الخميس 27 يونيو 2024

النجمة والرصاصة

12-2-2017 | 14:10

محمد عيد العريمي - له روايتان: "حز القيد"، و"مذاق الصبر" وسيرة روائية بين الصحراء والماء

وقف الابن بعد الدرجة الأخيرة من السلم، وقبل الدرجة الأولى منه وقف الأب ينتظر وفي يده منديلٌ. أدى الابن التحية العسكرية وتقدم خطوة؛ فرد الأب التحية بمثلها وتقدم خطوة، ثم نفث هواء الزفير على نجمة ذهبية زينت كتف الابن، وفركها بالمنديل. نفث ثانية، وفرك. نفث، وفرك!

   رجع الابن خطوة إلى الخلف وأدى التحية العسكرية، ثم تقدم الأب خطوة  وأدخل طرف المنديل في جيب صدر "جاكيت" البزة العسكرية.

   فتح الابن الباب الخارجي.. لفحت شمس الضحى خدّه، وقبل أن يضع قدمه على عتبة الباب، ذكّر أباه: "لا تنس أن تحضر معك بطاقة  الدعوة، وإلا لن يسمح لك بالجلوس في مقصورة المدعوين".

***

دخل طابور الخريجين ساحة الاحتفال. مر أمام المنصة الرئيسة. جالت عينا الأب تبحثان عن وجه الابن. قال للجالس على يمينه وهو يشير بيده إلى قائد الطابور، وبكف اليد الأخرى يضرب صدره: "ذلك ابني!".

   طلب المذيع عبر مكبرات الصوت من العشرة الأوائل التقدم أمام المنصة الرئيسة. نزل القائد إلى حيث وقفت الثلة. أعلن المذيع: "ناصر سعيد ناصر الأول على الدفعة مع مرتبة الشرف".

   وقف الأب مرة أخرى وضرب صدره بكفه، وقال للجالس على يمينه، وللجالس على يساره، وللجالس أمامه، وقال للجالس خلفه، بصوت عال لفت انتباه من حوله: "أنا سعيد ناصر".

   تقدم الضابط الشاب خطوة. أدى التحية  العسكرية. ثبّت القائد النيشان بالدبوس على صدر "جاكيت" البزة. تلوث الهواء بالدخان والبارود، وحادت عن الهدف رصاصةٌ!

***

وقف إلى جانب باب غرفة العمليات مرتديا البزّة العسكرية وعلى الكتف نجمة وعلى الصدر نيشانٌ وفي الياقة ثقب رصاصة!

   خرج الطبيب وهو يمسح جبينه بظهر كفه، وقال: "بذلنا كل ما في وسعنا، لكن إرادة الله كانت أسبق!". سكت وطال سكوته.. بدا وكأنه لم يسمع أو يستوعب ما قاله الطبيب، ثم فجأة صرخ وهو يؤدي التحية العسكرية: "علم سيدي". اسـتدار بحركة عسكرية. عبر الممر إلى الباب الخارجي يضرب الأرض برجليه ويمشي مشية  جنائزية.

***

صباح اليوم التالي، وقف على عتبة بيته يؤدي التحية العسكرية للمارة وعلى الكتف نجمة، وعلى الصدر نيشانٌ، وفي الياقة ثقب رصاصة!