الطقس المعتاد عليه لكل منطقة وقارة, كما يؤدي إلى خلل في اتزان البيئة المعتادة, كل شيء يتغير من حول الإنسان. وهو ما يشكل مخاطر على البشر وجميع أشكال الحياة من غذاء وصحة وزراعة ومدن مستدامة. إن الاستدامة تتطلب استقرار آمن في كل المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والمالية حيث أن مصطلح الاستدامة والذي يعني الاستدامة البشرية على كوكب الأرض يعد مصطلح بيئي ليصف الانظمة الحيوية المتنوعة والمنتجة مع مرور الوقت وبشكل مستدام. إن الاستدامة تعتبر ضرورة للكائن البشري للحفاظ على قدرته والحفاظ على طبيعة الحياة التي يعيشها على المدى الطويل.
لقد أصبحت الاستدامة أمر واسع النطاق ويجب تطبيقه على كل مجال أو نشاط من مجالات الحياة على الأرض، من المستوى المحلي وإلى المستوى العالمي وعلى مدى فترات زمنية مختلفة. إن المناطق الرطبة والغابات هي أمثلة على النظم الحيوية المستدامة حيث أن الدورات الكيميائية والحيوية الخفية للغابات تعيد توزيع الماء والأكسجين والنيتروجين والكربون في نظم الحياة. ولكن مع ازدياد عدد البشر، أوشكت النظم البيئية الطبيعية على الانهيار وكان للتغيير أثرًا سلبيًا على كل البشر. مما أدى إلى أن فكرة الاستدامة وتحقيق التنمية أصبح أمرا متناقض وكأن التنمية تنطوي على تدهور البيئة.
وجاء مفهوم التنمية المستدامة إلى عالمنا لإصلاح حالة التناقض, فكانت التنمية المستدامة بمثابة المحرك العالمي والسياسي والاساسي الذي يدعم استمرار الحياة الجديدة بتطوراتها مع الحفاظ على البيئة ومواردها, فأصبحت التنمية المستدامة مطلب يحدد المستقبل الاقتصادي والاستراتيجي أيضا للدول, فمن خلال أشكال الاستهلاكات وكذلك الانتاج غير المسئول والتأثيرات الضارة على البيئة يمكن تحديد الدول الاقل تقدما. لتعود السمة العلمية والبيئية هي السمة المميزة لازدهار الامم وتقدمها, لتصبح المقاييس البيئية وسلوكيات البشر من الاستهلاك اليومي للموارد وسياسات التصنيع الآمن هي المرجع الاساسي للحفاظ على الكوكب وبالتالي فهي دليل تفدم الأمم.
لقد كان تغير المناخ وتآكل التنوع البيولوجي والتلوث ونقص الموارد الطبيعية هو المؤشر الأبرز في عالمنا الحالي في ظل تحديات قوية لتحقيق جهود التنمية الاقتصادية والعلمية مع تطلعات النظام العالمي للحفاظ على البيئة والحفاظ على الكرة الأرضية. فكانت المنحة الإلهية لينتبه الانسان إلى ممارساته وسلوكياته وتنتبه الدول الكبرى إلى خطورة الوضع الراهن, حيث لا يزال هناك صعوبات في نسب الفقر والأمية والتفاوت في مستويات الدخل سائداً في العديد من البلدان وفي العديد من أنحاء العالم.
وفي هذا النطاق، ظهر مفهوم "التنمية المستدامة" تدريجياً ليصبح في الوقت الحاضر هو الهدف والغاية الرئيسيين للأمم المتحدة والمجتمع المدني وصناع القرار. حيث أقرت الدول وصانعي السياسات أخيراً بأن الوضع الحالي للتدهور البيئي يهدد بشكل خطير بقاء البشرية.
وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد تم تقديمه لأول مرة في عام 1972 عالميا، إلا أنه قدم رسمياً فقط في عام 1982 كمفهوم واضح للمرة الأولى عندما قدمت اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية (WCED)، تقريراً تحت عنوان "مستقبلنا المشترك". عرفت فيه التنمية المستدامة على النحو التالي: "التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة".( لكن حقيقة الأمر بالنسبة للإنسان المصري فهي لم تكن بعيدة عن ثقافته وموروثاته التقليدية البسيطة, إن فكرة التنمية المستدامة بالنسبة للمصري القديم قد سبقت كل التقارير والأفكار حيث أنه كان يتعامل مع بيئة نقية متزنة دون أن يسبب لها أي ضرر).
وبناء على هذا، تتوجه التنمية المستدامة إلى مفهوم الموائمة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الأولويات البيئية من أجل الحد من التدهور البيئي الحالي وتغير المناخ مع الحفاظ على الموارد الطبيعية قدر الإمكان بما لا يتعدى قدرتها على التجدد ومتابعة تطورات العصر من أجل مستقبل الأجيال القادمة.
إن تحقيق العديد من الحلول لتغير المناخ له منافع اقتصادية إلى جانب تحسين معايشنا وحماية البيئة. علاوة على ذلك: هناك أطر عمل واتفاقيات عالمية لتوجيه عملية التقدم المُحرز من مثل: أهداف التنمية المستدامة وكذلك اتفاقيات الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فضلا عن اتفاق باريس . وهناك فئات ثلاث عامة من الإجراءات اللازم اتخاذها، وهي: خفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ، وتمويل التعديلات اللازمة.
سيؤدي تحويل أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو الهيدروجين الأخضر إلى تقليل الانبعاثات المسببة لتغير المناخ. لكن علينا أن نبدأ الآن. هناك بعض التحالفات التي بدأت بالفعل قرارات وخطط واضحة من أجل المناخ وتحقيق التنمية المستدامة الخضراء, للوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050، ولقد وضعت مصر الاستراتيجية الوطنية للمناخ بحلول عام 2050. لذا يجب أن يتم خفض الانبعاثات بحوالي النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على نسبة الزيادة بأقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب أن ينخفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6 في المائة تقريبًا سنويًا خلال العقد 2020-2030.
ومن جهة أخرى، فإن التكيف مع العواقب المناخية يحمي الناس والمنازل والشركات وسبل العيش والبنية التحتية والاقتصاد المحلي والعالمي والنظم البيئية الطبيعية، بحيث يشمل التأثيرات الحالية والتي يحتمل أن تحدث في المستقبل. يجب أن يتم التكيف في كل مكان، ويجب إعطاء الأولوية الآن للأشخاص والدول الأكثر ضعفًا الذين لديهم أقل الموارد لمواجهة مخاطر المناخ، إذ أن تكلفة المواكبة وسبل التكيف قد يكون مرتفعًا. على سبيل المثال، أنظمة الإنذار المبكر للكوارث والتي قد تساعد في انقاذ الأرواح والممتلكات، كذلك تقنيات الخلايا الشمسية والتقنيات الحديثة, وقد تمكن من تحقيق فوائد تصل إلى 10 أضعاف التكلفة الأولية.
يتطلب العمل المناخي استثمارات مالية كبيرة من قبل الحكومات والشركات، لكن التكاسل عن العمل المناخي يكلف ثمنا باهظاً. تتمثل إحدى الخطوات الحاسمة في وفاء البلدان الصناعية بالتزامها إلى البلدان النامية حتى تتمكن من التكيف والتحرك نحو اقتصادات أكثر اخضرارًا لتصبح منحة إلهية.