الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

أمريكا بين الدولة والسياسة

  • 8-12-2022 | 09:09
طباعة

هناك فارق كبير بين السياسات التى تصدرها الولايات المتحدة للخارج والتى تقترب فى ألاعيبها من الشعوذة السياسية وبين الدولة الأمريكية التى تواجه تحدياتها الداخلية أو تجد ما يهدد أمنها المجتمعى والقومى.

 
تجرى منذ أشهر المحاكمات الخاصة باقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى التى وقعت فى 6 يناير 2021، ووصل عدد من يحاكمون فى هذه القضايا ما يقرب من ألف متهم وتم الحكم على مائة متهم حتى الآن بعقوبات مختلفة هذا غير مطاردة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بتهم تحريض أنصاره على ارتكاب واقعة الاقتحام. 


على الميزان المختل للسياسة الأمريكية التى تصدرها واشنطن للخارج لو جرت مثل هذه المحاكمات فى دولة أخرى ستجد على الفورالتصريحات تخرج من البيت الأبيض وتتوالى بيانات الخارجية الأمريكية وتصدرالمنظمات الحقوقية التابعة للأجهزة الأمنية بواشنطن التقارير التى تدين هذه المحاكمات. 


تحوى التصريحات والبيانات والتقارير الأمريكية "كليشهات " مكررة ومعتادة فتجد تعليقات على أعداد المتهمين وتشكيك فى قضاء الدولة المستهدفة وتسفيه للجرائم التى ارتكبها المتهمون مهما كانت خطورتها وأن الأدلة فى القضايا المعروضة على القضاء فى هذه الدولة قائمة فقط على اتهامات صاغتها الأجهزة الأمنية بها، وإن صدرت الأحكام فى تلك القضايا تبدأ واشنطن فى إثارة الزوابع الدعائية وتحرك كل وسائل إعلامها ضد هذه الدولة المستهدفة، بالتأكيد سبب السياسات الأمريكية المصدرة للخارج ليس البحث عن العدالة لكن الأمر مختلف تمامًا. 


السبب الرئيسى الذى يحرك الآلة الدعائية الأمريكية ويجعل ماكينة التصريحات والبيانات والتقارير المنحازة تعمل بكل طاقتها هو المصالح الأمريكية التى تحرك سياسات واشنطن وليس العدالة أو ماتدعيه من دفاع عن حقوق الإنسان، فعن طريق الزوابع الدعائية الممنهجة تبدأ المساومات مع الدولة المستهدفة وتعرض واشنطن الصفقة المعتادة وهى التوقف عن الضغوط الدعائية مقابل تحقيق المصالح الأمريكية وبالتأكيد هذه المصالح التى تريدها واشنطن تتعارض مع مصالح هذه الدولة أو تحالفاتها مع المنافسين للولايات المتحدة ويمكن ببحث تاريخى بسيط أو فى وقتنا الحاضر أن نجد مئات الأمثلة على تلك الألاعيب الأمريكية. 


عندما ننتقل إلى أفعال الدولة الأمريكية سنجد تحولا بنسبة 180 درجة فى القرار الأمريكى بعيدًا عن السياسات المصدرة للخارج والتى تخدم قبل كل شيء مصالح وهيمنة واشنطن على العالم، إذا أردنا معرفة حجم هذا التحول يمكن متابعة المحاكمات الخاصة باقتحام الكونجرس وخاصة ماحدث قبل أيام فى التهمة والإدانة التى طالت ستيوارت رودس مؤسس ميليشيا (حراس القَسَم) اليمينية المتطرفة وأربعة من أعوانه. 


وجهت الدولة الأمريكية ممثلة فى الادعاء الأمريكى إلى المتهمين الخمسة وحسب بيان وزارة العدل الأمريكية المنشور عقب الإدانة تهمة التمرد المسلح ضد حكومة الولايات المتحدة مستندة إلى الوقائع التالية ـ حسب بيان وزارة العدل "استخدم المدعى عليهم  بشكل جماعي  مجموعة متنوعة من الأساليب والوسائل  بما في ذلك التنظيم فى فرق كانت مستعدة وراغبة في استخدام القوة ونقل الأسلحة النارية والذخيرة إلى واشنطن العاصمة  تجنيد الأعضاء والمنتسبين، تنظيم دورات تدريبية لتعليم وتعلم أساليب القتال شبه العسكرية ، الجلب والمساهمة بالمعدات والأسلحة والإمدادات شبه العسكرية  بما في ذلك السكاكين والهراوات والأزياء القتالية المموهة والخوذات ومعدات الراديو  إلى مبنى الكابيتول لانتهاك ومحاولة السيطرة على أراضي مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 ، في محاولة لمنع وإعاقة وتأخير التصديق على تصويت الهيئة الانتخابية مع استخدام القوة ضد ضباط إنفاذ القانون أثناء وجودهم داخل مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 ، الاستمرار في التخطيط  بعد 6 يناير. 2021 " .


