لا يستطيع المرء أن يتخيل مدى العبث الذي تنطوي عليه سلوكيات الاتحاد الأوروبي الذي تحول إلى منصة ومكلمة فشلت في إدراك ومراعاة مصالح شعوبها التي بدأت تدرك أنها مجرد أداة وألعوبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية وخير شاهد على ذلك فشله العميق في مواجهة الأزمة الأوكرانية التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك مدى تبعية الاتحاد الأوروبي للسياسات المدمرة في أوروبا ومدى انفصاله عم شعوبه التي تخرج يوميا في تظاهرات تطالبه بالعدول عن مساره المعوج في التعامل مع العبث الأوكراني وتصور زيلنيسكي وعصابته قدرة وهمية تهيئ له إمكانية هزيمة روسيا أمامه.
إن الرد على البذاءات التي وردت في بيان الاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان لم تعد مجدية فقد فقد البرلمان الأوروبي عقله وتعطلت بوصلة حكمته وبات من التبعية للعم سام حتى دفع دفعا لاتهام روسيا بأنها دولة راعية للإرهاب وهذا يكفي لتصور مدى الحمق الذي يسيطر على الاتحاد الأوروبي ويدفعه لمثل هذه البيانات الجوفاء.
وباستقراء التاريخ تجد أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بسجل حافل بالفشل من ناحية إدراك الواقع أو فهم مستجداته فالاتحاد الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية كان منوطا به الحفاظ على السلام بين الدول الأعضاء من خلال التكامل الاقتصادي والسياسي لكن ابن ذلك اليوم وقد أوشك الاتحاد على التفكك والتشرذم الذي بدا جليا في فشله في إقرار سقف للغاز والنفط الروسيين .
ولنعد للوراء قليلا حيث نجد الشواهد على عجز السياسة الأوروبية ومنها الحرب اليوغوسلافية في عام 1990 وقد كانت أول فرص ذلك الكيان في أن تكون له قدرة على إثبات وجوده وتحقيق أهدافه التي تأسس من أجلها لكن كان الفشل واضحا وما زال يتواصل أمام قضايا مفصلية في حياته مثل الشعبوية المتصاعدة، وتجدد أزمة اللاجئين، وجائحة كوفيد-19.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي، الذي يتألف من 27 بلدا، يسمح بحرية حركة السلع والخدمات والأفراد بين دوله الأعضاء كما يشترك تسعة عشر من هذه البلدان في عملة مشتركة إلا أن الاتحاد الأوروبي فشل أيضا في أن يكون له اتحاد مالي ناجح ظهر عوارها خلال إفلاس اليونان وأزمة كتالونيا، والهيمنة الألمانية، وهو ما يظهر أن سياساته لا تمثل شعوب أوروبا تمثيلا كافيا هناك غياب معترف به على نطاق واسع للشفافية في الوظائف فإنشاء عملة موحدة، على الرغم من ملاءمتها، تسبب في اختلال التوازن فالتخفيضات الداخلية المستمرة في قيمة العملة وقمع الأجور لتعزيز جاذبية التصنيع ترك منطقة اليورو عرضة بشدة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية بل سمح هذا أيضا لدول مثل ألمانيا باكتساب موقع مهيمن في المنطقة، والسيطرة على التصنيع ولعب دور الدائن لجيرانها المثقلين بالديون
إن الاتحاد الأوروبي الذي نصب نفسه قاضيا على الشعوب يوزع الأحكام سابقة التجهيز يتناسى أن معظم مسؤولية باستثناء أعضاء البرلمان الأوروبي لا يتم انتخابهم ديمقراطيا من قبل الأشخاص الذين يهدفون إلى تمثيلهم ما يؤدي بالطبع إلى انعدام المساءلة كما أن شرعية معاهدات الاتحاد الأوروبي مشكوك فعلى سبيل المثال، فإن معاهدة لشبونة المعمول بها حاليا والتي رفضها الناخبون الإيرلنديون في البداية هي ببساطة إعادة تشغيل للمعاهدة الدستورية، التي رفضتها فرنسا وهولندا من خلال الاستفتاءين.
لقد سقطت مصداقية الاتحاد بعد أن فشل في الظهور كبطل للمساواة كما أخفق أيضا في التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأعضاء وحماية مواطنيها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وللنظر إلى احتجاجات بلغاريا كمثال حيث امتنع الاتحاد عن التدخل في الحالة أو حتى معالجتها.
والسؤال الحقيقي ما الذي يجعل بلغاريا مختلفة عن غيرها والجواب بسيط وهو أن ذلك الاتحاد أقيم على مبادئ مكيافيلية تقدم أولويات واحتياجات بعض الأعضاء الأقوياء كبروكسل وبرلين على حساب الأعضاء الآخرين.
من هنا يجب أن نضع كل تلك العوامل السابقة في الحسبان ونحن نتلقى مثل تلك البيانات التي تصدر حول مصر فهي مغلوطة مدفوعة بحساب مصالح وتفتقر إلى الشرف الذي تروج له كما يجب أن يدفع الاتحاد الأوروبي ثمنا لمثل هذا التجرؤ والتطاول وبيننا وبينه مصالح يجب أن يدرك أيضا أنه يعرضها للخطر وأعتقد أن الاتحاد يجب أن ينشغل أكثر اليوم بقدرته على التأثير وإنقاذ مصداقيته وأن نظاما عالميا يتخذ مساره يجب أن تكون مشاركته فيه قائمة على احترام الرأي الآخر واحترام الاختلاف.