السبت 29 يونيو 2024

الوصايا العشر لهزيمة إعلام الإرهارب «١-٢»

11-8-2017 | 16:39

بقلم: د. محمود علم الدين

قال المفكر الإسبانى مانويل كاستلز Manuel” Castells”: عبر التاريخ كان هنالك دائما مصادر رئيسية للقوة والسيطرة ومصادر مناهضة لقوى الهيمنة والسيطرة تلك المصادر تتجلى بأبسط صورها بالاتصال (أو التواصل) والمعلومات، وذلك – كما يقول كاستلز- لأن المعارك الأساسية التى تخاض فى العالم هى معارك تخاض بين العقول قبل أن تخاض على الأرض. هذه المقولة على بساطتها عميقة جدا وذلك لأن طريقة تفكير وقيم الأفراد تحدد القيم والمبادئ التى تبنى عليها المجتمعات عبر التاريخ.

وفى عام ١٩٩١ قال الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش: «أن ثورة المعلومات أدت إلى تدمير أسلحة العزلة والجهل، المعروفين بالقوة، لقد تغلبت التكنولوجيا فى العديد من أنحاء العالم على الطغيان، مثبتة بذلك أن عصر المعلومات يمكن أن يصبح عصر التحرير، إذا ما عمدنا بحكمة إلى تحديد قوة الدولة وحررنا شعوبنا لكى تتمكن من استخدام الأفكار والاختراعات والمعلومات الجديدة خير استخدام»، وطرح باحثان مستقبليان أمريكيان هما جون أركيلا ودايفيد روزنفلت فى كتابهما المعنون «انبثاق سياسة المعرفة» الصادر عام ١٩٩٩ نظرية «الحـرب المعرفية الافتراضية» والمفهوم الرئيسى فيها أن حروب المستقبل يجب أن تواكب التحولات الاجتماعية العميقة فى بنى المجتمعات، وعليه فإن إدارتها الرئيسية ستكون متمثلة بالإعلام وليس بالأسلحة التقليدية أو بأسلحة الدمار الشامل أو حتى بالأسلحة الذكية. وعلى هذا الأساس يرى الكتاب أن الإعلام هو ميزة فيزيائية مثله مثل الطاقة والمادة. وبذلك يصبح من السذاجة الاستمرار فى قبول التعريفات التقليدية للإعلام على أنه مرسل ورسالة وأداة اتصال ومستقبل، ومفهوم الكتاب يحيل كلا من المرسل والمستقبل وأداة الاتصال (إرسال واستقبال) إلى مجرد عناصر. أما القيمة الرئيسية فهى للرسالة. فعن طريق الرسالة يمكن خوض الحرب عبر الشبكات (Netwar). فحروب الغد لا يكسبها من يملك القنبلة الأكبر بل يربحها ذلك الذى يخبر الرسالة (الرواية) الفضلى! بهذا يطرح الكتاب وبجرأة مفهومًا جديدًا للقوة. إذ يتنبأ بتحول القوة من عسكرية (أسلحة وعتاد) إلى إعلامية (علاقات إنسانية)، وبمعنى آخر فإن القوة ستتحول من مادية إلى لا مادية، ويصبح الصراع مرتكزًا على قطبى التنظيم / الإرباك (حيث النصر للطرف الأكثر تنظيمًا والأقل إرباكًا). وعندها تصبح القدرة على إرباك العدو مساوية للقدرة على تدميره.

التحركات فى تونس ومصر جاءت تطبيقًا عمليًا لهذه النظرية ما يجعل منها أداة مرجعية لقياس الاحتمالات وردود الفعل فى الدول المرشحة أو المتخوفة من تحركات مشابهة.

وهكذا نرى أن الحديث لا يتوقف عن وسائل الإعلام وفاعليتها وتصاعد تأثيرها، فقد تحولت خلال العقود الأخيرة مع التطورات المتسارعة فى تكنولوجيات المعلومات والاتصال من مجرد وسيط أو أداة من أدوات الإخبار والترفيه إلى عنصر مهم من عناصر القوة الشاملة للدولة.

فالقوة ( Power ) هى ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين وإخضاعهم لإرادة القوى الفاعل، لذلك فالأقوياء فى أى موقف اجتماعى كان أم سياسى أم اقتصادى أم ثقافى هم الذين يفرضون إرادتهم وكلمتهم ويسيرون الأمور كما يرونها ووفقًا لمصالحهم الخاصة.

والتأثير هو القدرة على إحداث تغيير فى الآخرين – لا يُرى إلا من خلال الأثر الذى يتسبب فى إحداثه – دونما استخدام للقوة أو السلطة الرسمية، أو هو القدرة على إحداث تغيير فى الآخرين واستجابة لا يرى إلا من خلال الأثر الذى يتسبب فى إحداثه دونما استخدام مؤثر قهري.

وسائل الإعلام –بشقيها التقليدى والجديد- إذن أصبحت إحدى الأدوات بل أقوى الأدوات وأصبحت سلطة من سلطات المجتمع باعتبار أن السلطة: هى الوجه الأول للقوة السياسية والسلطة بصفة عامة هى قوة ذات طابع نظامى حيث تكون القوة مرتبطة بمنصب أو وظيفة معينة معترف بها داخل المجتمع ويعطى لشاغلها حق إصدار القرارات ذات صفة الإلزام الشرعى بالنسبة للآخرين، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: سلطة قانونية وتقليدية وكاريزماتية، كما أضحت وسائل الإعلام أحد مصادر النفوذ السياسي: هو الوجه الثانى للقوة السياسية وهى ممارسة عن طريق تفاعل اجتماعى تستخدم فيه وسائل الإغراء والترهيب والإقناع والسيطرة والهيمنة والإرغام والإكراه، وتوجد أشكال متعددة من النفوذ تتراوح ما بين الترغيب والاستمالة والاقتناع إلى السيطرة والهيمنة والردع والإكراه، وتجاوزت وسائل الإعلام وظيفة التأثير إلى أن تصبح أيضا أداة من أدوات السلطة - فى كثير من دول العالم - لتحقيق الهيمنة، والسيطرة، والردع النفسي، وهناك لابد وأن نميز ما بين القدرة الإعلامية والتى قد تكون موجودة ولكنها معطلة أو غير موظفة، وبين القوة الإعلامية.

فالقدرة هى معطى موضوعى وهى موارد متاحة تتضمن البشر والتقنيات والسياسات والمهارات أما القوة فهى ممارسة عملية وهى التوظيف السياسى لتلك الموارد، وإن النقلة من امتلاك الموارد إلى استخدامها أى من القدرة إلى القوة، يتطلب إرادة سياسية ودور للعقل البشري، وفى كثير من الحالات التاريخية نجد أن النجاح فى الحروب والمواجهات الاستراتيجية الحاسمة فى تاريخ الدول قد تحدد ليس بميزان القدرات والإمكان وحسب ولكن أيضًا بإرادة التصميم والعزم والمثابرة وحسن توظيف تلك الموارد وتلعب القيادة السياسية الحاكمة والثقافة السياسية السائدة دورًا حاسمًا وهامًا فى هذا المجال، وباستقراء ممارسات الإعلام المصرى خلال السنوات الأخيرة فى معالجة قضايا التحول والإصلاح السياسى وفى مواجهة الإرهاب بكل ما شابها من أخطاء وصلت إلى حد الخطايا فى حق الوطن وفى حقوق أفراده فى إعلام حر ونظيف ومسئول، يمكن الخروج بمجموعة من التوصيات أو الوصايا المهمة لتفعيل دور الإعلام ووسائله المختلفة فى دعم المصالح القومية وفى مقدمتها حماية الدولة وتثبيت أركانها وحمايتها من السقوط، ونشير اليوم إلى بعضها وهى كالتالي:

أولا: ليس مطلوبا من وسائل الإعلام أن تكون متطرفة فى علاقتها بالسلطة السياسية بأن تكون كلبا أليفا، أو كلب مراقبة وحراسة ومنتقدا وباحثا عن الأخطاء.