هذه التهمة التى أدين بها ستيوارت رودس زعيم جماعة (حراس القَسم ) تم تشريعها فى القانون الأمريكى عقب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية لمواجهة بقايا الانفصاليين الجنوبيين وتمردهم على الحكومة الأمريكية الفيدرالية وحسب ماجاء فى نص المادة من القانون الأمريكى أنه إذا تآمر شخصان أو أكثر في أى ولاية أو إقليم ، أو في أى مكان يخضع للولاية القضائية للولايات المتحدة للإطاحة بحكومة الولايات المتحدة أو تعطيل عملها أو تدميرها بالقوة، أو لشن حرب ضدها، أو معارضة سلطتها بالقوة، أو منع أو إعاقة أو تأخير تنفيذ أى قانون من قوانين الولايات المتحدة بالقوة، أو للاستيلاء أو الاستيلاء أو حيازة أى من ممتلكات للولايات المتحدة بالقوة بما يتعارض مع سلطتها، فتصل عقوبة من يرتكب هذه الجرائم وفق القانون الأمريكى للسجن لمدة تصل إلى 20 عامًا والغرامة وهى العقوبة التى ستوقع على ستيوارت رودس زعيم جماعة (حراس القسم ) وبقية أعضاء جماعته بعد أن أدانت هيئة المحلفين فى واشنطن المتهمين بهذه الجريمة وجرائم أخرى تتفاوت مدد العقوبة فيها حسب الحكم النهائى الذى سيصدر من هيئة المحكمة.  


يتشابه نص هذه المادة فى القانون الأمريكى مع العديد من نصوص المواد فى القوانين الجنائية فى كثير من الدول التى تم تشريعها من أجل حماية الدولة من خطر الجماعات الإرهابية وتم تشريع مثلها فى القانون الجنائى المصرى وقانون مكافحة الإرهاب وعلى أساس هذه القوانين  تتم المحاكمات العادلة لعناصر جماعة الإخوان الفاشية التى ارتكبت العديد من الأعمال الإجرامية والإرهابية ضد الشعب والدولة  المصرية. 


عندما نعود إلى بيان وزارة العدل الأمريكية ووقائع محاكمة جماعة (حراس القَسم ) نجد أن ماجاء فى البيان والوقائع يتعارض تماما مع ماتنتجه السياسة الأمريكية المصدرة للخارج وآلة الدعاية الخاصة بها، فكل الأدلة التى تم جمعها فى القضية وتم توجيه الاتهامات على أساسها هى أدلة حكومية جمعها مكتب التحقيق الفيدرالى المركزى فى واشنطن وسائرمكاتبه فى الولايات الأمريكية ويشيد البيان بهذا العمل للمكاتب الفيدرالية فى جمعها الأدلة ضد المتهمين. 


هنا لم يجد أى من مصدرى التصريحات والبيانات والتقارير أى أمر غريب فى كل الأدلة المقدمة فى القضية رغم أن من قام بتقديمها الأجهزة الأمنية المختصة بل أن بيان وزارة العدل الأمريكية يؤكد أن الأدلة المقدمة هى أدلة قدمتها جهات حكومية ، عندما تكون القضية فى الداخل الأمريكى وتهدد الأمن القومى للدولة الأمريكية تصبح أدلة الأجهزة الأمنية مصدقة ولا تقبل الشك أما لوكانت نفس الأدلة فى قضية بدولة أخرى تستهدفها السياسات الأمريكية تعمل على الفور آلة الدعاية الأمريكية على التشكيك بها. 


وجهت الولايات المتحدة إلى المتهم الرئيسى وإلى عناصر هذه الجماعة التهمة الأخطر فى القانون الأمريكى بأنهم يريدون تعطيل عمل الحكومة وتدميرها ويشنون عليها حربًا وعندما نرى الفعل الرئيسى الذى قام به هذا المتهم ستيوارت رودس حسب الادعاء الأمريكى وبسببه تم توجيه هذه التهمة الخطيرة أنه كان يوجه أعضاء جماعته باللاسلكى من خارج دائرة الاشتباكات عند مبنى الكونجرس واعتبر الادعاء أن مافعله ستيوارت يماثل تمامًا مايفعله جنرال فى ساحة معركة ويوجه جنوده من أجل القتال، فقط من أجل التوجيه ولم يشتبك أو دخل فى صدام فعلى مع قوات الأمن تم توجيه تهمة التآمر ضد حكومة الولايات المتحدة ضد ستيوارت رودس وأعوانه. 


لا نعلم ما التهمة التى كان يمكن أن يوجهها الادعاء الأمريكى إلى ستيوارت رودس وجماعة (حراس القسم) لو قاموا مثلا بتفجير منشآت حكومية عامة، أو قاموا باقتحامها وحرقها أو فجروا مقرات الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة واغتالوا عددًا من رجال تنفيذ القانون أو حرقوا وفجروا دور العبادة وقتلوا الآمنين فيها أو أن ستيوارت رودس وجماعته احتلوا ساحة الكونجرس وباشروا اعتصامًا مسلحًا ضد الدولة الأمريكية. 


حسب التاريخ الأمريكى والوقائع السابقة التى حدثت على أرض الولايات المتحدة فهنا لاتنتظر الدولة الأمريكية توجيه الاتهامات بل تتحرك الدبابة الأمريكية لتسحق من يهدد الأمن القومى الأمريكى كما حدث فى أوريجون وتكساس عندما هددت جماعات متطرفة الأمن الأمريكى بقوة السلاح. 


يجب ألا نندهش من هذا الخلل فى الميزان الأمريكى بين سياسات الخارج وقرارات الداخل لأن من يحرك هذا الخلل لعبة المصالح التى تخدم الهيمنة الأمريكية لكن بعد هذه المحاكمات التى تجرى الآن فى المحاكم الأمريكية بسبب تعرض الأمن القومى الأمريكى للخطر ويتم إدانة المتهمين فى هذه القضايا بتلك الاتهامات الخطيرة فيجب بعد ذلك أن يتوقف مصدرو التصريحات والبيانات والتقاريرعمايفعلونه لأن اللعبة الأمريكية والسياسات المصدرة للخارج أصبحت مكشوفة وسخيفة. 


 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة