السبت 27 ابريل 2024

أغبى مؤامرة في التاريخ

مقالات9-11-2022 | 23:41

عندما تقرأ كتب التاريخ ستمر الأحداث الكبرى في سطور، تصبح القرارات المصيرية عبارات متراصة بجوار بعضها البعض، تقلب الصفحات فتنتقل من عصر إلى عصر يفصل بينهما مئات السنين، يمكن أن يجد البعض في الأمر تسلية محببة أو حكاية شيقة أو عظة وعبرة من التأمل فيما جرى لأحداث صنعها بشر مروا من هنا إلى هناك ورحلوا عنا ولم يبق منهم إلا أثر الفعل.

لكن هذا التاريخ الذى يراه البعض شيقًا في حكايته أو تكمن العظة في أحداثه هو أكثر تعقيدًا من هذا، إنه درس الصراع البشرى الذى لا ينتهى و مخزون الخبرة الذى نلجأ إليه في مواجهة تقلبات المستقبل عندما يحيد عن الطريق الصحيح.

قرأ ويقرأ الكثير منا التاريخ المصري وإذ أردنا التعمق في مجمل تاريخ هذا الوطن الممتد لآلاف السنين فسنحتاج عشرات الأعمار فوق أعمارنا لمعرفة فقط الخطوط العريضة لقصة مصر والمصريين هذا دون الدخول في تفاصيل الأحداث.

لا يمكن لسعة هذه السطور أن تناقش التاريخ المصري بأكمله ولكن يمكن أن تطل سريعًا على مشهد منه بداية تكوينه قبل 217 عامًا يوم تأسيس الدولة المصرية الحديثة في العام 1805 بتولي محمد على باشا الحكم، من المستحيل في هذه المساحة سرد أحداث قرنين من الزمان متخمة بآلاف من دقائق الأمور والنجاحات والإخفاقات في تحقيق الحلم، الصعود والهبوط على درجات سلم المستقبل.

يبقى لنا هذا المخزون من الخبرة الذى تراكم طوال سنوات والدرس الذى يصف طبيعة الصراع الدائر حتى الآن وتكشف هذه الطبيعة من هم الأعداء وأساليبهم التي تتبدل وفق مجريات الزمن والسياسات والشخصيات المؤثرة، والأهم في هذه الطبيعة أنها تطرح أسئلة هل كانت بدايات التأسيس خالية من الصراع؟ هل تخلى الأعداء عن غرضهم أو تراجعوا؟ ما هي أساليب الأعداء في إدارة صراع بهذا الحجم المهول وطوال قرنين؟ والأهم ماذا كان محور هذا الصراع التاريخي؟

إجابات الأسئلة تبدأ من السؤال الأخير، كان محور هذا الصراع المشروع المصري الوطني المستقل الحديث لأمة عريقة تريد بقوة وصبر صناعة وبناء قواعد مشروع ينقلها من الماضي إلى المستقبل عن طريق إصلاح الحاضر.

عندما تتوالى الإجابات ستظهر الحقائق وحجم التضحيات التي قدمها أبناء الأمة المصرية للحفاظ على استمرارية مشروعهم الوطني المستقبلي والمستقل في قراره يمكن للبعض أن يدور في دوامات التأويلات للحدث لكن أسفار التاريخ تسجل بدقة كل شاردة وواردة والحقيقة الثابتة التي مهما حاول شياطين الإفك تدميرها تقول إن التاريخ الحقيقي يصنعه الوطنيون المنتمون لهذه الأرض ويتخذ قراراته المصيرية القادة المخلصون للروح والهوية المصرية وينفذها الشهداء والأبطال من أبناء أمتنا، أما الخونة ووكلاء العدو والمتآمرين بأمره والمتآمرين على هذه الأمة  فالتاريخ المتيقظ لأفعالهم له غضبة لا يتراجع عنها تجاه هؤلاء وهو يدون أسفاره فهو في غضبته يسحقهم ثم يلقيهم في مزبلة هامش التاريخ.

لم يكن المشروع المصري الوطني الذى أرادته الدولة المصرية منذ لحظة تأسيسها هدفه البحث عن دور في منطقة هي قلب العالم أو البحث عن نفوذ ضائع ومكاسب سريعة أو السيطرة على موارد واستغلال شعوب لقد كان أساس هذا المشروع نابعًا من روح هذه الأمة الموغلة في الإنسانية الباحثة عن العدل المعتزة بهويتها التي تريد من مشروعها أن يكون حضاريًا يعطى للآخر ولا يستغله أو يفقده هويته لم تكن مصر في ذروة قوتها يومًا ما دولة غازية تسطو على مقدرات الشعوب أو تستعبد البشر أو تستلب حيواتهم بل في اشد لحظات الوهن فتحت هذه الأمة أبوابها لكل لاجئ يبحث عن الأمن فوق أرضها دون سؤال عن دينه أو عرقه أو لونه أو مذهبه قدم لهم هذا الشعب الخير لأنه يحمل داخله جينات التسامح المرتبطة بهويته الرفيعة والإنسانية في تكوينها، دائمًا ما حاول المرجفون تشويه هذه الحقائق التى رسختها مصر ونسجها المصريون قرنًا بعد قرن وفي كل مرة يسقط في مزبلة التاريخ المرجفون وأكاذيبهم.

يبدو من حقائق هذا المشروع المصري الوطني وطرحه المنطقي العادل النزيه والمتسامح أنه لا يصنع الأعداء فمن يحارب العدالة والنزاهة والتسامح أو من يبحث عن استغلال الأمم بدلا من التعاون الحضاري لكن الواقع ودروس التاريخ وطبيعة الصراع تقول غير ذلك فكل هذه السمات التي تتحد داخل المشروع المصري الوطني وتعطيه قوته الدافعة هي من تخلق لهذه الأمة ومشروعها الأعداء وهنا تجد الإجابة عن جوهر ونوعية العدو الذى يترصد لهذه الأمة ولمشروعها الوطني منذ بدايته مع تأسيس الدولة المصرية في القرن التاسع عشر،  إنه الاستعمار القديم الذى تحرك بكل أطيافه وقوته العسكرية المباشرة للقضاء على المشروع المصري الوطني لأن هذا الاستعمار القديم لا يريد العدالة ولا النزاهة ولا التسامح ولا التبادل الحضاري بل يريد سيطرة الظلم و الاحتيال والاستغلال لنهب مقدرات وثروات الشعوب الآمنة في أوطانها وكان ظهور المشروع المصري بهذه الأسس الإنسانية يعنى تهديدًا كاملا لكافة مصالحه في منطقتنا والعالم لأنه سيصبح مرجعية للشعوب التى تبحث عن الحرية والاستقلال والتنمية.

لقد حاربت القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر بعضها البعض مئات السنين جريًا وراء السيطرة على الأمم المستضعفة ونهب ثروات الشعوب لكن بمجرد ظهور المشروع المصري وتأسيس الدولة المصرية واتخذ المشروع قواعده الجغرافية والسياسية  نسى جميع المستعمرين عداواتهم واتحد المتفرقون ضد الأمة المصرية لتكون لندن قبلتهم بزعامة بريطانيا العظمى.

 اتفق الجميع في صفاقة ضد الأمة المصرية ليوقعوا اتفاقية لندن 1840 ومن المفارقات أن العنوان الرسمي لهذه المعاهدة الجائرة "اتفاقية إعادة السلام إلى بلاد الشام" بعد أن حررت مصر الشام من الاستعمار التركي ووقفت بقوة أمام النفوذ الغربي في المنطقة بكاملها، يمكن للمرجفين أن يعودوا لهذه المعاهدة وشروطها ليعلموا أن غرضها الأساسي كان القضاء على هذا المشروع.

رغم ما حدث لا ترضى الأمة المصرية أن تخرج من الصراع وبالتأكيد الترصد والجبن الاستعماري لن يترك الانطلاقة تكتمل أو يصبح الجيش الوطني المصري قلب المشروع ومحركه قادر على حماية هذه الأمة خاصة مع ظهور قناة السويس التي حفرها المصريون بدمائهم وأموالهم لتضاف قوة أخرى إلى القوة المصرية ولذلك بعد أربعة عقود على معاهدة لندن أو للسخرية معاهدة إحلال السلام تتحرك بريطانيا بأساطيلها وجيوشها المستعمرة وبالخديعة والخيانة تحتل مصر.

هذه بعض ملامح الصراع بين المشروع المصري والاستعمار القديم وكان آخر تعدى مباشر له وظهور وجهه القبيح في العام 1956 عندما استعدنا حقوقنا في قناتنا، وحتى عندما تخفي وراء الوكيل الصهيوني وظن أنه حقق الانتصار على المشروع الوطني المصري كان عقل أكتوبر لهم بالمرصاد الذى أحد نتاجات المشروع الوطني المصري فتحقق العبور المجيد  ووقف الاستعمار ووكيله الصهيوني مذهولين يشاهدون في حسرة الجيش المصري العظيم الذى حاولوا تحجيمه في لندن 1840 فعاد لهم منتصرًا بالعلم والحداثة في أكتوبر1973 وتم إجبارهم على السلام واستعادة كافة أراضينا دون نقصان.

تعلم الاستعمار القديم وأدرك أن الصدام المباشر مع هذه الأمة المناضلة يكسبها مزيدًا من القوة ومناعة المواجهة والإيمان بعدالة مشروعها الوطني، عاد الاستعمار من جديد متنكرًا باسم الاستعمار الحديث أو الهيمنة دون غباء المواجهة المباشرة وانتقل القرار الاستعماري الحديث عبر الأطلنطي من لندن إلى واشنطن وبالتأكيد لا يمكن أن تبخل بريطانيا على ربيبتها بالخبرات التدميرية والتآمرية ضد المشروع المصري الوطني وهنا ننتقل إلى إجابة سؤال الأساليب الجديدة للاستعمار الحديث لا يريد هذا الاستعمار أساطيل وجيوش بل يريد لتنفيذ مخططاته عملاء، وكلاء، خونة، مرتزقة، ووفرت بريطانيا من مخازن مخابراتها كل ما يريده السيد الأمريكي الجديد من بضاعة فائقة الجودة في الخيانة والخسة مع ضمانة في عقد التوريد بالإشراف على تشغيل العملاء والخونة.

مع تجدد انطلاق المشروع المصري الوطني المستقل عقب العام 2014 وإعادة تأسيس الدولة المصرية الحديثة في نسختها الثانية نتيجة انتصار الأمة المصرية في ثورة الـ 30 من يونيو عاد الصراع الممتد بين مشروعنا الوطني واستعمارهم الحديث لكن مع اختلاف الأساليب.

هنا كان دور الفاشيست أو الجماعة الإرهابية التي صنعتها بريطانيا في 1928ومازالت ترعاها وهو دور رئيسي وبدلا من أساطيل وجيوش الاستعمار القديم في القرن الـ19 تكونت عصابات المرتزقة من الفاشيست وأذنابهم المتسلفة ومن ولاهم من أدعياء الحريات والحقوق وبدلا من دانات المدافع وإنذارات التسليم و طلقات الرصاص التي كان يطلقها الاستعمار القديم أطلقوا عملاءهم ووكلاءهم ومرتزقتهم وإرهابهم يشنون حربًا من نوع جديد مستخدمين فيها الدعاية السوداء وخسة العمليات الإرهابية والشائعات والأكاذيب من أجل غرضهم القديم الجديد تعطيل المشروع الوطني المصري الذى في وجوده تهديد لكل مصالح الاستعمار القديم والحديث في نهب مقدرات شعوب المنطقة.

عندما تستمع إلى السخافات التي يطلقها عملاء ووكلاء الاستعمار وتشاهد دعايتهم السوداء وتراقب تحريضهم وأكاذيبهم من عاصمة المعاهدة القديمة وبمساعدة الانكشارية المهزومة ورعاية معلومي واشنطن يعطيك تاريخ هذه الأمة إشارات ودروس تقول إننا نتابع أغبى مؤامرة في التاريخ يشرف عليها الاستعمار وعملاؤه من ضفتي الأطلنطي فخلال المائتي عام الماضية حارب الاستعمار قديمه وحديثه المشروع المصري الوطني ورغم ما يحوذ عليه الاستعمار من قوة منهوبة من دماء الضعفاء وخسته ودناءته إلا أن غباء الاستعمار وأذنابه يمنعهم عن رؤية الحقيقة أن هذه الأمة الجبارة لا تستسلم ولا تقبل الانكسار والمشروع الوطني المصري يحميه الخالق سبحانه وتعالى ثم ملايين المصريين الذى يؤمنون إيمانًا مطلقًا بعدالة مشروعهم وعظمة امتهم الخالدة .

أيها الاستعمار الغبي في تنكرك الجديد لا تصدق بلاهات السوشيال ميديا وتذكر فقط قونية ورشيد والسويس وأكتوبر ويونيو.. حتى تنجو من غبائك لأننا بإذن الله منتصرون.

Dr.Randa
Dr.Radwa