لا ينبغى أن تمارس فقط الوظيفة التى يطلق عليها الأمريكيون وظيفة الكلب الأليف lapdog: أو الكلب الناقل وتعنى هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام ترتمى فى حضن المؤسسات الاجتماعية والسياسية دون أن تكون أداة مستقلة، ودون إبداء أى مساءلة للسلطة، ودون الالتفات إلى الآراء والاتجاهات الأخرى فى المجتمع، خاصة التى لا تتفق مع مصالح المؤسسات النافذة فى المجتمع، فهى تكون بمثابة أداة ناقلة لما يريد النظام السياسى أن تعرفه الجماهير، وبالطريقة التى يريدونها بدون توجيه أية انتقادات للمؤسسات القائمة.

ولا ينبغى أن تمارس فقط الوظيفتين التى يطلق عليهما الأمريكيون وظيفتى المراقبة والحراسة.

وظيفة المراقبة watchdog: وتعد امتدادًا لمفهوم السلطة الرابعة fourth Estate، أى أن وسائل الإعلام تسعى لأن تكون رقيبًا على كل ما يدور فى المجتمع من مدخلات ومخرجات، بما فى ذلك مراقبة المؤسسات الاجتماعية والسياسية النافذة فى المجتمع، وهنا يوصف دور وسائل الاتصال بأنه مثل دور الحارس اليقظ الذى يعمل كحارس ورقيب ضد إساءات استخدام السلطة الرسمية، وكمراقب لمصالح المجتمع وحمايته من الفساد والانحراف، فوسائل الاتصال تعمل كرقيب للسلطة من خلال مراقبة المؤسسات والقضايا والأحداث والآراء، وتسليط الضوء على بعضها، وتقويم أداء الحكومة، وترويج مبدأ الحق فى المعرفة، وحماية المجتمع من تسلط النظام السياسي، وهذا الدور الواقى يتم بشكل أفضل بواسطة وسائل إعلام مستقلة تحكمها اهتماماتها ومعاييرها الخاصة.

أما وظيفة الحراسة Guard: فتعنى هذه الوظيفة أن وسائل الإعلام تقوم بحراسة فقط للمؤسسات النافذة فى المجتمع، وتكون أشد الحرص على متابعة العناصر الطفيلية التى تدخل إلى المجتمع وتعكر صفوه ونقاء العلاقة القائمة.

فقد تبالغ وسائل الإعلام فى أداء الوظيفة من خلال عدة آليات وأوجه:

المبالغة فى أداء الدور الرقابى أن تكون سلطة.

المبالغة فى أداء الدور الدفاعى أن تكون صحافة سلطة.

المبالغة فى أداء الدور الاستقصائى استخدام أساليب غير مهنية فى الحصول على المعلومات ( التجسس والتصنت والتصوير –دفع أموال للمصادر ).

بل عليها أن تمارس وظيفتين هما الإرشاد والقيادة.

وظيفة المرشدGuide: وفيها تقوم وسائل الإعلام بدور المرشد أو الدليل الذى يمد المواطنين بمجموعة من المعلومات عن السياسات، وصانعى السياسة، والتى يحتاجونها لصنع القرارات، ولتقييم قادتهم.

وظيفة القائد lead: وتعنى أن وسائل الاتصال تقوم بدورها من خلال عدة عمليات أو تقنيات إعلامية من أخطرها:

وضع الأجندة Agenda setting للقضايا المطروحة على الساحة السياسية، حيث تلعب وسائل الإعلام كمصفاة لهذه الحلول وترتيبها حسب الأولويات والأهمية قبل تقديمها للجمهور، كما تحث السياسيين على متابعة هذه القضايا نظرًا لأهميتها فى سياق الشأن العام، وبذلك تلعب دور الكلب القائد فى الطريقة المحددة لإعطاء تغطية أكبر لأحد من القضايا أكثر من الأنواع الأخرى.

تهيئة الرأى العام معرفيا Priming بكافة شرائحه لأحداث وقضايا قادمة.

تأطير الأخبار News framing بمعنى التركيز على زوايا أو نقاط داخل الخبر تحكم تلقى الجمهور وفهمه للأحداث والظواهر وتشكل اتجاهاته المستقبلية نحوها.

فى الإجمال، يمكن الحكم على وسائل الإعلام بأنها تندرج تحت مظلة من مظلتين رئيسيتين، هما: إعلام السلطة، سلطة الإعلام، وإعلام السلطة يعنى أن الإعلام هو أداة فى يد السلطة تحركه لتحقيق سياساتها وبرامجها.. وسلطة الإعلام تعنى أن الإعلام يمتلك سلطة فاعلة فى المجتمع تهيئه لدور يعكس صوت المواطن يحمى الدولة ويصون سيادتها ويحقق فى الشأن العام باستقلال وشفافية بعيدا عن تأثير وضغط المؤسسات الاجتماعية.

على وسائل الإعلام فى رأيى وعندما نتحدث عن مصالح قومية وفى إطار مخاطر تحيط بالدولة وحراك تنموى يتمثل فى مشروعات قومية عليها أن تدخل فى شراكة مع الدولة فى عملية التنمية والتحديث، شراكة يكون دورها فيها أن تقدم المعلومات والرأى وساحة الحوار حول الواقع بكل إمكاناته وإشكالياته.

ثانيا: أن وسائل الإعلام عليها أن لا تكتفى فقط بدور المتصيد والناقد والباحث عن الأخطاء والساعى إلى الاصطياد فى الماء العكر، والساعية إلى صناعة معركة أو صراع ديوك ومعارك إعلامية، بل عليها أن تكون باحثة عن الحلول ومناقشة لها، عليها أن تتحول من إعلام البحث عن الأخطاء إلى إعلام تقديم الحلول وطرحها ومناقشتها، إلى إعلام يصنع الأمل إلى إعلام وصحافة بناءة، ونترك Dena Levitz توضح لنا مفهوم الصحافة البناءة.

توضح دانيلا حقيقة الصحافة البناءة التى لا تختلف عن ما يسمى بالصحافة الإيجابية أو صحافة الحلول والتى لا تراها أنها العصا السحرية بل بكل بساطة هى سرد الحقيقة كاملة حول الخبر وتقول: “ما نحاول أن نفعله هو تعزيز الصحافة وذلك من خلال تقديم القصة كاملة.” فعلى سبيل المثال ليس المطلوب فقط تقديم أدق تفاصيل حادثة اجتماعية وبيان المعوقات والمشكلات التى تضمنتها تلك المشكلة الاجتماعية، بل أيضًا سرد الإجراءات التى اتخذت أو سوف تتخذ لمواجهة تلك المحنة والإشارة إلى الأشخاص الذين يكافحون من أجل حلها.

ليس من المهم فقط تقديم بيانات وإحصائيات عن عدد الأشخاص بدون مأوى بل تقديم تحليل عن الإجراءات المتخذة لإنهاء تلك المشكلة الاجتماعية. وبعبارة أخرى الصحافة البناءة هى قصة إخبارية عن كيفية مجموعة من الأشخاص يساعدون ضحايا كارثة إنسانية وليس فقط تقديم أرقام عن حجم المأساة. تضيف دانيلا أن عناصر التقرير الخمسة الرئيسية تشمل من وماذا وأين ومتى ولماذا وتقول: “نحن أضفنا العنصر السادس وهو “ما العمل الآن؟” مما يجنب ذلك القارئ الدخول بمتاهة التفكير فى المشكلة المطروحة والحالة النفسية التى قد يعايشونها خاصة فى غياب الأمل فى مواجهة المشكلة كما بيّنت دراسات منشورة على موقع مؤسسة الصحافة البناءة.

تقول دانيلا: إن المؤسسات الإعلامية يمكن أن تعزز ثقتها وعلاقتها مع القراء من خلال تقديم أخبار شاملة وبناءة. وتشير الدراسات أن تفاعل القراء مع المقالات البناءة فى تزايد وأن المؤسسات التى تنشر مقالات تحتوى على حلول بدلًا من الاكتفاء بالهتاف بالمشكلة تتلقى مشاركات إيجابية وملاحظات راقية من خلال قسم المشاركات الإلكترونية على صفحة الإنترنت. بالمقابل تقول دانيلا: إن الأشخاص غير المدركين لمفهوم الصحافة البناءة يشعرون أنها تغيّب دور الإعلام كسلطة رابعة فى مراقبة المسئولين وتحميلهم المسئولية وتقصى المخالفات.

ترد دانيلا على ذلك قائلة: “نعم هذا صحيح ونحن تمامًا مع جوهر الصحافة ولسنا ضد دورها الرقابي، بل ما نريده أيضًا هو التركيز على الأمور الإيجابية التى تدور حول العالم. نريد المزيد من تسليط الأضواء بشكل جدّى ومكثّف على الحلول التى اتخذت خاصة تلك الحلول الناجحة».

ثالثا: على وسائل الإعلام أن تبتعد عن قائمة المصادر الجاهزة من الشخصيات المريحة المستعدة للحديث فى أى وقت عن أى شيء سواء كانت متخصصة أو غير متخصصة، تعرف أو لا تعرف فى موضوع حديثها، بل عليها أن تعتمد على الشخصيات الخبيرة والمتخصصة والمؤهلة بما تملكه من خبرات ومعلومات أن تتحدث وأن تبدى رأيها، وذلك تلبية لحق الجمهور فى المعرفة كأحد الحقوق الرئيسية للإنسان، ومن هنا فعلينا الابتعاد عن الضيوف أو الشخصيات التى تفهم فى كل شيء فى أى وقت ولديها الرؤى والحلول الجاهزة لكل موضوع أو مشكلة.

رابعا: على وسائل الإعلام أن تدرك أن الإعلام الجديد أو الاجتماعى المتمثل فى وسائل التواصل الاجتماعى ليس مجرد أداة بريئة يتواصل من خلالها الأفراد المعلومات والمشاعر والأفكار والانطباعات، بل يمكن أن يصبح أداة من أدوات إسقاط الدولة.

فالإعلام الجديد يعتبر حاليا من أهم وسائل التنظيمات الإرهابية لتجنيد العملاء واكتساب الأنصار عبر غسل الأدمغة، وترويج أفكار ضالة بصناعة مواد إعلامية مزيفة، وفبركة صور وفيديوهات ومواد أخرى، بهدف تضليل المشاهدين والمستمعين والمستخدمين، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة، وصعوبة الرقابة عليها.

والإعلام الجديد كنوع من الإعلام البديل يمكن أن يكون أداة مهمة لترسيخ مفهوم المواطنة وقيم المجتمع المدنى وتعزيز الاهتمام بالشأن العام، ووسيلة قوية فى يد المواطن للتعبير عن رأيه دون الحاجة لطلب الإذن من جهة إدارية معينة، أو المـرور مـن مـراحل الإنتـاج المعـتادة أو احتـرام معـايير تقنـية صـارمة. لذلك يقـع مسـتعملوه فى بعض المحاذير والمرتبطة بالأساس بمشكلة انخفاض الالتزام بالأخلاقيات المهنية، وتزايد إمكانيات التلاعب بالمعنى وبالأخبار وإخراجها من سياقاتها الحقيقية، مما يؤثر على مصداقية المعـلومات المـروجـة مـن خـلاله، ويسـهل عمـلية المـس بالقيم الدينية والاجـتماعية للمـجتمعات، ويمكن أن يستعمل كأرضية للتشجيع على العنف والتطرف والإرهاب، ويخلق اختلالا وعدم توازن بين حجم ونوعية الرسائل التى يوجهها وبين استعدادات الجمهور المتلقى لها، كما يمكن استعماله لانتهاك الخصوصيات وحقوق النشر والملكية الفكـرية وارتكاب بعض الجرائم الإلكترونية وتجارب التاريخ القريب تؤكد ذلك.

ففى ٢٨ مايو٢٠١٣ يشير موقع أنباء موسكو إلى أن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون قد قرر نقل المعركة الرئيسية فى الحرب ضد التطرف إلى أروقة الإنترنت، لتديرها فرق منتقاة تجلس خلف لوحات المفاتيح وتنخرط فى الفوز بعقول وألباب الإرهابيين المحتملين، لتدارك الهجمات الإرهابية قبل التخطيط لتنفيذها.

وبعد الحدث الإرهابى الذى وقع فى لندن عام٢٠١١، حثت قيادة الجماعات الإسلامية البريطانية الحكومة للتشاور معهم حول خطط لمكافحة التطرف، محذرة من أن السياسات غير المحسوبة المخاطر قد تؤدى لتفاقم المشكلة والتفكك الاجتماعي. وقد اقترحت وزيرة الداخلية، تريزا ماي، سلسلة من التدابير للتصدى للتطرف الإسلامي، بما فى ذلك ضوابط جديدة يجرى تطبيقها على شبكة الإنترنت وحظر الجماعات التى تعظ بالكراهية.

كما أراد رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون منع رجال الدين المتطرفين من استخدام المدارس والكليات والجامعات والسجون والمساجد لنشر أفكارهم، وفكر فى استحدث جهاز عمل جديد برئاسته، للتصدى لكل أشكال التطرف التى يمكن أن تحرّض على أعمال العنف والإرهاب، يضم الفريق أبرز مسئولى الحكومة الائتلافية البريطانية، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء نك كليغ، ووزير الخزانة (المال) جورج أوزبورن، ووزيرة الداخلية، ووزير الجاليات والحكومة المحلية إريك بيكيلز، ووزير العدل كريس غريلينغ، ووزيرة الدولة للشئون الخارجية البارونة وارسي.

ومن شأن مشروع القانون المعروف على نطاق واسع باسم ميثاق المتلصص أن يعطى الوكالات، بما فى ذلك الشرطة والمخابرات الخدمات اللازمة للقدرة على الوصول إلى جمع المعلومات والبيانات من قبل مقدمى خدمة الإنترنت، بما فى ذلك تاريخ تصفح الإنترنت، الرسائل الإعلامية والاجتماعية والألعاب عبر الإنترنت، وتخزين كل منها لمدة ١٢ شهرًا.

وأشارت وزيرة الداخلية البريطانية –وقتها- تريزا ماى لهيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى أن أجهزة إنفاذ القانون ووكالات الاستخبارات البريطانية تحتاج إلى تشريع جديد يتيح لها الوصول إلى بيانات الاتصالات التى لا غنى عنها فى عملها، لمنع المتطرّفين والإرهابيين والمجرمين من استخدام شبكة الإنترنت لإجراء المكالمات الهاتفية، وأشياء أخرى مثل التراسل الفورى عبر مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية مثل فيسبوك.

وبينما طلب ديفيد كاميرون من المسلمين فى المملكة المتحدة أن يكونوا أكثر نشاطا فى إدانة الإرهاب الإسلامي، تتواجد هناك مئات من أشرطة الفيديو لتشجيع الإرهاب، وتحرض المسلمين البريطانيين إلى شن الجهاد على شبكة الإنترنت، بما فى ذلك نشر مقاطع فيديو عبر الإنترنت عن تدريب القاعدة وبث المواعظ الدينية والفتاوى الجهادية.

ويعتقد إريك شميدت رئيس شركة جوجل، والتى تملك شركة يوتيوب، أن بعض من أشرطة الفيديو يمكن أن تساعد أجهزة الاستخبارات والشرطة على تعقب الإرهابيين المحتملين. ويقول: لقد اتخذنا قرارا بشأن تلك المعلومات، وحتى لو كانت قانونية، وسيئة، ستتم فهرستها.

وقد جاء قرار كاميرون بتأسيس جهاز خاص مهمته متابعة قضايا المجموعات الإسلامية المتطرفة، بعد أيام من وقوع آخر الهجمات الإرهابية عندما تعرض رجل فى العشرينيات من عمره للطعن بسكين الأحد على بعد ٣٠٠ متر من حادث الساطور فى منطقة ووليتش.

وفى أغسطس ٢٠١٣ كشف علماء المركز الدولى للدراسات حول الإرهاب التابع لجامعة موناش أن شبكات التواصل الاجتماعية هى أقوى مشجع لظهور التطرف والإرهاب. وكان علماء من مركز الدراسات يعكفون على دراسة أكثر من ١٠٠ من المتطرفين الحاليين والسابقين خلال ٤ سنوات وقد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن شبكات التواصل الاجتماعى ومنتديات الإنترنت تدفع الناس إلى إيجاد صلة بالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وقال رئيس مركز الدراسات غريغ بارتون: إن الإرهابيين والمتطرفين هم أشخاص يعيشون فى عزلة وتفتقد حياتهم أى معنى. يذكر أن الإرهابى المشهور أندريس بريفيك نشر فى الإنترنت معلومات أظهرت أنه فقد معنى الحياة قبل أن يقدم على قتل ٧٧ شخصا فى النرويج.

ونقلت وكالة انترفاكس الروسية عن رئيس أكاديمية العلوم العسكرية الروسية الجنرال محمود غارييف قوله: «إن الاضطرابات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى الآونة الأخيرة ـ يقصد المظاهرات التى حدثت فى تونس، مصر، ليبيا مطلع عام ١٤٣٢هـ (٢٠١١م) ـ ناتجة عن تجريب الغرب لأحدث التكنولوجيا الإعلامية التخريبية، وقد تم إنشاء مئات الآلاف من تلك الصفحات فى تلك البلدان على مدى سنتين، حيث تم تجريبها فى البداية فى بث دعوات للقيام بأعمال غير منافية للقانون، وحين لوحظ فاعليتها، جرى فى اللحظة المناسبة عبر الشبكات كافة توجيه أمر بالقيام بمظاهرات. وكانت هناك خطط دقيقة بخصوص ما يجب فعله وفى أى مكان وفى أية أحياء وميادين، وإلى أين يجب التحرك، كل ذلك كان بدعم كامل من وكالة الأمن القومى الأمركية التى جندت ـ بحسب قول غارييف ـ ما يربو على ١٦ ألف موظف لمراقبة تلك الشبكات الإلكترونية فى كل أنحاء العالم، وفى الوقت نفسه هددت البلدان المستهدفة بأن أية محاولة للحيلولة دون هذه الأعمال، يعلن على الفور بأنها انتهاك لحرية التعبير وحقوق الإنسان وتفرض مختلف العقوبات».

وأشار تقرير صحفى إلى ما قاله: جيرالد نيرو الأستاذ فى كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب مخاطر الإنترنت: أن شبكة الفيس بوك يديرها مختصون نفسانيون إسرائيليون مجندون لاستقطاب شباب العالم الثالث وخصوصا المقيمين فى دول الصراع العربى الإسرائيلى إضافة إلى أمريكا الجنوبية. ويشير التقرير إلى أن الشباب العربى كثيرًا ما يجد نفسه مضطرًا دون أن يشعر للإدلاء بتفاصيل مهمة عن حياته وحياة أفراد أسرته ومعلومات عن وظيفته وأصدقائه والمحيطين به وصور شخصية له ومعلومات يومية تشكل قدرًا لا بأس به لأى جهة ترغب فى معرفة أدق التفاصيل عن عالم الشباب العربي.

فقد أتاحت المواقع الاجتماعية الإلكترونية كموقع الفيس بوك وشبكات الحوار والدردشة الفرصة الذهبية لعمل المخابرات الصهيونية، حيث تلتقى مع أشخاص لم تتمكن من التقائهم أو استهدافهم بشكل مباشر من قبل، حيث يعتبر الشباب العربى على قائمة الاستهداف الأولى فى الحسابات الجديدة لمخابرات الإنترنت الصهيونية، فأصبح الفرد المشترك فى المجتمع الإلكترونى مستهدفا كالساكن فى المجتمع الحقيقى لكن تختلف الوسيلة، والتى تعتمد بالدرجة الأولى على الهندسة الاجتماعية والحوارات الناعمة، يتخللها سحب وصيد معلومات يستفاد منها فى عملية التوريط والتجنيد.

وتلجأ المخابرات الصهيونية للعمل فى مواقع التواصل الاجتماعى لعدة أسباب:

- فى عصر الإنترنت تشكل مجتمع حديث إلكترونى على نمط المجتمع الحقيقي، وهذا يلزمه جهد استخبارى مناسب لاستمرار جمع المعلومات وتجنيد جواسيس جدد.

- تعويض ما تم فقدانه من مسألة الاحتكاك بينها وبين المواطن العربي.

- سهولة الالتقاء وسرعة الاتصال بالجميع تحت أسماء وهمية (جميلة وجذابة) وتحت مبررات مختلفة.

- توفر المعلومات المجانية المختلفة وبحجم كبير، والتى ينشرها الجهال والمتهورون، حيث تقوم على دراستها وتحليلها، كالتعرف على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى قطاع غزة، وقياس رأى شريحة أو شرائح من المجتمع حول قضية ما، ومن ثم توظيفها: كالقيام بعمليات الابتزاز والضغط على الضحية، أو التأثير على الرأى العام الإلكترونى وتوجيهه أحيانا من خلال المجموعات التى تحمل توجهات تتماهى مع توجهات الاستخبارات.

- يعتبر التواصل عبر المواقع الاجتماعية والإنترنت أكثر الطرق أمانًا بالمقارنة مع اللقاءات المباشرة.

و أوردت صحيفة لوموند الفرنسية: أن المخابرات الصهيونية الخارجية الموساد تعمل على تجنيد عملاء عرب على الفيس بوك والشبكات الاجتماعية حيث يشترك جنود وضباط مخابرات بأسماء وصور وهمية جميلة لنسج علاقات مع شبان عرب بهدف التعرف عليهم واستغلال نقاط الضعف لديهم للإيقاع بهم.

وقد أكدت هيئة الإذاعة البريطانية أن المخابرات الصهيونية كثفت نشاطها الاستخبارى على الفيس بوك الاجتماعية بهدف تجنيد العملاء والجواسيس فى فلسطين المحتلة.

وتعتمد مخابرات الإنترنت فى ذلك على جمع المعلومات الشخصية التى تتم مشاركتها من قبل مستخدمى موقع الفيسبوك، لاسيما عنوان البريد الإلكترونى وعناوين الاتصال الشخصية الأخرى، ما يسهل مهمة الاتصال بهؤلاء لاحقا، أو الضغط عليهم بوسائل معينة لتجنيدهم عملاء لديها.

وفى الوقت الذى يجد فيه البعض فى مواقع الشبكات الاجتماعية متنفسًا للتسلية لقتل أوقاتهم، فإن هناك من رجال المخابرات من يقضون وقتهم لقتلهم من خلال بياناتهم الشخصية وعناوينهم، بقصد أو غير قصد.

أحد الأشخاص قد تلقى اتصالا من قبل المخابرات الصهيونية تفاجئه بأنها حصلت على معلومات تخص عمله فى المقاومة، وعندما أعاد الذاكرة للخلف وجد أنه - فعلًا- قد تورط فى إعطاء بعض المعلومات لشخص يجهله على الفيس بوك لم يتوقع أن توجه ضده، لأن الشخص المجهول كان يحب المقاومة وأغلب مشاركاته فى الفيس بوك كانت تتحدث عن عمليات وتحضيرات المقاومة للرد على أى عدوان صهيونى متوقع. (بعد أن حصلت المخابرات على المعلومات من خلال الفيس بوك، استكملت المعلومات الأخرى التى تخص عمله فى المقاومة من خلال الميدان ومتابعة العملاء له على الأرض لتفاجئه بالمزيد من المعلومات).

قد تستمر عملية الحوارات والدردشة والتواصل فترة طويلة تصل لعام كامل أحيانًا حتى تحدث عملية التجنيد المبنية على التوريط، فمثلًا، تقوم فتاة من المخابرات الصهيونية لتتصل بشاب مراهق صاحب نفسية ضعيفة فتنسج معه علاقة حب وغرام ووعود بالسفر للالتقاء، فيتعلق الشاب بالفتاة، حيث تقوم فتاة المخابرات بتوصيل الشاب الضحية للضابط المسئول عن التجنيد، وهو المسئول المباشر عن الفتاة، الذى بدوره يقوم بإشعار الشاب الضحية بأن مصلحته تهمه، ويبدأ بالطلب منه بالتعاون وإعطاء معلومات لمساعدته للوصول للفتاة أو الالتقاء بها فى مكان ما لترتيب اللقاء.

ومن هنا فعلى وسائل الإعلام إلا تقع فريسة لوسائل التواصل الاجتماعى كمصدر للمعلومات أو أداة للتواصل.

وللحديث بقية